دراساتصحيفة البعث

هل ستصوت اسكتلندا للانفصال على النمط الكندي؟

إعداد: علاء العطار

إذا فاز الحزب الوطني الاسكتلندي بالانتخابات البرلمانية خلال الأشهر الخمسة القادمة، فسيكون أمر إجراء استفتاء ثانٍ على الاستقلال بين يديه.

أخذت اسكتلندا فكرة وجود طريق قانوني للاستقلال عبر تجربة  إقليم كويبيك الكندي، لكن إذا انتهى الأمر إلى أزمة دستورية في المملكة المتحدة، قد تجعل موازين القوى البريطانية التسوية على النمط الكندي مستحيلة.

ومع اكتمال مفاوضات بريكست أخيراً، ستبدأ قريباً عملية مراجعة حسابات وطنية قد تقرّر إن كان الاتحاد البريطاني سينجو دون أن تمسّ تقاليده السياسية والدستورية.

واجهت كندا أمراً مشابهاً في التسعينيات بعد سلسلة من المفاوضات الدستورية الفاشلة إلى جانب إجراء استفتاء في كويبيك لجعل مسألة الاستقلال أمراً محتوماً.

دور المحكمة العليا في كندا

في مواجهة احتمال إجراء تصويت ناجح في كويبيك، لجأت الحكومة الكندية إلى المحكمة العليا التماساً للمشورة. جعلت قضية “استشارة انفصال كويبيك” عام 1998 الاستفتاءات وسيلة قانونية للاستقلال الشرعي، واعترفت بحق كويبيك في الانفصال وألزمت جميع الأطراف بالتفاوض على الخروج بخلوص النيّة.

وصلت كندا إلى هذه النقطة لأن كويبيك كانت تمتلك سلطة إجراء تصويت داخلي، لكن مسألة تمتّع اسكتلندا بالحق نفسه هي أمر متنازع عليه، لذا تشكّل خطط الاسكتلنديين لإجراء تصويت على الاستقلال في وقت مبكر من عام 2021 مواجهة فوضوية.

رأت المحكمة الكندية أنه طالما عاد الاستفتاء بـ”أغلبية واضحة بشأن مسألة واضحة”، فلا يمكن تجاهل الآثار الديمقراطية للتصويت على الاستقلال. رُحّب بالقرار آنذاك بوصفه قراراً عادلاً، لكنه كان في واقع الأمر نعمة ونقمة.

وعد القرار بتنظيم عملية الانفصال السياسي وقدّم للمجتمع الدولي معياراً للاعتراف بالدول الجديدة، لكن مسألة الوضوح لم تحلّ قط، وكلفت الحكومة الكندية للبت فيها. ومع ذلك، إذا كان الاستفتاء يوفر مصداقية ويوجب التفاوض، يرتفع حافز الحكومات الوطنية لعرقلة التشاور بشأن الانفصال.

لنأخذ على سبيل المثال مشهد شرطة مكافحة الشغب التي استولت على صناديق الاقتراع في استفتاء كاتالوني عام 2017 بعد أن أعلنت المحكمة العليا الإسبانية أنه من غير القانوني إجراء تصويت للناخبين بشأن الاستقلال.

التصويت الاسكتلندي في عام 2014

أدى تصويت اسكتلندي متقارب على الاستقلال في عام 2014، متبوعاً برفض اسكتلندي واضح لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016، إلى زيادة ضغط الرؤى المتشعبة داخل المملكة المتحدة.

أجري استفتاء الاستقلال الاسكتلندي لعام 2014 بموجب اتفاق مشترك بين إدنبرة ولندن، واستخدمت مسألة تفاوضية مشتركة تهدف إلى تسوية الأمر.

لم تعترف اسكتلندا قط بأنها بحاجة إلى هذا الاتفاق، لكن كان من مصلحة الجميع تجنّب مناقشة المسألة من الناحية الدستورية. ومع ذلك، جعلت اسكتلندا مسألة الوضوح على الطريقة الكندية شعاراً لعملية الاستفتاء، وعندما جاءت النتائج أقرب مما كان متوقعاً، ارتفعت الرهانات.

صوّت 55% ضد الاستقلال، لكن فقط بعد أخذ تعهد بإعطاء سلطات جديدة إلى اسكتلندا.

حدث ذلك عندما كانت عضوية الاتحاد الأوروبي لا تزال إحدى ميزات الاتحاد. أما الآن، فيوفر الاستقلال أفضل فرصة لاسكتلندا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والبريكست هو ما جعل أمر إجراء تصويت جديد ضرورة.

إذا استمر دعم الاستقلال في الصعود، فسيكون من الصعب رفض طلب اسكتلندا دون تكميم أفواه الشعب الاسكتلندي بشكل صريح، وإذا مضت الحكومة الاسكتلندية قدماً في خطط ما تعتبره لندن تصويتاً غير قانوني، فقد يؤدي ذلك إلى إغراق البلاد في أزمة دستورية.

دروس من كندا

كيف تجنّبت كندا المأزق نفسه الذي يلوح في أفق المملكة المتحدة؟. في الواقع، لم تستطع كندا تجنّبه في نواحٍ كثيرة، إذ كادت توترات التسعينيات تمزق البلاد، ولم يكن الدستور الكندي أكثر اطلاعاً على مشكلات مجتمعه من الدستور البريطاني عندما يتعلق الأمر بالانفصال.

ولكن في حين أن بعض الدساتير، كالدستور الإسباني، تعلن أن الاتحاد الوطني “لا يقبل الانفكاك”، لم تبتّ كندا في هذه المسألة. لقد ورثت كندا معظم هيكلها الدستوري من البريطانيين، ووضعت صيغة استثنائية لإعادة بناء هذا الإرث.

عمل حكم محكمة كندا العليا على تهدئة الأمور، حيث حدّد حقوق كويبيك وحقوق كندا على حدّ سواء، لكن ميزان القوى في الاتحاد الكندي هو الذي أثبت في النهاية أنه المنقذ الحقيقي لكندا.

رفضت كويبيك استخدام حقها الجديد في الانفصال ديمقراطياً، فمجرد الاعتراف به أثبت أنه كافٍ حتى اللحظة.