دراساتصحيفة البعث

الحرب الإلكترونية وتبعاتها الدولية

ريا خوري

مع استمرار تطور الحرب الالكترونية، وانتشار عمليات التجسس الالكترونية في العالم، دخلت اتهامات الولايات المتحدة الأمريكية مرحلة من الحيرة والتضارب في توجيه أصابع الاتهام لجمهورية روسيا الاتحادية بالهجوم الالكتروني على مؤسسات وشركات  ووزارات ووكالات أمريكية، وزعمت أنها الجهة المسؤولة عما يمكن وصفه بممارسة نوع من أنواع الحرب الافتراضية. وقد اعتبره الكثير من المسؤولين الأمريكيين نوعاً من التجسس الذي تقف وراءه المخابرات الروسية، إلا أن التضارب بدأ يظهر في التصريحات الرسمية الأمريكية التي تنوعت وتعددت في معلوماتها وبياناتها.

لقد أطلقت العديد من المؤسسات والوكالات والوزارات اتهاماتها لروسيا بشكل غير موثق، فقد أعلنت شركة “سولار ويندوز” الأمريكية ومالكة العديد من الشبكات الأمريكية للبرمجيات أنها تعتقد أن دولة خارجية قامت بالهجوم الالكتروني، دون تحديد أي دولة أو تحديد اسمها. أما مايك بومبيو  وزير خارجية الولايات المتحدة في إدارة الرئيس دونالد ترامب فقد حمل جمهورية روسيا الاتحادية  المسؤولية عن هذا الهجوم الذي وصف بأنه (قرصنة). وأكد هذا الرأي كبار المسؤولين في لجان المخابرات الأمريكية  بمجلسي الشيوخ والنواب، إلا أن ترامب على الجانب الآخر، تحدث بقوة عن وجهة نظر أخرى مخالفة لما تم التوافق عليه، معلناً أن الصين قد تكون المسؤولة عن هذا الهجوم. وفي الوقت نفسه أشار العديد من المراقبين الأمريكيين إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها تجاهل إمكان كوريا الديمقراطية وإيران إضافةً إلى الصين وروسيا بتعزيز قدراتها في مجالات القرصنة والحرب الالكترونية، وإذا لم تكن لدى إيران وكوريا قدرات على دخول هذا الصراع الجديد الذي يتسم بالخطورة، باختراع أنظمة الكترونية متطورة جداً، فإنهما على الأقل  سيحاولان السعي بقوة إلى امتلاك وسائل اختراق أهم المراكز الحيوية في بلدان أخرى، بحسب مزاعم عدد كبير من المحللين الأمريكيين.

وعلى خلفية هذه الافتراضات، تم نقاش ساخن حول موضوع الحرب الالكترونية الذي أخذ طورين: طور السرية وطور العلن. وفي هذا النقاش دعا عدد كبير من المختصين في هذا المجال للتخفيف من استخدام لهجة “الحرب الالكترونية”، فهم يرون أن ما جرى ويجري ليس هجوماً بمعنى الهجوم ، وإنما هو تطوير لعمليات التجسس، من خلال التسلل واختراق عشرات بل مئات المؤسسات والهيئات والوزارات الأمريكية الحكومية والخاصة. وهذا ما أكد عليه المسؤول السيبراني السابق في البنتاغون جاري براون من أنه لا يعتقد أن ما جرى ويجري هو نوع من الهجوم الالكتروني، لكنه اعتبرها عمليات تجسس نجحت بقوة.

وعلى الرغم من كل الاتهامات التي قدمها كبار المسؤولين الأمريكيين لروسيا، فإن وكالة الأمن الالكتروني ومكتب التحقيقات الفيدرالي لم يحددا من هي الدولة أو الجهة المسؤولة عن هذا الهجوم، ولم يعرفا مصدر الهجوم ولا مكانه بما يدلل على قوة وتطور الجهة المهاجمة في مجال الحرب الالكترونية.

في الحقيقة لا تنفي الولايات المتحدة الأمريكية ممارستها لهذا السلوك الالكتروني ذاته ليس تجاه الصين وروسيا فقط، بل على مستوى العالم. إذاً القضية تتعلق بحرب إلكترونية تجسسية، وهذا يدل دلالة واضحة على أن العالم يشهد تحولاً مفصلياً خطيراً في الصراع الدولي بشكل يرى المراقبون والمحللون أنه قد يجلب أضراراً جسيمة  قد تفوق كثيراً ما تسببه الحروب التقليدية المدمرة.

وعلى موجة هذا القلق والاضطراب المشتعل في الولايات المتحدة الأمريكية، ظهر اتجاهان: أحدهما ينادي بالانتقام من روسيا بشكلٍ خاص، والرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن من المؤيدين لهذا الاتجاه، حيث وصف هذا الهجوم الالكتروني بالقرصنة، وأن هذه القرصنة لن تمر دون عقاب بمجرد أن يتربع على كرسي البيت الأبيض.

في المقابل، هناك عدد كبير من الأمريكيين يقللون من وصف الهجوم الالكتروني السيبراني بأنه مرحلة حرب إلكترونية حقيقية، وينادون بإيجاد حل سلمي يتمّ عبر اتفاقيات شاملة لتقنين الممارسات السيبرانية التجسسية، حتى لا تصل المواجهة إلى شفا حرب طاحنة ولو كانت حرباً افتراضية، لأنها يمكن أن تفضي إلى تصرفات غاية في العدائية من كل جانب تجاه الآخر، خاصة وأن الصراع السيبراني لا تحكمه معاهدات أو قواعد بعكس ما كان عليه الوضع  في سنوات صراع القوتين العظميين بعد الحرب العالمية الثانية.

هذا التوتر يجعل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا يقعان في شرك التصعيد ومن ثم المواجهة لما تملكه الدولتان من وسائل متطورة جداً للهجمات الالكترونية، وقد يُلحق أضراراً فادحة بالأمن القومي لكلتيهما، لذلك من الضروري أن تدرك كل القوى الدولية الكبرى قيمة التعاون والتشارك في عصر يواجه الجميع فيه الجائحات والمفاجآت المأساوية دون استثناء.