ثقافةصحيفة البعث

الشاعر مزاحم الكبع.. ملك الأبوذية

دير الزور – مساعد العلي

أحبّ الشعر وتعلَّق به منذ أن كان صغيراً حيث كان لمدينته الوادعة، البوكمال، التي تتّكئُ على الضفّة اليمنى لنهر الفرات وتمتاز بطبيعتها الجميلة التي تعتبر صلة وصل بين الصحراء والبساتين الكثيرة المتشكلة عند نهر الفرات، وأيضاً يمتاز أهلها بالطيبة والنقاء والكرم والشجاعة والعادات الاجتماعية الأصيلة التي تجمع بينهم، كان لكل ذلك الأثر العميق في نفس وروح وأحاسيس الشاعر مزاحم الكبع بالإضافة لاهتمامه المعروف عنه بتثقيف نفسه في مختلف المجالات وخصوصاً المجال الأدبي ومتابعته المستمرة لكل النشاطات التي كانت تقام في المركز الثقافي العربي في البوكمال ومشاركته في أغلبها، وكونه شخصية حسّاسة ورقيقة وعاشقة للكلمة العذبة ذات الدلالة والعمق والتأثير، كلّ ذلك جعل بذرة الشعر لديه تتفتّق لتعلن ولادة شاعر ينضمّ إلى مجموعة من شعراء المنطقة الشهيرة بشعرائها ومبدعيها، وبعد ذلك بدأت مشاركاته تمتد إلى أغلب مدن وبلدات محافظته -ديرالزور- لتنمو لديه هذه البذرة عندما انتقل للإقامة في العاصمة دمشق، ليثبت فيها أنَّهُ من الشعراء المميزين على مستوى سورية والوطن العربي، ونال العديد من الجوائز والألقاب حيث كتب الشعر الفصيح بكل أنواعه العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر ولُقِّبَ بـ(الهدهد) وأبحر طويلاً في الشعر الشعبي الفراتي بشكل عام، وامتاز بكتابة الأبوذيّة بشكل خاص فلُقّب بـ(ملك الأبوذيّة) وهو ضرب من ضروب الشعر الشعبي الفراتي يبدع الشعراء العراقيون كثيراً في كتابته، أما في سورية فلا يكتب إلا في منطقة الفرات وهو يشبه العتابا في شكلها حيث يكتب على البحر الوافر ويتكون من أربعة أشطر، الثلاثة الأولى تنتهي بنفس الروي أي “نفس الكلمة” مع اختلاف المعنى في كل مرة، أما الشطر الرابع فينتهي باللازمة “يه” أو “يا”، وكان لكتابة الأغنية عنده النصيب الكبير حيث له ما يقرب من الثلاثينَ أغنية سُجّل أغلبها في استوديو إذاعة دمشق وبعضها سُجّل في استوديوهات خاصّة في دمشق وحلب واللاذقية، ومنها ما سُجّل في دول عربية أخرى كالعراق ومصر حيث غنّى من كلماته كبار المطربين مثل عصمت رشيد وسهام ابراهيم وعبد الوهاب الفراتي ودريد عواضة ومحمد العلي ونور شاكر وعلي الشيخ وسمير النوري وقيس العامري وأحمد الأحمد وباسل الحسن وغيرهم..

وكتب أيضاً شارة بعض البرامج مثل البرنامج التلفزيوني (الوطن النبع) حيث كانت شارة البداية والنهاية قصيدة له وبصوته، وأيضاً تمت استضافته مرَّاتٍ كثيرة في برامج ولقاءات تلفزيونية وإذاعية وصحفية.

وأهدى الشاعر والأديب مزاحم الكبع هذه القصيدة لجريدة البعث:

كلُّ الذي قد قيلَ قولٌ أخرقُ              إلَّا الذي قالتهُ يوماً جِلَّقُ

قالت لهمْ.. إنّي سماءٌ لا يطالُ          عُلايَ مختلٌ.. بهيمٌ.. أحمقُ

إنّي أنا الفردوسُ في هذي الدُّنى        إنّي أنا الأعلى.. وإنّي الأعمقُ

لمْ يبلغوا شأني بيومٍ سابقٍ             والشّاهدُ العدلُ الزمانُ الأسبقُ

إذْ حينَ جاوزتُ النجومَ مكانةً             كانوا كما الغربان لمَّا تنعقُ

متفرّجينَ وليسَ منْ حولٍ لهمْ            أو ربَّما منْ دهشةٍ قدْ صفَّقُوا

لكنَّهمْ عبسَتْ جميعُ وجوهِهِمْ           وصدورَهمْ منْ غيظِهمْ قدْ أطبقُوا

فإذا نظرتُ بعينِ حزمٍ أحجمُوا             وإذا زأرتُ على الأنامِ تفرَّقُوا

وأقول للناسِ الذينَ بقلبِهمْ             لم يحملوا الشَّامَ العزيزةَ فارتَقُوا

فإذا أردتُمْ عيشَ مجدٍ دائمٍ       إنْ لم تكونوا منْ دمشقَ.. تدمشَقُوا