اقتصادصحيفة البعث

آليات بالية لتأمين السكن!

لم يؤثر ارتفاع سعر الإسمنت على سوق العقارات، فحلم الشباب بالحصول على مسكن تعاوني أو ادخاري كان مستحيلاً في تسعينيات القرن الماضي، ولايزال مستحيلاً في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.!

ما من مؤشر يوحي بأن المسكن الشبابي سيصبح قريب المنال طالما الآليات المتبعة للاكتتاب لدى مؤسسة الإسكان لم تتغير منذ عقود، وهي آليات بالية مصممة ليفوز بالمساكن في نهاية المسار إما المقتدرون مالياً، أو المكاتب العقارية.!

أما الجمعيات التعاونية، بحكم إهمالها من وزارة الإسكان، فإنها تؤمن الأرض من القطاع الخاص، وتبني مساكنها بآليات المتعهدين للأعضاء المقتدرين مالياً.!

الملفت أن وزارة الإسكان لا تهتم بالإجابة عن السؤال: لمن نبني الضواحي ومشاريع الشباب والإدخار؟.

إذا كان الهدف زيادة أعداد المساكن لمن يقدر على دفع ثمنها، فإن الوزارة نجحت بتحقيق هدفها بنسبة تتجاوز 100%؟.

أما إذا كان الهدف- كما تؤكد الوزارة مراراً وتكراراًـ هو تأمين السكن للشباب والمدخرين أصحاب الدخل المحدود، فإن نتائج العقود الماضية تكشف أنها أخفقت إخفاقاً ذريعاً بتحقيق هدفها.!

لتقم وزارة الإسكان بجرد للمساكن التي بنتها وستكتشف حينها أنها ملك المقتدرين مالياً والمكاتب العقارية لا ملك الشباب وأصحاب الدخل المحدود.!

لا نظن أن عاقلاً في وزارة الأشغال مقتنع بأن عاملاً بأجر يتجاوز 100 ألف ليرة شهرياً مثلاًـ وقلة من يتقاضون هذا الراتب- قادر على تسديد ثمن شقة لا تقل تكلفتها عن 15 مليون ليرة، أي هو يحتاج إلى أكثر من 14 سنة، في حال لم تزد المؤسسة الكلفة لاحقاً، دون أن ينفق قرشاً واحداً ولو مقابل شربة ماء أو كسرة خبز، فهل هذا معقول؟!.

وبدلاً من أن يكون الشغل الشاغل لمؤسسة الإسكان فصل المكتتبين المتأخرين عن تسديد الأقساط الشهرية لمدة ستة أشهر متصلة أو منفصلة، لماذا لا تنشغل بتغيير آلياتها التي تمنع الشباب من الحصول على المساكن التي تبنيها؟!.

السؤال الذي يجب أن يكون محور عمل وزارة الإسكان: ما الآليات التي تضمن حصول الشباب والمدخرين والمكتتبين من أصحاب الدخول الضعيفة على مسكن لائق وصحي؟.

المسألة ليست عصية على الحل، والآلية متاحة، وما على مؤسسة الإسكان سوى تنفيذها.

بإمكان مؤسسة الإسكان الحصول على قروض مصرفية طويلة الأمد لبناء المساكن بدلاً من إلزام المكتتبين بالحصول على قروض محددة السقف وبفوائد عالية، وغالباً لا يوافق المصرف على منحها.

وبإمكان المؤسسة بعدها التعاقد مع شركات إنشائية عامة أو خاصة، أي شركات تطوير عقاري لبناء مدينة أو ضاحية سكنية، يخصص الجزء الأكبر منها للمكتتبين، والباقي مساكن فخمة بمساحات واسعة للمقتدرين مالياً، كما يمكن بناء مكاتب تجارية للمصارف وللمهن المختلفة، وأسواق تجارية.. إلخ، كل ذلك يخفض تكلفة مساكن الشباب والمدخرين والمكتتبين، وتُسلم لهم جاهزة للسكن بعد دفع نسبة من كلفتها غير مرهقة مقارنة بدخلهم، ويسددون الباقي على أقساط شهرية، أي كأنهم مستأجرون لمدد لا تقل عن ثلاثين عاماً.!

مثل هذه الآلية في بناء المساكن مربحة للمؤسسة وللمصارف ولشركات التطوير العقاري وللمدخرين، وكل ذلك ضمن مدن حديثة تحافظ على النسيج العمراني للمدن السورية.

كذلك الأمر بالنسبة للتعاون السكني، فبدلاً من أن تنشغل وزارة الأشغال بحل الجمعيات السكنية، فلتخطط لإقامة ضواح سكنية بالتعاون مع شركات التطوير العقاري على غرار ضاحية الشام الجديدة التي عمادها جمعيات تعاونية مهنية من جميع الحرف والاختصاصات تتيح حصول الأعضاء على مسكن بأقساط مريحة في مدينة صغيرة تتوفر فيها جميع أنواع الخدمات اليومية والسياحية والتجارية.. إلخ.

بالمختصر المفيد: آن الأوان لتغير وزارة الأشغال آلياتها البالية في بناء المساكن للمقتدرين وللتجار إلى آلية معاصرة تتيح لأصحاب الدخل المحدود الحصول على مسكن بأيسر السبل!.

علي عبود