دراساتصحيفة البعث

نظام أردوغان يسمم العلاقات المغاربية – الأوروبية

ريا خوري

سعى النظام التركي خلال العقود الماضية إلى التأثير في المشهد المغاربي، وتسميم العلاقات المغاربية – الأوروبية، وعمد إلى دعم الإرهابيين في ليبيا واستثمار الفوضى لمنافسة الطرف الأوروبي في نفوذه التقليدي في المنطقة. ومنذ اندلاع الاحتجاجات والأحداث الدامية التي أطلق عليها “الربيع العربي”، عمل النظام التركي على توظيف علاقاته الوثيقة مع الأحزاب الدينية، وتحديداً قوى الإسلام السياسي المتطرفة، بهدف التأثير في الأوضاع السياسية بالدول المغاربية.

وحتى الآن يتواصل السعي التركي المحموم في المنطقة بموازاة محاولات نظام أردوغان فرض نفسه كلاعب أساسي في شرق البحر الأبيض المتوسط للحصول على امتيازات كبرى متعلقة بمشاريع الغاز، حتى وإن دعا الأمر للاعتداء السافر على حقوق جيرانه، ولذلك ليس مستغرباً أن تلجأ “دولة” تمارس الإرهاب وتدعم الإرهابيين في استغلال تأثيرها الكبير في حكومة السراج لتعقد معها اتفاقاً ينتهك الاتفاقيات الدولية في شهر كانون الأول عام 2019  بشأن ترسيم الحدود البحرية.

إن الكثير من المراقبين يرون أن تركيا تريد السيطرة على ثروات شرق المتوسط، وإعادة بناء قواعد الشراكة الأوروبية المتوسطية في مجال الطاقة، التي جرت محاولات عدة لترسيخها وتثبيتها ابتداءً من قمة برشلونة عام 1995، وهي الشراكة التي سعى الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي إلى إعطائها بعداً سياسياً أكبر من خلال إطلاقه مشروع الاتحاد من أجل المتوسط.

وفي كتابه المعنون “التعاون الطاقوي الأوروبي المتوسطي، رهاناته وآفاقه”، يقول وزير الصناعة الجزائري الأسبق عبد النور كرمان: “المعروف أن هذا التعاون يستند في جزء كبير منه على دول المغرب العربي وبخاصة الجزائر وليبيا، اللتين تمتلكان احتياطات ضخمة جداً من الطاقة، لا سيما بعد أن تمكنت أنابيب الغاز الجزائري أن تربط المغرب العربي بدول أوروبا على الرغم من الخلافات السياسية الحادة بين دول المنطقة، وهو ما يبدو  واضحاً وصريحاً من خلال أنبوبي الغاز اللذين يربطان بين إيطاليا والجزائر عبر الأراضي التونسية، وبين إسبانيا والجزائر عبر الأراضي المغربية”.

ما يعنيه هذا الكلام أن نظام أروغان يسعى إلى منافسة دول الاتحاد الأوروبي على مناطق النفوذ في إفريقيا، وباعتبار أن دول المغرب العربي هي البوابة الرئيسية فإن التدخل فيها يمكّنه من الحصول على مكاسب جيوسياسية في المواجهة مع دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام، ومع جمهورية فرنسا بشكل خاص من منطلق أن الدول المغاربية الخمسة الجزائر، والمغرب، وتونس، وليبيا، وموريتانيا تشكل في مجملها المجال الحيوي بالنسبة للجغرافيا السياسية الفرنسية.

وبالتوازي مع طموح أردوغان لإحياء أمجاد السلطنة العثمانية في المنطقة، والسعي الدؤوب على تكثيف نشاطه السياسي والاقتصادي في مختلف دول المغرب العربي، يعمل النظام التركي بقوة على تحويل حضوره العسكري غربي ليبيا إلى وجود سياسي مؤثر في كل تسوية ما بين الأطراف المتصارعة على السلطة، ويرى في هذا الحضور استئنافاً لدوره الذي انقطع سنوات بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية البائدة في بدايات القرن العشرين.

من هنا نجد أن النظام التركي يصر على  أن يكون له دور كبير وحاسم في رسم معالم مستقبل ليبيا كدولة، ويدعم جماعات الإسلام السياسي في تونس، وتهميش المجتمع الأهلي والنخب التونسية التي تملك مخططات وأجندات تتمسك بقوة بمشاريع الشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي. أما بالنسبة لموريتانيا، فإنه يتعامل معها في سياق إستراتيجيته المرتبطة بالانتشار الاقتصادي في غرب إفريقيا.