تحقيقاتصحيفة البعث

التأخر اللغوي عند الأطفال.. تواصل غير ناجح واضطرابات تهدد الحياة الاجتماعية!

الكثير من الأطفال يعانون من التأخر اللغوي، ولكن علينا أن ندرك إن كان الطفل يعاني فعلاً من التأخر اللغوي أم أن وضعه ضمن الطبيعي حسبما أوضحته الدكتورة نسرين درويش كلية التربية، جامعة البعث، أخصائية في معالجة أمراض التوحد، والتخاطب، وتابعت درويش أن النمو اللغوي لدى الأطفال يمر بمراحل عدة أساسية، وفرعية تبدأ بمرحلة ما قبل اللغة، أو الأصوات اللغوية التي تشمل مرحلة الصراخ الذي يعتبر أول استخدام لجهاز الكلام حيث يسمـع الطفل نفسه لأول مرة، وهي خبرة هامــة للتطور اللغوي لينتقل الطفل في الشهر الثالث إلى المناغاة حتى نهاية العام الأول، وأصوات المناغاة التي يصدرها الطفل لا ينطقها قاصداً، أو مقلداً لأصوات الآخرين، وإنما تنتج تلك الأصوات بالصدفة من الحركات العشوائية لأعضاء جهاز الكلام ، وهي شكل من أشكال اللعب والمتعة للطفل، وبعدها تبدأ مرحلة التقليد حيث يتعلم الطفــل اللغـة من المحيطين به، ويعيد الطفل صوتاً سبق أن أصدره قبل ذلك، فيشعر البالغين المحيطين بأنها كلمات حقيقية، وينطقون أمام الطفل كلمة حقيقية قريبة، أو شبيهة بالكلمة التي أصدرها الطفل، ويكررون ذلك مما يعطي الطفل تدعيماً سمعياً للأصـوات التي أخرجها بشكل يساعده على أداء تلك الأصوات بطريقة أفضل، ويعمل على الاستبعاد التدريجي للأخطاء، واختيار، وتثبيت الكلمات الحقيقية التي سمعها في أحاديث الراشدين، ومن ثم تبدأ مرحلة الإيماءات حيث يفهم الطفل إيماءات، وتعبيرات، وحركات الآخرين قبل أن يفهم الكلمـات، بل ويستخدمهــا قبل استخدام اللغة، كتحريك اليدين للتوديع، ومد الذراعين نحو الأم تعبيراً عن رغبته بأن يحمل، ومع تطور اللغة الصوتية للطفل يقوم باختصار لغة الإيماءات فتصبح ذات أهمية ثانوية، وبعدها تبدأ مرحلة الكلام الحقيقي وفهم اللغة حيث يبدأ الطفل بفهم حديث الآخرين دون القدرة على استخدام لغة الحديث قبل أن يتمكن هو نفسه من استخدام اللغة بفترة طويلة، ويستجيب لأوامر البالـغ، والأسئلة التي تطرح عليه.

الكلمة الأولى
ويتطور الطفل بعد ذلك إلى نطق الكلمة الأولى، وهي أول صوت يستخدمه الطفل استخداماً له معنى إلا أنها تتكون من مقطع واحد، أو من مقاطع متشابهة متكررة مثل(بابا ، ماما)، ويستخدمها الطفل للتعبير عن أحاسيسه بشكل أساسي، ونوهت درويش إلى أن الطفـل عند بلوغ الشهــر الثامن عشر من العمر يصبح كلامه أكثر انتظاماً، واتساقاً، وأقرب إلى كلام الكبار، بحيث يصبح واضحـــاً، ومفهومـاً بالنسبة للمحيطين به، أو الغرباء على حد سواء، وبذلك يصل لمرحلة تطور المهارات، أو المكتسبات اللغوية، وأشارت درويش إلى وجود عدة مؤشـرات لتقديـر مستوى التطور اللغوي كمدى فهم الكبار لحديث الطفل، ونمـو الحصيلـة اللغوية، وطول الجملة التي يستخدمها الطفل، وتركيب الجملة، ومدى تعقيدها وبساطتها.

الاضطرابات
وتابعت درويش أن الاضطرابات اللغويـة عند الطفل تشــمل اضطراب اللغة المستقبلية عند الأطفال(أي الاستيعاب )، واضطراب اللغة التعبيرية (أي الإنتاج) حيث يشير اضطراب الاستقبال اللغوي إلى تدني مستوى الفهم اللغوي لدى الطفل بشكل لا يتناسب مع عمره العقلي، والزمني، مما يترتب عليه قصور شديد في لغته التعبيرية، والعجز عن الفهم اللغوي للكـلام المسموع، واختلالات في إصدار الأصـوات الكلاميـة، إضافــة إلى الآثــار السلبية لذلك على النمو الاجتماعي، والوجداني للطفل كما تتمثل في الحساسية، والخجل، والنزوع إلى العزلة، ومن أبرز المؤشرات التشخيصية لهذا الاضطراب الفشل في الاستجابة للأسماء المألوفة في غياب تلميحات غير لفظية عند إتمام العام الأول، والعجز عن التعرف على بعض الأشياء المألوفة عند بلوغ ثمانية عشر شهراً، والفشل في متابعة تعليمات بسيطة، وروتينية عند بلوغ سن السنتين، وأكدت درويش أن معدل انتشار هذا الاضطراب يتراوح بين 3 – 10% من أطفال المدارس، أما اضطراب اللغة التعبيرية فيتمثل في تأخر نمو اللغـة اللفظيـة التعبيرية لدى الطفل منذ مرحلة طفولته المبكرة بشكل غير عادي لا يتناسب مع عمره الزمني، والعقلي، ورغم اكتسابه لمعدل طبيعي من مهارات الاستقبال، والفهم اللغوي، والاستخدام السليم لبعض أشكال اللغة غير اللفظية كتغيرات الوجه، وحركات اليدين في التعبير، ومن مؤشرات هذا الاضطراب محدوديــة حصيلـة الطفل من الكلمات، والاعتمـاد كلمات قليلة في الكلام مع أخطـاء تركيبية في الجمل، واختلال الأصوات المعبرة عن الكلمات، وأخطاء في النطق كإغفال بدايات الكلمات أو نهاياتها، وتظهر مشكلة اللغة التعبيرية من خلال عدة مؤشرات تشخيصية كمقاومة الطفل للمشاركة في الحديث، أو الإجابة عن الأسئلة، والمحدودية في عدد المفردات التي يستخدمها الطفـــل، وكذلك اقتصار إجاباته على عدد معين من الأنماط الكلامية في كل كلامه، كما يكون كلام الطفل غير ناضج بحيث يظهر جلياً أن كلامه أقل من عمره الزمني.

كيفية التقييم
وأوضحت درويش تتم عملية التقييم اللغوي للأطفال من قبل متخصص بالتخاطب واللغة والنطق بعد أن يلاحظ الأهل تأخراً في النمو اللغوي للطفل يستوجب التدخل العلاجي، حيث يتأكد الاختصاصي من سلامة الطفل من الناحية العضوية بعد إجراء مجموعة من الاختبارات لكلام الطفل، والتعرف على مستوى النمو اللغوي له، ثم وضع خطة علاجية لتنمية الجانب اللغوي، وعلاج التأخر اللغوي لديه، وتكون هذه الخطة العلاجية فردية(خاصة بالطفل) حيث لا توجد خطة علاجية جاهزة تطبق على كل الأطفال الذين يعانون من التأخر اللغوي.

الإرشادات للأهل
وتمنت درويش على الأهل التحدث مع الطفل كثيراً لتطوير لغته لأن الأطفال عادة يقلدون الكلام الذي يسمعونه، وأن ينظر الآباء مباشرة في وجه الطفل لكي يحصلوا على انتباه الطفل قبل البدء بالحديث معه، والحفاظ على بيئة هادئة أثناء الحديث مع الطفل كأن نطفئ التلفاز، والراديو، وغيرها من الأصوات التي تشتت انتباه الطفل، وتقديم نماذج جيدة للتحدث، وأن يصفون ما يقومون به من نشاطات، وأحداث يومية بطريقة واضحة مع شرح التفاصيل للطفل، ثم التوسع فيما يقوله الطفل، وشرح ما يقوله الطفل بجمل أطول، وسياقات نحوية أكثر تعقيداً مع إضافة معلومات، ومفاهيم جديدة تثري لغة الطفل، والحرص على تقديم المعلومات للطفل خلال اللعب، وفي سياق الحياة الاجتماعية، والمواقف اليومية مع مراعاة مستوى الطفل، وعمره الزمني، وأخيراً تشجيع استخدام اللغة اللفظية لدى الطفل بدلاً من استخدام الإشارة، والإيماءات كطريقة للتواصل مع الآخرين.

بشار محي الدين المحمد