دراساتصحيفة البعث

المستشارة ميركل.. قوة ناعمة دعمت الإرهاب في سورية

د. معن منيف سليمان

واصلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل جهودها كقوة ناعمة في دعم الجماعات الإرهابية المسلحة في سورية من ناحية التمويل المالي والدعم السياسي والعسكري واللوجستي والإعلامي، والسماح بنقل الأسلحة عبر القواعد الأمريكية على الأراضي الألمانية إلى الإرهابيين في سورية. ومارست ضغوطاً على الدولة السورية في ملف الأسلحة الكيميائية المزعومة، واستقبلت زعماء ما يسمّى “المعارضة السورية” وأبدت وقوفها إلى جانبها، واستثمرت في قضية اللاجئين السوريين بذرائع إنسانية، كما شغلت دوراً مشبوهاً بستار إنساني في الأراضي السورية التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية المسلحة.

منذ بداية الحرب على سورية قدّمت ميركل دعماً مالياً لما يسمّى “المعارضة السورية” وصل إلى 145 مليون يورو، وفق ما أعلنه وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلله في شهر نيسان عام 2013. كما أنفقت وزارة الخارجية الألمانية في عام 2017، زهاء 720 مليون يورو على ما سمّته “المساعدات الإنسانية” في سورية والدول المجاورة.

وبحلول عام 2018، وفّرت ميركل دعماً مالياً لمجموعات إرهابية مسلحة في سورية، فمثلاً، أفادت الصحافة الألمانية بأن ألمانيا سلّمت فصائل ما يسميه الغرب “المعارضة السورية المسلحة” ما لا يقلّ عن 37.5 مليون يورو في صورة “الدعم المالي لإعادة الإعمار وإغاثة الناس”. وإجمالاً حصلت تلك المجموعات الإرهابية من الحكومة الألمانية على نحو 49 مليون يورو. معلومات كشفها فالتر ليندنر، وكيل وزارة الخارجية الألمانية، للنائبة افريم زومّر، التي تمثل الحزب اليساري في البرلمان الألماني.

وفي مقال لوزارة الخارجية الألمانية حول نشاط تنظيم “الخوذ البيضاء” الإرهابي، نشر يوم 17 كانون الأول 2020، أكدت فيه تخصيص 5 ملايين يورو لدعم المنظمة، وهي منظمة تتعاون مع الجماعات الإرهابية الناشطة بشمالي غربي سورية، وأبرزها “جبهة النصرة” المصنفة دولياً إرهابية، كما أن قسماً من تمويل ألمانيا لمنظمة “الخوذ البيضاء” في سورية يصرف لدعم الجماعات الإرهابية التي تمجدها برلين بلا خجل!.

ومارست ميركل ضغوطاً سياسية فيما يتعلّق بفرض منطقة حظر جوي لحماية الجماعات الإرهابية في حلب عام 2016. وبموافقة وإشراف المستشارة استقبلت وزارة الخارجية الألمانية متزعمي “المعارضة”، في إطار “الدعم السياسي”.

وفي مجال الدعم العسكري أرسلت ميركل بطاريات صواريخ باتريوت على الحدود التركية السورية لحماية مواقع ومعسكرات تدريب المجموعات الإرهابية من صواريخ الجيش العربي السوري، فضلاً عن مشاركة محتملة للضباط الألمان بالتدريب العسكري لبعض الفصائل الإرهابية المسلحة. وأكد مسؤولون في الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم أن “برلين يمكن أن تؤيد الدعوة الفرنسية والبريطانية بتسليح الإرهابيين في سورية تحت اسم “الثوار السوريين” إذا تأكدت أن الأسلحة التي ستسلم لهم ستصل للأيادي الصحيحة”.

وعبّر وزير الخارجية الألماني فسترفيلله، غداة اجتماع مجموعة ما يسمّى “أصدقاء سورية” في إسطنبول نيسان 2013، عن استعداد بلاده بحث رفع حظر الاتحاد الأوروبي على مدّ ما يسمّى المعارضة السورية بالأسلحة. وأعرب عن استعداده لدرس تسليم “مقاتلي المعارضة” الذين يحاربون الدولة السورية سترات واقية من الرصاص.

وبعد العدوان التركي على شمالي سورية في شهر تشرين الأول عام 2018، أعلنت ألمانيا وقف تصدير الأسلحة إلى نظام أردوغان ووصفت الهجوم بأنه مخالف للقانون الدولي. لكن على الرغم من ذلك استأنفت برلين تصدير الأسلحة لتركيا، شريكتها في حلف الناتو، وأعطت الضوء الأخضر لأربع صفقات تسليح لتركيا بقيمة 3,09 مليون يورو خلال الأسابيع الستة الأولى عقب بدء العدوان. وزاد الجدل عقب العدوان التركي، الذي تستخدم فيه تركيا دبابات ألمانية الصنع من طراز ليوبارد2، يقودها عناصر من تنظيمات إرهابية.

وفي إطار الدعم اللوجستي العسكري، وفي تنفيذ مهام استطلاعية، شاركت أربع مقاتلات ألمانية من طراز تورنيدو انطلاقاً من قاعدة في الأردن في إطار التحالف المزعوم الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي في العراق وسورية.

وكانت قاعدة رامشتاين الجوية الأمريكية في ألمانيا تستخدم من قبل الأمريكيين كنقطة لشحن الأسلحة والذخائر للفصائل الإرهابية المسلحة في سورية، على الرغم من أن ذلك يعدّ انتهاكاً للقوانين الألمانية، حسب صحيفة سودوتش تسايتونج الألمانية.

وشغلت الخارجية الألمانية دوراً مهماً بعد أن تركت جانباً التردّد والخجل، وأصبحت تؤدي دور المروج والممول الرئيسي لمنظمة (الخوذ البيضاء) الإرهابية أكثر فأكثر. واستقبلت برلين عدداً من عناصر منظمة “الخوذ البيضاء” الذين تمّ إجلاؤهم من جنوبي سورية في صيف 2018، بحسب ما ذكر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس. وكانت “إسرائيل” قد أجلتهم  عبر أراضيها إلى الأردن. وقال الوزير الألماني: “إنها وصية الإنسانية أن يجد كثير من هؤلاء المساعدين الشجعان حالياً الحماية والمأوى، وبعض منهم (سيجدها) في ألمانيا أيضاً”.

وفي 8 كانون الأول 2020، استقبلت برلين متزعم منظمة الخوذ البيضاء الإرهابية المدعو رائد الصالح، وأكدت وزارة الخارجية الألمانية معلومات لمجلة “دير شبيغل” مفادها أن الصالح وأسرته نقلوا إلى ألمانيا من الأردن، في طائرة رسمية حطّت مساء الاثنين 7 كانون الأول 2020. وقد تلقت العائلة خدمة خاصة حيث تمّ إرسال طائرة من الجيش الألماني كانت تستخدمها المستشارة الألمانية وأقلتهم إلى ألمانيا.

وكانت ميركل قد رحبت بالمبادرة البريطانية لإصدار قرار من مجلس الأمن بشأن سورية، واتهمت الدولة السورية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وكانت برلين أحد خمسة أعضاء في مجلس الأمن التي أدلت في بيان جائر يتهم الدولة السورية باستخدام الأسلحة الكيميائية وقد ضمّ كلاً من: بريطانيا، وألمانيا، وبلجيكا، وإستونيا، وفرنسا، إضافة لأيرلندا، والنرويج.

وفيما يتعلق بقضية اللاجئين السوريين إلى أوروبا قامت ميركل في شهر أيلول 2015، بفتح حدود بلادها لمدة وجيزة أمام اللاجئين من غير حاملي الوثائق، وهو ما عدّته التزاماً من بلادها بواجباتها الإنسانية والأوروبية، ولكن الكثير من المتابعين لا يستطيعون تقبل فكرة أن ألمانيا تسهل إجراءات قبول اللاجئين لأسباب إنسانية بالدرجة الأولى، ففي فرنسا هاجمت زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان السياسات الألمانية، وقالت إن ألمانيا تريد تحويل هؤلاء اللاجئين إلى عبيد وتشغلهم بأجور متدنية، واستثمارهم من أجل دعم سوق العمل والحفاظ على المستوى الاقتصادي المتقدم في ألمانيا.

فعلى سبيل المثال، في مقابلة أجرتها صحيفة ديرشبيغل مع “يانينا كوغل” عضو مجلس إدارة شركة سيمنس الألمانية ومسؤولة شؤون العمال فيها الذين يبلغ عددهم ٣٤٠ ألف موظف، أجابت عن سؤال: “هل تحتاج ألمانيا مهاجرين؟” قائلة “حتى عام ٢٠٣٠، سيعاني سوق العمل الألماني من نقص في الكفاءات المؤهلة يقع بين مليونين وسبعة ملايين شخص مؤهل حسب طريقة ومنهجية تصنيف الكفاءة والتأهيل. في جميع الأحوال سينعكس ذلك على الاقتصاد الألماني بتناقص في الدخل القومي يقدّر بعدة مئات المليارات”، و”ألمانيا بحاجة إلى حزمة تشريعات تسهل دخول الكفاءات إلى ألمانيا”.

وفي الوقت نفسه تستفيد ألمانيا من التركيبة الديموغرافية للوافدين الجدد، فنحو 6 بالمئة تقلّ أعمارهم عن 25 عاماً، ومع انخفاض عدد السكان الألمان الأصليين، فإن ألمانيا بحاجة لهؤلاء الشباب لتجديد شبابها. كما أنه لا يمكن إهمال دور منظمات المجتمع المدني ومجموعات العمل الأهلي التي شكلت ضغطاً كبيراً على الحكومة الألمانية من أجل تسهيل شؤون اللاجئين.

كل ما تقدم يؤكد أن سبب اهتمام ميركل المباشر بقضية اللاجئين ينبع من الاهتمام بالمصلحة القومية الألمانية على حساب القيم الإنسانية.

وتشغل ألمانيا دوراً مشبوهاً على الأراضي السورية التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية تحت ستار إنساني، وفي هذا الإطار أنشأت بنية مكلفة على الحدود التركية- السورية شملت مشاريع صحية وأخرى لتأمين بنى تحتية لأسر الإرهابيين، حسب وزير الخارجية الألماني فسترفيلله في شهر نيسان عام 2013. وحتى في محافظة إدلب، فإن المنظمات، التي تعمل تحت ستار إنساني والشريكة لوزارة الخارجية الألمانية، تعمل بنشاط، لضمان الدعم الكامل للفصائل الإرهابية، في الوقت الذي تشارك فيه بالحصار الجائر والخانق على الشعب السوري.

إن المستشارة الإلمانية إنجيلا ميركل بذلت جهوداً حثيثة في سبيل دعم شامل وكامل للفصائل الإرهابية في سورية، ومارست ضغوطاً متزايدة على الدولة السورية في المحافل الدولية واللقاءات الثنائية، وعملت على إسقاط السلطة الوطنية لتمرير المشروع الصهيوني الذي يهدف إلى تقسيم سورية إلى دويلات متناحرة لضمان أمن “إسرائيل”، ولكن ذهبت ميركل بسجلها المذكور وبقيت سورية صامدة ترفع رايات النصر فوق ربوعها.