ثقافةصحيفة البعث

برامج فنية منوعة فارغة الشكل والمضمون

شكّل البث الفضائي المستمر على مدار الساعة عبئاً ثقيلاً على أصحاب هذه القنوات، ودفعهم للبحث عن مواد إعلانية من هنا وهناك، الغاية منه سد نهم هذه القنوات حتى لو كان ذلك على حساب الذائقة الفنية للمشاهد، فبقيت هذه القنوات أسيرة البحث عن مسلسلات وبرامج فنية تجذب أكبر عدد من المتابعين واضعين الشكل والمضمون آخر حساباتهم بعدما تحول الفن وأدواته إلى قطاع ربحي تجاري، الغاية منه ملء الجيوب والضحك على اللحى.

قبل أيام قليلة ساعدت نفسي على حضور برنامج تلفزيوني منوع في إحدى القنوات العربية تقدمه مذيعة غريبة حقاً إذ كانت ترتدي لباساً يختزن تناقضات وألواناً متضاربة لا تمت إلى الذوق أو الحشمة بصلة، أما تسريحة شعرها فكانت أشد عجباً حيث زينته بعدد من الورود غير المتجانسة لم أستطع أن أميزها إذا كانت طبيعية أو صناعية، ولكنها تدعوك إلى النفور والاشمئزاز للوهلة الأولى، وكانت هذه المذيعة الطريفة تقوم بحركات واستعراضات خلاعية لا ترقى إلى أي نوع من الفنون، تضحك دون سبب، وتومئ بإشارات لا معنى لها، وترقص عندما يقتضي الأمر، ويشجع أداء هذه المذيعة الفريدة الشمولية جوقة من الجمهور شباباً وفتيات، لا عمل لهم سوى التصفيق بمناسبة أو من غير مناسبة.

أما اللغة التي تتحدث بها هذه المذيعة فهي هجين من عدة لهجات عامية من لبنانية ومصرية وتونسية وسورية وغيرها، ولا تنسى مذيعتنا النجمة زج العديد من الكلمات الأجنبية في سياق حديثها وخاصة في السلام والوداع والشكر، واستخدام المصطلحات الفنية وغير الفنية للدلالة على سعة الثقافة والاضطلاع باللغات الأجنبية.

والبرنامج بمضمونه استضافة فنان وحوار معه، واتصالات هاتفية مع فنانين أخرين لتقصي أخبارهم من زواج وطلاق أو سفر وإنجاب أو اعتزال أو الاطمئنان عن صحتهم أو إجلاء إشاعات مغرضة كما تسميها مذيعتنا.

وهنا نتوقف عند مسألة مهمة وهي ماهية الرسالة الإعلامية التي يقدمها هذا البرنامج والبرامج المشابهة له وهي كثيرة على القنوات العربية. ومن المعروف بأن أي مشروع مهما كان نوعه أدبياً أو ثقافياً أو تربوياً ومهما كان حجمه صغيراً أو كبيراً لابد أن يضع أصحابه أهدافاً له قبل البدء بإعداده ومن ثم تنفيذه بما يتماشى مع الذائقة العامة للمشاهد العربي، والبرنامج الفني الناجح أو المادة الإعلامية الجيدة هي التي تضع أهدافاً راقية تجمع ما بين الفائدة والمتعة والشكل والمضمون وترتقي بثقافة المتلقي وتحترم عقله وذوقه ومشاعره.

أما الموضوع الأهم الذي يمكن التطرق إليه فهي صورة المرأة في وسائل الإعلام والحديث هنا يطول ويطول، وهو ذو شجون، لأن أصحاب هذه القنوات ونهمهم المادي حصروا صورة المرأة في جانب واحد وهو الجسد وما يحمله من مفاتن وإغراء وجمال وأناقة وتصنع وغنج ودلال، فالصورة لا تعكس سوى السطح ولا تحاول سبر الأغوار لإبراز الجمال الحقيقي أي جمال النفس والفكر والمنطق والثقافة التي تتحلى بها المرأة العربية.

إن تصوير المرأة بهذه الصورة المشوهة على أنها مظهر يخلو من الجوهر وأنها سلعة تباع وتشترى لا يمكن أن يتقبله أي عقل، بعدما خطت المرأة خطوات عديدة في شتى مناحي الحياة وأتقنت العمل وأبدعت في مجالات عديدة وباتت مهيأة لتقديم صفحات مشرقة وقبسات مضيئة من نتاجها وأدوارها البناءة. لذلك لابد من إعادة النظر بهذه البرامج الهابطة فكرياً وفنياً والبحث عن برامج تتناسب مع تطور أذواق الناس التي باتت تفرق ما بين الغث والسمين، ولن تقتنع ببرامج فارغة المضمون فقيرة الطرح بلا فائدة تذكر، فهل من مجيب.

مهند الحسني