ثقافةصحيفة البعث

بين الفن والصحافة

أحياناً، يكون الصمت أبلغ من الكلام، وقد تكون ذروة البلاغة هي الصمت، وهذا ينطبق على كل حكيم يعرف متى يتكلم ومتى يترفع عن الكلام، وكل ساذجٍ يغرق في وحل أفكاره لمجرد النطق بما ليس يعرف، وهذا ينطبق أيضاً على بعض المشاهير من ممثلات وممثلين سوريين، إذ أن تصريحات بعضهم كفيلة بقيامةِ الدنيا عليهم، لذا يحق لهم التزام الصمت حيال أية قضيةٍ مهما كانت صغيرة، وربما يكفي هؤلاء أن يعتزلوا مفاصل الحياة في صومعاتهم، بعيداً عن وجع الناس وقهرهم، ويحيطون أنفسهم بهالةٍ واهيةٍ من التعالي والاستكبار، في حين أن سقف طموحهم، هو أن يلتقط معهم معجب صورةً أثناء مرورهم في طريقهم المرصوفةِ بالإبداع .

لكن الأمر يختلف تماماً حين يصبح أحد الفنانين مطالباً بالكلام على اعتبار أن الفن رسالة وكلمة وأن الفنان رسول هذه الكلمة، وعليه ما على صاحب الرسالةِ من مسؤوليات اتجاه جمهوره، والوسيلة الأكثر أهمية بين وسائل التواصل هي الصحافة لأنها الأكثر شرعية واعترافاً، ولكن مع الأسف ما يزال هناك الكثيرون من الفنانين السوريين يمتنعون عن إجراء أية مقابلة صحافية، وعن إدلاء أرائهم بما يخص واقع الناس وهمومهم، أو حتى بما يخص مشاكلهم الفنية وتصريحاتهم على مواقع السوشال ميديا التي تسبب لهم المتاعب في الكثير من الأحيان، إلا مع من تربطهم بهم علاقة وثيقةٌ من الصحافيين حينها يكون الأمر يسيراً، وكأن الصحافة حكراً على بعض المختارين من الصفوة المنتقاة، وبذلك يصعب على أي صحافيِ آخر أن يقوم بإجراء حوار مهني مع أي ممثل، وعليه أن يتكلف العناء باستخدام دهائه في الطرح لكي يجذب هذا الفنان أو ذاك فيقبل الأخير أو يرفض هذه المقابلة، وما تلبث هذه الحال حتى تنقلب رأساً على عقبٍ عندما تكون الجهة الصحافية المسؤولة عن الحوار من خارج سورية، فنجدهم يكسرون أغلال الاعتكاف ويجيبون على الأسئلة بكل ودٍ وترحيب مهما كانت مهينةً بحقهم أو مخجلةً لذواتهم الإنسانية، ولهذا أصبح الإعلام العربي يعتمد على أخبار الفنانين السوريين ومشاكلهم لصنع موادٍ صحافيةٍ مثيرة للجدل والاهتمام، ولم تقتصر هذه الحال على الصحافة السورية فقط وإنما أخذت تتوجه نحو الجمهور السوري أيضاً، فنرى بعض نجوم الدراما عندنا يتذمرون من محبة الناس والإعجاب بهم، فضلاً عن أنهم يتباهون في ذلك التذمر والسخط عن طريق السخرية، إلى أن أصبح المتابع عندنا، يبتعد عن أولئك النجوم الذين بدؤوا مسيرتهم بنيل إعجابه والذي يمتلك الحق عليهم بالاحترام، وقد يحدث العكس تماماً حين يكون هذا الإعجاب من الجمهور العربي لنجومنا السوريين، فلا نجدهم يبدون انزعاجهم منه مهما كلفهم الأمر، على أنهم يعتبرون هذا الكم الهائل من المحبة هو مقياسٌ لنجاحهم الدرامي وهذا صحيحٌ، لكنه منقوصٌ لأن نجاحهم لا يتوقف على رأي المتابع العربي وحده فقط، وإن كان ضرورياً، بل يجب على هذا النجاح أن يكون مقروناً بآراء السوريين وإعجابهم لكي يكتمل، وهذا ما لا يحدث غالباً، وإنما المشاركة التي يشاركون بها بعض نجومنا السوريين جمهورهم السوري هي استعراض ترفهم وأجورهم المالية ورحلاتهم السياحية إلى أوروبا، وكأنهم يطلبون من هذا المتابع أن يتفاداهم عامداً، لأن الهوة الاقتصادية بينهم وبينه كبيرة، فهم لا يعرفون قهره وعناءه الشديدين لتأمين أبسط مقومات الحياة في ظل الحصار الاقتصادي الذي تمر به سورية، حتى أن بعض الأعمال الدرامية التي صنعت في الآونة الأخيرة وعرضت على الشاشات هي في حقيقة الأمر لا تشبه حياة السوريين ولا أحلامهم البسيطة والجميلة، وكأنها قائمة على دقة الكاميرات والملابس الفاخرة والمكياج، وكأن بعض نجومنا المقيمين في الخارج أصبحوا متيقنين من أن الأعمال السورية والصحافة السورية والجمهور السوري، وكل ما هو سوري غير نافعٍ ولا يحقق لهم مبتغاهم من الشهرة والنفع المادي، أو أنهم يعتقدون أن المستوى الطبقي قد ارتفع بينهم وبين هذه البلاد بكل ما فيها، لذلك نراهم غير آبهين بما يخصها حتى وإن كانت كلمة حق، وعلينا تذكيرهم فقط أن الصحافة السورية والجمهور السوري هم أصحاب الفضل الأول على الكثيرين منهم، لأنهم عملوا على إعطاء مواهبهم حقها وإظهارهم أمام العالم، في الوقت الذي لم تلتفت إليهم صحف الخارج، ولم يتثن لهم اعتلاء المنابر خارج هذه البلاد، بالإضافة إلى أنهم كممثلين غالباً ستكون المنابر السورية أول ما يلجأون إليه، لتحصيل حقوقهم, طالبين من جمهور هذه البلاد أن يقف إلى صفهم بحجة الانتماء الواحد والقرابة الوطنية، وذلك عندما يشتغلون وفق عقود إذعان ولا يستطيعون تملك نسخة من هذه العقود مع مجموعة من المنتجين من داخل البلاد وخارجها، الغالبية العظمى منهم مجرد أميين يمتلكون القرار الإنتاجي المطلق ويتحكمون بمصير أي ممثل مهما علا شأنه.

عصام عبود