ثقافةصحيفة البعث

د. عجاج سليم: المسرح فن وافد ومحاولات تأصيله مضيعة للوقت

في رصيده عدد كبير من الأعمال المسرحية المهمّة في تاريخ المسرح السوري مثل: الزّير سالم، والمفتش العام، وسفر برلك، والغول، ويوم من زماننا، وسيدة الفجر، ونور العيون، وحكاية بلا نهاية، وهوب هوب، وكان آخرها مسرحية “كيميا” التي قُدّمت العام الماضي وشاركت في مهرجان قرطاج ومهرجان المسرح العربي في الأردن.. هو أحد أبرز المسرحيين العرب وعميد سابق للمعهد العالي للفنون المسرحية، كما شغل منصب مدير المسرح القومي ومدير المسارح ومديراً لمهرجانات مسرحية عربية لعدة سنوات، إنه المخرج د. عجاج سليم الذي كان لنا معه هذا الحوار.

*تعمل في المسرح منذ سنوات طويلة، فعند أية مسرحية تتوقف لتقول هكذا أردتُها أن تكون وكانت كما أريد تماماً؟.

**المخرج في كل مسرحية يحاول أن يلخّص ما يريد الوصول إليه من خلال مسرحية تولد كالطفل وتنمو سريعاً، ولكن أستطيع القول: إن مسرحية “الغول” كانت أقل المسرحيات تحقيقاً لما كنت أريده، في حين أن التجربة الأهم بالنسبة لي تلخصها عدة عروض مسرحية مجتمعة، حيث إن كل عرض منها كان يقوم على تقديم فكرة معينة، ومجموعها كان أقرب لما أردتُ قوله، وهذه العروض هي “الجزيرة القرمزية” لميخائيل بولغاكوف الذي قدّمتُه مع طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، ثم عدتُ وأخرجته ثانيةً لمصلحة مديرية المسارح والموسيقا باسم “هوب هوب” اقتباس الكاتب جوان جان، وبالتالي يمكنني القول: إنه لا يوجد عرض واحد حقّقتُ فيه كل ما أريده كمخرج، حيث إن هناك الكثير من الأشياء التي لا يمكن تحقيقها لأن المخرج يحلم ويتخيّل كثيراً ويحاول تنفيذ ذلك، إلا أن الظروف أحياناً لا تسمح بذلك وتكون معرقلة لتحقيق الشكل الذي في ذهنه.

*غالباً ما تلجأ كمخرج إلى الإعداد والاقتباس عن نصوص مسرحية أجنبية، فأي نقص يعاني منه النص المحلي برأيك؟.

**أحترم النص المحلي والكاتب المحلي، ولديّ تجارب كثيرة على هذا الصعيد، ولكن يجب أن نعترف أن تبدّلات حياتنا السريعة تجعلنا كمخرجين نشعر أن نصوصاً كثيرة كُتِبَت لا تناسب إلا المرحلة التي كُتبت فيها باستثناء بعض النصوص الصالحة لكل مكان وزمان، كنصوص ممدوح عدوان وسعدالله ونوس وغيرهم قلّة، لذلك أنا اليوم كمخرج أبحث في نصوص شباب لهم اهتمام بالمسرح، ولي أكثر من تجربة مع الكاتب جوان جان، حيث تمّ الاشتغال على بعض النصوص الأجنبية اقتباساً وإعداداً كي تكون نصوصاً محلية، والاقتباس معروف عالمياً، فشكسبير وموليير اقتبسا عن نصوص سابقة، وكذلك سعد الله ونوس، وهي مسألة طبيعية، وأنا مؤمن أن كل نصّ يُقدَّم على الخشبة على تماس وعلاقة مع ما يحدث يصبح نصاً محلياً.

**كان الحديث عن ضرورة تأصيل المسرح الهمَّ الأكبر للمسرحيين، فهل ما زال هذا الهمّ موجوداً؟.

**طُرِح موضوع تأصيل المسرح كثيراً في فترة الستينيات والسبعينيات، وقد كُتب الكثير من المقالات حوله وصدرت كتب كثيرة عنه، حيث كان هناك دائماً عودة إلى كل الظواهر المسرحية العربية والشعبية بحثاً عن جذور المسرح في تاريخنا، وللتأكيد أن له وجوداً تاريخياً في حياتنا، وأعتقد أن كلّ ذلك كان مضيعة للوقت لأننا يجب أن نعترف أن المسرح فنّ وافد علينا، وهذا ليس عيباً فينا لأنه ليس غريباً على مجتمعنا لوجود ظواهر فرجوية كانت موجودة لدينا، ولكن مشكلتنا الدائمة كانت وما زالت البحث عن الهوية ولكن بالاتجاه الخاطئ لأن الهوية موجودة. من هنا كان من العبث الحديث عن تأصيل المسرح، وكان علينا أن نعترف بأنه فن وافد وعلينا أن نستفيد منه لنقدم تجاربنا، ولا أُخفي أن البعض قد يصف كلامي هذا بالجريء وأنه عكس الاتجاه، ولكن هذا ما أؤمن به، ولطالما تساءلتُ لماذا كل هذه الجهود التي بُذِلَت في سبيل تأصيل المسرح، في الوقت الذي كان من الأَولى أن نتفاهم مع هذا الفن الوافد وأن نحاول من خلاله أن نقدّم أفكارنا، مستفيدين من تقنيات العالم والنظريات في التمثيل والإخراج كما يحدث اليوم على صعيد التكنولوجيا، ولا ضير في ذلك فقدر الثقافات أن تتلاقح وتتبادل التجارب وتأخذ وتعطي، لذلك علينا أن نعترف أن مسرحيينا أضاعوا الكثير من وقتهم بدلاً من أن يلتفتوا إلى شكل المسرح وتقنياته ونظرياته وتقديم أفكارنا من خلاله، مع الإشارة إلى وجود تناقض وانفصام شخصي في الشخصية المسرحية العربية، ففي الوقت الذي كان بعضهم يجتهد لتأصيل المسرح العربي كانت معظم الأعمال التي تقدّم هي أعمالاً عالمية من المسرح العالمي سواء لشكسبير أو لموليير أو لآخرين، وأعتقد أن هذا الانشغال في تأصيل المسرح قد بدأ يختفي من حياتنا في ظل وجود مسرحيين شباب.

*ماذا عن تجربة أبو خليل القباني في هذا الاتجاه؟.

**كان خير من تعامل مع هذا الفن الجميل والمقدّس والمحترم، وقد تعامل معه بذكاء، فكان أول من عمِل فيه بعد أن أدرك أن الشعر هو ديوان العرب، فكتب شعراً في مسرحياته وأدخل الموشحات في عروضه عندما لمس حب العرب لسماعها، ثم راح باتجاه التراث والحكاية -روح الدراما- وبالتالي قدّم مسرحاً نال الرضا حينها ونجح، وقد أتى بعده بسنوات طويلة سعد الله ونوس الذي كتب “نحو مسرح عربي جديد” ليؤكد ما ذهب إليه القباني.

*ظهر مسرح العبث كتعبير عن الغضب بعد الحربين العالميتين، في حين اتجه أغلب مسرحيينا في فترة الحرب وما بعدها للمسرح الواقعي، فكيف تفسّر ذلك؟.

**ظهر مسرح العبث في الحرب العالمية الثانية كنوع من السخط على الحرب، وكانت ردّة الفعل واضحة وصريحة من الفنانين الذين رفضوا كل أشكال القتل وأكدوا أن الأرض تتسع للجميع، فكان هذا المسرح بمنزلة احتجاج صارخ من الفنانين الأوروبيين تحديداً، وتأكيداً أن الحرب هي اختراع بشري بشع جداً وقد كانت مسألة الحرية في أوروبا وبعد الحرب التي دمّرت كل شيء كبيرة وأتاحت للكتّاب التعبير عن كل آثار الحرب من خلال مسرح العبث الذي نستشفّ في الكثير منه الواقع المرعب الذي كان قائماً، مع الإشارة إلى وجود المسرح الشكسبيري وعصر النهضة واليوناني والروماني قبل ذلك، ولكن عندما أتت الحرب كان مسرح العبث هو الوسيلة للتعبير عما يحدث. ونحن في مسرحنا في ظل الحرب اتجهنا نحو المسرح الواقعي، لأن النتاج والنشاط المسرحي قليل نوعاً ما وقُدّمت تجارب وعروض شعاراتية وعاطفية، وهذا أمر طبيعي لأن المسرح يحتاج إلى وقت حتى تتخمّر تجربة الحرب ليتمّ استيعابها ومن ثم إعادة إنتاجها وتقديم وجهة نظرنا فيها، وهذا لم نصل إليه بعد.

*تؤمن أن لا شيء يجدّد المسرح سوى الشباب، فما رأيك بما يُقدّم منهم في الآونة الأخيرة؟.

**الشباب هم الذين يمتلكون طاقة متجدّدة قادرة على بثّ روح الأمل والخير بغضّ النظر عن العمر الزمني لهم، وأنا مؤمن أن الشباب على صعيد العمر الزمني هم الأقرب إلى المسرح باعتباره فناً صعباً ويحتاج إلى الكثير من الجهد والتعب، مع تأكيد ضرورة وجود الشغف والحب لهذا الفن، فمن دونهما من الصعب العمل أو الاستمرار به، وخاصة في ظل وجود مغريات الانتشار التي تتمّ عن طريق التلفزيون ومع المردود المادي القليل الذي يجنيه المسرحي من العمل على خشبته، وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم، وبالتالي يعوّل دائماً على الشباب في استمرار حياة المسرح، وخاصة على الفرق الخاصة التي يكون المسرح بالنسبة إليها جزءاً أساسياً من حياتها، ولكن لا بد من الاعتراف أن هؤلاء الشباب يحتاجون دائماً إلى معلّم ورجل مسرح خَبِر التجارب المسرحية، ويحتاجون إلى دعم من خلال إصدار قوانين تُعنى بالمخصّصات المالية لدعمهم، ولنا في تجربة تونس قدوة حسنة في ذلك، ومن دون ما سبق ذكره فإن الهواية والحب والشغف واندفاع الشباب وحماستهم ستكون مؤقتة وستنتهي إذا لم يتمّ استثمارها بشكل صحيح وغرس قيم المسرح الفكرية والجمالية.

**الوضع الطبيعي أن يواكب النقد المسرح، فأي خلل يعيشه النقد المسرحي السوري برأيك؟.

**لا يمكن الحديث عن الخلل في النقد ما دام المسرح حتى الآن لم يترسّخ في حياتنا كضرورة اجتماعية ولم يصبح جزءاً من حياتنا، والبعض ما زال يراه مجرد نشاط مناسباتي، لذلك من الطبيعي ألا يكون هناك نقّاد مسرح ولا طقوس العمل النقدي التي كانت تظهر بشكل واضح في مهرجان دمشق المسرحي وندواته، ومن المؤسف أن الظروف لم تسعفنا في تقديم نقّاد حقيقيين على الساحة المسرحية بحيث يساهم ناقد ما في إنجاح عرض أو إسقاطه عندما يقول رأيه فيه من خلال رؤية نقدية موضوعية.

*يرى كثيرون أن مسرحنا يعاني من أزمات كثيرة، فأيها الأكثر تأثيراً فيه؟. 

**لا توجد أزمة نص ولا أزمة مخرجين ولا أزمة ممثلين، هناك أزمة تمويل للمسرح، عندما يصبح هناك نتاج مسرحي في ظل توفر التمويل ستختفي كل الأزمات التي تحدثتُ عنها سابقاً، وسيتبع هذا النتاج نقد حقيقي، وبالتالي فإن كلّ الظروف المحيطة بالمسرح اليوم غير صحية وقاسية على الصعيد الإنساني وعلى الصعيد الإداري، فالقوانين التي تحكمه لم تتغيّر منذ الستينيات على الرغم من أن المسرح حضارة ونتاج صورة مشرقة عن المجتمع، وعندما يُدعَم ستتلاشى كل الأزمات الأخرى.. من هنا كل التحية للعاملين في المسرح لأن من يعمل فيه اليوم وصل إلى نوع من الصوفية الفنية.

أمينة عباس