ثقافةصحيفة البعث

د. إياد عبد الله يونس يوقّع كتابه عن مملكة أوغاريت

تمثالُ العازف الموسيقيّ المصنوع من العاج في مملكة أوغاريت لا يدلّ على مهارة صنّاع العاج فقط وإنما على رقيها الثقافي، هذا شيء من مضمون كتاب د. إياد عبد الله يونس بعنوان “اقتصاد المتوسط في القرنين الرابع عشر والثالث عشر ق.م– مملكة أوغاريت نموذجاً” الصادر عن دار بعل، والذي وقّعه على أنغام الموسيقا في قاعة المركز الثقافي العربي (أبو رمانة) وقد حظي الكتاب بإضاءات مهمّة قدمها الأديب نذير جعفر والشاعر والمترجم أحمد الإبراهيم بإدارة الإعلامي محمد خالد الخضر.

قدّم الكاتب لكتابه بالحديث عن المواقع الأثرية، إذ يتمّ التطرق إليها من خلال الشخصية السياسية أو العسكرية، أما الاقتصاد فحضوره خجول، لذلك أراد الخوض في اقتصاد مملكة أوغاريت الكنعانية الشهيرة باقتصادها وموروثها الثقافي الممتد من الجولان إلى الساحل السوري، وموروثنا الثقافي هو الأساس الذي يقف في وجه من يحاول تشويه تاريخنا، وهو ردّ قويّ في وجه المدارس الغربية التي درست أغلب وثائقنا من وجهة نظرها، وتابع أن أغلب الحروب على سورية كانت بسبب جغرافية الممالك وقوة اقتصادها.

وتعمّق د. يونس في الحديث عن أقسام الكتاب والمحاور التي تطرق إليها مبتدئاً بتسميات القرى الحقيقية المسمّاة في أوغاريت ومازالت حتى الآن، وتناول الأنظمة الزراعية والصناعية والتجارية والملامح الثقافية ودور الأسرة المالكة والمعبد، والعلاقة بين الملوك مثل الرسالة الموجّهة من ملك صور إلى ملك أوغاريت: “إلى ملك أوغاريت، أخي تكلم، يقول ملك صو أخيك، أنت بخير الآلهة، تحميك وتمنحك الصحة”، وتجارتها الداخلية والخارجية وتعاملها بالعقود والضرائب والأوزان، وذكر الكاتب تفوق أوغاريت في الصناعة، وشملت كل الصناعات الخشبية والنحاسية والحربية والنسيجية، وخاصة الصوفية والكتانية والعاجية والفخارية التي كان لها دور كبير في الموروث الثقافي: “شكل المصنوعات الفخارية كان تقليدياً زينت بأنساق متنوعة من النقط والخطوط المستقيمة، وكانت عبارة عن أصص لها يد واحدة أو اثنتان وذات عنق ضيق أو واسع”، كما ازدهرت الحِرف في أوغاريت مثل (صانعو السهام والآلات الموسيقية ونقاشون وحطابون.. وغيرها)، وتطرق أيضاً إلى أسطولها البحري.

وأورد الكاتب احتمالات نهاية هذه المملكة العظيمة منها: “أن حريقاً هائلاً دمّر المدينة، ووجد رأي آخر يرجّح أن المدينة أصابها زلزال عنيف خلال فترة نقمادو الثاني، غير أن الأرجح هو سقوط أوغاريت على يد شعوب البحر”.

رحلة شائقة

ويرى الأديب والناقد نذير جعفر المتخصّص باللغات القديمة أن الكتاب يعيد قراءة التاريخ وتفاصيل الحياة اليومية للمجتمع الأوغاريتي برؤية جديدة غير مسبوقة بشموليتها وتعدّد مصادرها واستنتاجاتها المهمّة وفهارسها من الخرائط والجداول والأشكال، ويضيء على مرحلة غارقة في القدم من تاريخ منطقتنا عامة وتاريخ أوغاريت خاصة، مرحلة مجهولة لكثيرين، ولاسيما أن الأبحاث الآثارية كانت حكراً على البعثات الأجنبية وحدها. وشبّه جعفر الكتاب برحلة شائقة لمملكة أوغاريت وازدهارها على الصعد كلها وعلاقاتها مع الممالك المجاورة من آكادية وحثية ومصرية، وما تعرّضت له من حروب وكوارث، وما عاشته من طقوس وعبادات دينية انعكست على مجمل نشاطها الإنساني، وما دوّنته من ملاحم وأساطير مازالت تحتفظ بجمالها ووقعها المؤثر حتى اليوم مثل ملحمة (أقحات).

وتوقف جعفر عند معنى “أوغاريت” الذي يعني إله الحقول “أوجر- هو الحقل من الجذر حرث والحرث هو الحقل المحروث” أو الجدار الذي يسورها محيطاً بقلعتها، وأشار إلى الدهشة التي ستصيب القارئ من نشاطها الزراعي واهتمامها بالقمح والشعير والشوفان والزيتون والكرمة التي كان يصنع منها النبيذ ويصدّر إلى مملكة حلب التي كانت تُسمّى “يمحض” ومملكة ماري على الفرات، كما تحدث بشفافية مؤثرة عن الرسائل التي ترسلها الأميرات والفتيات اللواتي تزوجن بعيداً إلى آبائهن.

وتطرق جعفر للغة أوغاريت، فهي ذاتها اللغة العربية أو شقيقتها لكنها كُتبت بالخط المسماري، وعرض أمثلة عدة من المعجم الأوغاريتي نطقاً لا كتابة لبيان وجه التطابق معنى وصوتاً بين العربية والأوغاريتية، وأن حرف الميم في نهاية اللفظ هو علامة الرفع كالضمة مثل (أبوم– أب، طابوم- طيب، أمتوم– أمة)، وأن الشين الأوغاريتية تقابلها السين العربية مثل مجمل لغات الشرق القديم. وخلص جعفر إلى أن ما يعزّز قيمة الكتاب أن المؤلف يشتغل ميدانياً بالتنقيب مع البعثات الأثرية.

هويتنا ولهجاتنا

أما الشاعر والمترجم أحمد الإبراهيم فبدأ مشاركته بالسؤال: “هل نعيش هويتنا؟ هل نعرف أسماء قرانا واللهجات المحلية؟”، ليصل إلى أهمية الكتاب من أجل الردّ على المدرسة التوراتية، وإيضاح قوة التاريخ السوري القديم وتفوقه بآلية اقتصاد متطورة وبخبرات تطورت لتشكّل نظام المجتمع الأوغاريتي، موضحاً بعض الأمثلة منها تملّك الأراضي والإقطاع الزراعي وتوريث المالك الأرض لأبنائه.

وعقّب الإعلامي محمد خالد الخضر على أهمية الكتاب الذي يختزل جزءاً من تاريخ سورية الذي لا يمكن أن يزوّره أو يعمل على إلغائه أحد.

ملده شويكاني