ثقافةصحيفة البعث

القدس والعروبة.. في يوم القدس الثقافي

بمناسبة يوم القدس الثقافي قدّمت مؤخراً مؤسسة القدس الدولية (سورية) واللجنة الشعبية السورية لدعم الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة الفلسطينية في دمشق، محاضرة حملت عنوان (القدس والعروبة) ألقاها الدكتور علي دياب عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب، وقد أدار الفعالية التي احتضنها ثقافي أبو رمانة الدكتور خلف المفتاح مدير المؤسسة، الذي أكد ضرورة التمسّك بقضية العرب الأولى القدس، وأهمية الحفاظ على الهوية العربية الجامعة في ظل محاولات تفتتيها.

إنجازات عربية

وقد أكد د. دياب في بداية حديثه أن بعض الأوساط الثقافية تشهد نهجاً يتسم بالهجوم الشرس الحاقد على العرب وتاريخهم وتراثهم بقصد إلغاء هذا التاريخ منطلقين من مقولات استشراقية غير موضوعية، ولذلك نقول لهؤلاء إن الوطن العربي احتلته ثلاث امبراطوريات استعمارية، لكن وعلى الرغم من وجودها لم تستطع إلغاء الدور الثقافي والسياسي والحضاري العربي، ولا نقول ذلك من قبيل التغنّي بالأمجاد التاريخية فهذا لا يفيدنا إن لم نعمل في حاضرنا ونبني أنفسنا ونحن نتذكر الأحداث التاريخية لتكون محرضاً لنا، وللأسف الشديد أمتنا العربية اليوم تتعرض لهزيمة تلو الأخرى، ولكن الأمل معقود على بعض البلدان العربية، وفي مقدمتها قطرنا الحبيب، التي اختارت طريق المقاومة ومن خلفها أبناء شعبنا العربي الشرفاء على امتداد ساحة وطننا العربي الكبير.

ثم عاد بنا د. دياب إلى الفتوحات العربية التي قام بها عرب الجزيرة لتخليص أبناء عمومتهم في العراق والشام ومصر وشمال أفريقيا من الاستعمار الفارسي والبيزنطي والتي ما كان لها أن تتحقق لولا أن أغلبية أبناء هذه المناطق من العرب قدموا المساعدة للفاتحين لإعادة السيادة العربية، ويمكننا القول إن جيوش الفتح العربي خاضت حروباً قومية لتحرير العرب من الفرس والبيزنطيين وساهمت في تحديد مساحة الوطن العربي من خلال عاملين اثنين، الأول استقرار القبائل العربية في الأمصار التي استقر فيها أقرباؤهم العرب في التاريخ القديم، والثاني العامل الثقافي الذي تمثل في سيادة اللغة العربية وانتشار التعريب الذي شمل المدن والأرياف، ثم طرح تساؤلاً يقول: لماذا حلّت اللغة العربية محل اللهجات العربية القديمة في الوطن العربي ولم تحلّ بدل الفارسية في بلاد فارس أو حيثما وصل الإسلام؟ ولماذا لم تفرض الفتوحات العربية اللغة العربية كما فعلت الغزوات الأوروبية؟ مبيناً أن السبب هو الفتح العربي المتسامح وعدم فرض الدين واللغة.

ثم توقف د. دياب عند المحطة الأهم في تاريخنا العربي التي أرست الدولة العربية في مناحيها السياسية والاقتصادية والإدارية وذلك في العصر الأموي، إذ بُذلت جهودٌ كبيرة للحدّ من العصبية القبلية وإحلال الولاء للدولة محل الولاء للقبيلة، معتمدين في ذلك على العنصر العربي ومنطلقين من الدور التاريخي الذي قام به العرب، مقدمين للإنسانية الرسالة الإسلامية بمضمونها الحضاري، وبالفعل استطاع الأمويون تحقيق إنجازات كثيرة أدّت دورها في تطور الأمة العربية وترسيخ هويتها القومية فتابعوا فتوحاتهم العربية، ومما يسجل للدولة العربية في هذا العصر تحقيق الاستقلال الاقتصادي، وأيضاً كل ما تحقّق في مجال التعريب وفي ذلك إنجاز قومي، إذ ارتبط بسيادة الدولة وأمنها القومي.

القدس.. ضمير الأمة

ورداً على الموجة الشعوبية الحديثة، أوضح د. دياب أن الانتماء الوطني لا يستند إلى العرق والدم، ولكنه انتماء حضاري بمظلته الثقافية واللغوية، واللغة العربية تمثل ذلك الرابط الوطني والحضاري، فحضارتنا العربية العظيمة في مختلف ميادينها لم يكن أصحابها جميعاً من العرق العربي بل كان انتماؤهم عربياً، ولذلك نقول لهؤلاء الشعوبيين: إن شعوبيتكم ليست طارئة وإنما عرفناها في العصر العباسي، ولكننا نجدها اليوم أشد بشاعة وخطراً، والعروبة ليست عرقية وعلينا التمييز بين العروبة الرسمية والعروبة كهوية وانتماء.

ثم أوضح د. دياب أننا اليوم نقيم نشاطنا في مؤسسة القدس الدولية وما تعنيه هذه المؤسسة ودورها فيما يخصّ مدينة القدس، وما تشكله ليس للعرب فحسب وإنما لكل الديانات السماوية ولأصحاب الرسالات الحضارية في الغرب والشرق الذين يرفضون التزوير والتضليل والتحريف الذي ينتهجه الصهاينة، لأن القدس عربية كنعانية في نشأتها ولغتها وتسميتها، وذلك بتأكيد جميع الحفريات وأغلب الباحثين، لذا بقيت فلسطين وقدسها منذ دخلها الخليفة العربي عمر بن الخطاب وإلى يومنا هذا هي قضية العرب الأولى والقضية المركزية للأمة العربية، ولا تزال فلسطين يدافع عنها شرفاء الأمة العربية بغض النظر عن مواقف أنظمتها الرجعية التي آثرت الاعتراف والتطبيع مع الكيان الغاصب، متابعاً: ولكن هذا الخط الانهزامي محكوم عليه بالفشل وتيار المقاومة الذي يعبّر عن ضمير الأمة سيحقق الفوز في تحرير الأرض وفي مقدمتها القدس، وبالتالي الإيمان بالعروبة وعدم السقوط في التيارات الانفصالية والإقليمية، ومن هنا نرى خطورة تلك التيارات التي لا تؤمن بالعروبة، مشيراً في نهاية حديثه إلى أن سورية هي مجال فخرنا واعتزازنا وهي القلب من الأمة العربية، وبقدر ما نكون أوفياء لقطرنا السوري نكون أوفياء لوطننا العربي ولقوميتنا العربية ذات المحتوى الإنساني التقدمي التحرري البعيد عن التعصب والتطرف، وأن يكون الحوار العلمي والموضوعي والحضاري هو غايتنا لنعيد لأمتنا العربية توازنها ونستعيد بعضاً من دورنا وإسهامنا في الحضارة الإنسانية.

لوردا فوزي