دراساتصحيفة البعث

الحرب الصحية.. نوع جديد من الحروب

هيفاء علي

يقرّ خبراء الاقتصاد الغربيون أن الحرب التجارية التي جرى إخفاؤها بحجة أنها حرب صحية، تمّ حظر النشاط الاقتصادي فيها جزئياً، وجرى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول الغربية بنسبة 5 إلى 15٪، في حين لا توجد وسيلة إنتاج، ولا قوة إنتاجية إلا وتمّ تدميرها، وهذا ما لم يحصل حتى في الحرب العالمية الثانية. لقد تخلّص رأس المال الدولي الكبير من فائض القوى العاملة دون تدمير وسائل الإنتاج (الأدوات الآلية، ووسائل النقل، والمواد الخام، والطاقة).

هذه الحرب الصحية أعادت رسم الجغرافيا السياسيّة العالمية دون إطلاق طلقة مدفع واحدة، ومن دون تسيير طائرة من دون طيار، ومن دون سرب من المرتزقة، وعليه يواجه العالم حرباً من نوع جديد، إنها حرب صحية بكل معنى الكلمة.

بدأت الأزمة الاقتصادية في عام 2008 ولم يتعافَ الرأسماليون منذ ذلك الحين، وحتى الآن تحاول البنوك المركزية عبثاً سدّ الثغرات، وقد كان لدى بعض الاستراتيجيين فكرة استبدال التفجيرات الكلاسيكية، وفقاً للطرائق المدمّرة لحروب الماضي، بمحاكاة تدمج جميع المكونات التقليدية: “المأوى- الحجر في المنزل- حظر التجول- التنديد والتجسّس للحي- حالة الطوارئ الدائمة- إجراءات الطوارئ الدائمة- مراقبة وقمع المخالفين والمعارضين لهذه الإجراءات”.

كان الغرض من كلّ هذه الإجراءات هو فرض خطة مارشال جديدة لرأس المال، أو طريق حرير جديدة بعد أن أدت كل هذه التدابير إلى تراجع الولايات المتحدة التي أصبحت مثقلة بالديون وغير قادرة على دعم الشركات التي لن يكون أمامها خيار سوى الاقتراض من البنوك لتمويل إعادة تشغيلها (إن أمكن) أو لإنشاء أدوات إنتاج جديدة تهدف إلى استبدال تلك التي تمّ إيقاف تشغيلها.

منذ عام والعالم يشهد حرباً بلا جنود  باستثناء المتخصّصين في علم الفيروسات في مختبرات الأبحاث البكتريولوجية (P4) حيث تمّ تخفيض الجنود إلى رتبة مساعدين للقمع والحفاظ على النظام. إنها ليست حرباً بين دول، بل بين طبقات اجتماعية (برجوازية ضد البروليتاريا)، والمحزن أن الطبقات التي تعرّضت للهجوم لا تزال تأمل وتطلب حماية الدولة من الأغنياء، ومن الأشخاص أنفسهم الذين يعاملونها بوحشية ويصادرون قوتها الشرائية ومدخراتها.

كانت أزمة عام 1929 هي التي أشعلت شرارة الحرب العالمية الثانية، والتي تمّ خوضها لإعادة توزيع الأوراق اقتصادياً وسياسياً، وأدّت إلى بروتون وودز ويالطا. أما اليوم، فكانت الأزمة الاقتصادية هي التي استخدمت الوباء ذريعة “لتبرير” الاحتواء وحظر التجول وغير ذلك من أشكال “الأمن الصحي” الوهمية.

ومع ذلك، فإن معسكر الطبقة الحاكمة بعيد كل البعد عن التوحيد، وهو مقسّم إلى ثالوث، وتمزقه تناقضات غير قابلة للحل تمنعه من إنجاز مهمته في إعادة إنتاج رأس المال العالمي. لقد أدرك أعضاء الطبقة الحاكمة، وعددهم قليل (بضعة آلاف من المليارديرات) أن لديهم مصلحة في البقاء معاً في مواجهة الكتلة غير المتكافئة لأولئك الذين يسيطرون عليهم. ومع ذلك، هناك فجوة عميقة بين مؤيدي العولمة المتعدّدة الأطراف وأنصار الانعزالية أحادية الجانب. وفي كلتا الحالتين يهدف الطرفان إلى الهيمنة الإمبريالية على العالم، أحدهما بموجب قوانين المنافسة متعدّدة الأطراف، بينما يأمل الثاني في فرض إملاءاته الأحادية، وهذا هو السبب في أن دونالد ترامب حشد عدداً كبيراً من أصحاب المليارات في مجال التكنولوجيا ضده.

لقد كشفت المهزلة الانتخابية الأمريكية عن ضعف الانعزاليين، بينما شكّلت تطورات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تعديلاً من جانب مجموعة مصارف “سيتي بنك” على سياسة الواقعية العالمية. كان “سيتي بنك” يأمل بوجود محور مهيمن بين وول ستريت ولندن، وسوف يكون راضياً عن العمل كغسالة للأموال القذرة للمخدرات وجميع عمليات الاتجار. وكان الاتحاد الأوروبي هو الفائز في هذه المواجهة مع الإمبراطورية الأطلسية المحتضرة، حيث قدّم الاتحاد الأوروبي ونائبه الألماني نفسيهما بشكل متزايد كطرفين في معسكر المواجهة الكبرى.

أما بالنسبة لوباء كورونا، فإن السؤال الذي يبقى بلا إجابة هو من المستفيد؟. المستفيد هو بالطبع شركات التقنية وقطاعات التكنولوجيا الجديدة، وشركات الأدوية الكبرى التي ترفع علم الوباء الدائم الذي يؤيّد بالتالي إنشاء جوازات سفر “تقنية حيوية” تضمن التطعيم المتكرّر المدفوع، والمراقبة المستمرة والتعرف على الوجه، ثم توظيف موظفين تحت إشراف الذكاء الاصطناعي (AI).

إن الفيروس الحقيقي هو الإرهاب الأمني، الذي يتسلّل في كل مكان إلى مجال الأسرة ويفكك بسرعة “العالم السابق”، خاصةً وأن الوعي في الوقت الحالي بطيء، وأن جزءاً من الشباب ينفصل عن أيديولوجية “المشروع الصغير”. لذلك يجب إثبات روابط كل هذا بـ”الثورة الصناعية التكنولوجية الرابعة”، أي أن رأس المال الثابت سيتمّ إصلاحه في المنزل على حساب الموظف، وسوف يتمّ نقل الموظف إلى عامل مستقل يدفع له مقابل عقد في منافسة مع العمل الحر في الاقتصاد التعاوني والعمل التطوعي بإشراف الشرطة والعدالة والطب.

يجب على البروليتاريا العالمية الضخمة أن ترفض التعاون في هذا الإرهاب الوبائي، وأن ترفض الزحف إلى المسلخ دون أن تنطق بكلمة واحدة. بل يجب أن تستمر البروليتاريا في النضال من أجل الحفاظ على ظروف معيشتها وعملها حتى يخلق رأس المال الكبير ظروف التمرد.