مجلة البعث الأسبوعية

“اللص أردوغان.. من سرقة المعامل إلى سرقة التاريخ 

“البعث الأسبوعية” ــ فايز طربوش

بعد دعم نظام أردوغان وتدريبه وتسليحه آلاف الإرهابيين العابرين للحدود، الذين استقدمهم هو وحلفاؤه من أكثر من مئة دولة، ووفّر لهم الدعم السياسي والعسكري والإعلامي، قبل أن يعمل على إدماجهم في قواته، وشن أعمال العدوان واحتلال أجزاء واسعة من شمال سورية، أمعن في سرقة ونهب مقدرات الشعب السوري وثرواته وموارده الطبيعية، بما فيها النفط والغاز والمصانع والآليات والمحاصيل الزراعية، وأخيراً وليس آخراً الآثار.

وعلى مدى السنوات الماضية، قامت التنظيمات الإرهابية العميلة لأردوغان، من “داعش” إلى “النصرة” وغيرها من التنظيمات الإرهابية، بأعمال الحفر العشوائي، وحطّمت الأوابد واللقى الأثرية، مثل واجهة المسرح الروماني والتترابيلون فى مدينة تدمر، والتماثيل والقطع الأثرية فى موقع دورا أوروبوس، أو الصالحية الأثري، ونهب وسرقة ما خف وزنه وغلا ثمنه وتهريبه إلى تركيا، ومنها إلى دول أوروبية.

وآخر تلك الأعمال التنقيب ضمن أحياء المحطة والعبرة والكنائس، في منطقة رأس العين، وذلك بعد تعمّد مرتزقة أردوغان، فيما يسمى فصيلي “السلطان مراد” و”السلطان سليمان شاه” – أو “العمشات” – الإرهابيين، بنبش تل البير جنوبي قرية افرازة التابعة لناحية المعبطلي، وتعرّض التل للتخريب بسبب استخدام الإرهابيين آليات ثقيلة أثناء البحث على الآثار في المنطقة.

وفي وقت سابق، قام إرهابيو “العمشات” بعمليات حفر وتنقيب عن الآثار في تل أرندة الأثري، الواقع في ناحية الشيخ حديد في ريف عفرين الغربي، وأدى استخدام الإرهابيين لمعدات ثقيلة وعمليات البحث العشوائية المتواصلة إلى تضرّر التل بشكل كبير، وإحداث دمار هائل به.

والعام الماضي قامت آليات تابعة لنظام أردوغان بحفر تلة جنديرس والبحث عن آثار من خلال التنقيب عنها عبر فرق متخصصة في البحث عن الآثار.

وفي هذا السياق، أكدت مصادر متطابقة أن متزعم “فيلق الشام” الإرهابي، المقرب من النظام التركي، يعمد لتنفيذ عمليات تنقيب عن الآثار في منطقتي ميدانكي والنبي هوري، حيث تجري عمليات نهب الآثار التي يتمّ العثور عليها أثناء عملية البحث، وسط تعام أردوغاني مقصود لإطلاق يد الفصائل الإرهابية لتغيير تاريخ المنطقة، بعد أن جرى تدمير حاضرها.

وهذه الأعمال، التي طالت تلال عجاجه وطابان ومؤزر وقلعة سكرة، وغيرها من مواقع أثرية، يعود تاريخ بعضها إلى الفترة الآشورية الوسطى الحديثة، أو إلى الألف الثالث قبل الميلاد، أو الفترة الرومانية والأيوبية المملوكية، تهدف فيما تهدف إلى طمس تاريخ سورية وتغيير هويتها.

 

نهب 25 موقعاً أثرياً في عفرين

وتحوّلت تركيا خلال السنوات الأخيرة إلى سوق تصريف للذهب والآثار السورية المسروقة، إذ جرى تهريب لقى ومخطوطات نقلت من شرق دمشق إلى الشمال السوري، نحو الأراضي التركية، وأكدت مصادر متطابقة أن جميع الآثار السورية المسروقة تنقل وتباع داخل الأراضي التركية، وهناك مشاركة لضباط أتراك في عملية سرقة آثار سورية، وأن اعتقال أحد الضباط، من قبل حاجز للقوات التركية، في نقطة المسطومة بإدلب، ما هو إلا لذر الرماد في العيون.

وكشف المصادر أن هناك أكثر من 25 موقعاً أثرياً جرى نهبها في عفرين، برعاية قوات الاحتلال التركي ومخابرات أردوغان، مؤكدة أن آثار سورية تسرق منذ سنوات، وخاصة في عفرين وتل أبيض وإدلب، التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” الإرهابية.

 

تتريك ممنهج

يذكر أن نظام أردوغان شن 3 اعتداءات على سورية عبر ما يسمى “نبع السلام” و”درع الفرات” و”غصن الزيتون”، بهدف إقامة “منطقة آمنة” لإرهابييه ومرتزقته بعمق 32 كيلومتراً، وعلى طول 460 كيلومتراً، وتضم مدناً وبلدات من 3 محافظات سورية، هي حلب والرقة والحسكة، ولكنه لم يصل تماماً إلى النتائج التي استهدفها، إلا أنه يتخذ خطوات ترمي إلى بقائه بشكل دائم في تلك المناطق بما يتناسب مع هدفه الاستعماري، وذلك بتعزيز عمليات التغيير الديموغرافي والتتريك في المناطق المُحتلة، وطمس هويتها ومحو ذاكرتها وتزوير تاريخها.

فبعد السيطرة على المناطق الممتدة من رأس العين إلى تل أبيض عام 2019، بطول 120 كلم وبعمق نحو 30 كلم، وبعد أن هجّرت قوات أردوغان ما يزيد عن 300 ألف مدني من قراهم وبلداتهم، ودمّرت المنازل والمستشفيات والبنى التحتية، يعمل نظام أردوغان اليوم على جلب سكان جُدد من مناطق أخرى لتوطينهم بغية تحقيق أهداف سياسية بحتة، الغاية منها تغيير هوية المنطقة بشتى الوسائل وإجراء تغيير ديموغرافي وتعزيز عمليات التتريك.

كما عمدت قوات النظام التركي إلى بناء جدار إسمنتي في محيط مدينة عفرين لعزلها عن محيطها الجغرافي الطبيعي، كجزء لا يتجزأ من الأراضي السورية، وتقطيع أوصال المنطقة عن بعضها، وهو جدار يحاكي جدار الفصل العنصري الذي أقامته قوات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة لتقطيع مناطقها وحرمان الأهالي من أراضيهم وممتلكاتهم.

ولا تزال قوات أردوغان وأدواتها تواصل سياستها القمعية لدفع من تبقى من السكان في مناطق ما يسمّى “نبع السلام” للخروج من مناطقهم، حالهم كحال من رفض التهجير من أهالي عفرين، كما باتت مناطق كثيرة في الرقة والحسكة تشهد توطيناً مُتصاعداً لعائلات الإرهابيين على حساب السكان الأصليين. وبالإضافة إلى ذلك، فرض نظام أردوغان التعامل بالليرة التركية بدلاً عن الليرة السورية، وعمل على تغيير المناهج المدرسية وأسماء البلدات، فاستبدل اسم بلدة “قسطل مقداد” ليصبح “سلجوقى أوباصي”، وأطلق اسم “أتاتورك” على الساحة الرئيسة في عفرين، بعد تهجير مئات الآلاف من الأهالي والاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم، وأطلق أسماء ضباط أتراك، قتلوا أثناء العدوان التركي على الأراضي السورية، على المدارس السورية، وفرض اللغة التركية مادة أساسية في مناهج التدريس.

وفي مدينة رأس العين بالحسكة افتتح نظام أردوغان مدرسة أطلق عليها اسم “أنقرة”، وهي المدرسة الثامنة في المناطق التي تحتلها القوات التركية أو تسيطر عليها المجموعات الإرهابية المؤتمرة بأمرها، كما عمد إلى توسيع فروع جامعة غازي عنتاب لتشمل المناطق التي تحتلها قواته شمال سورية عبر افتتاح ثلاثة أقسام دراسية جديدة فيها.

وضمن سياسة التهجير، تستمر عمليات الخطف والاعتقالات التعسفية بحق أهالي مناطق “نبع السلام” و”غصن الزيتون” دون التفريق بين مكوّنات الشعب السوري، إذ تطال سياسة القمع الأردوغانية الكرد والعرب على حدّ سواء.

وفي هذا السياق يقول الكاتب التركي جتين غورر “إنّ الخرائط الجغرافية التي تُعرض مؤخراً في وسائل إعلام حزب العدالة والتنمية تكشف أن نظام أردوغان تمدّد خارج حدوده، التي تم ترسيمها بموجب معاهدة لوزان، وأنه توسّع بحيث يضم حلب والموصل بل وجزءاً من أراضي اليونان وبلغاريا، وأشار إلى أن الجانب الأخطر في سياسة التتريك يأتي من بوابة التعليم بهدف فرض اللغة والتاريخ التركيين على الطلبة السوريين، بكل ما يحمله ذلك من عملية تزوير للحقائق والوقائع التاريخية والثقافية والعلمية”.

سياسة التتريك تأتي لتحقيق أوهام أردوغان بإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية البائدة، والتي تحطّمت، قبل مئة عام ونيف، كما تحطّم غيرها من مخططات استعمارية.