ثقافةصحيفة البعث

“بقاء” معرض النحات سامر الروماني في تجليات

افتتح في صالة تجليات للفنون الجميلة مؤخراً معرض لأعمال الفنان النحات سامر الروماني بعنوان “بقاء” عرض مجموعة كبيرة من أعمال البرونز التي تناولت موضوعاً موحداً يدور حول صراع الكائن في الوجود مع محيطه، مرمزاً ذلك في ثنائية الثور والكرة، في حوار بين جسمين في فراغ، يجمعان القوة والمرونة ومتعة التجاذب في صياغة تعبيرية محترفة يجيدها النحات الشاب المتمكن من واقعية تمثيل الشكل، وتجسيد موديلاته من مادة البرونز.

عشرات الأعمال موزعة بأناقة وإخراج أنيق لا تكليف فيه خدمة للفكرة وحالة صياغتها تقنياً، وقد قدمت إدارة الصالة للمعرض بنص تعريفي تحليلي جاء فيه: في هذا المعرض، نحن أمام دراما تصويرية لعميق المشاعر عبر الثور الذي يمكن تسميته ذاتنا، مرآة من دراما نحتية تتوقف كل مرة عند قطع حاد وكأنه على نصل سكين ليمثّل فيه العمل النحتي ذروة الحدث الانفعالي بشكل مدروس بعناية، عناية الجراح للجرح. ويضيف الناقد التشكيلي عمار حسن: يستعير سامر الروماني الكرة بمفهوم آخر لتكون الشيء أو الرغبة أو الهدف، فهي تمثّل كمالاً في الشكل الهندسي، واكتمالاً في المعنى الذي يشكّل حافزاً للثور للحركة مهما بلغت صعوبتها وحدتها، محاولاً في كل مرة الوصول إليها- أي الأهداف- مهما كانت المخاطر، وهنا تبرز مهارة وحرفية الفنان الروماني في تلك اللمسات على جسد الثور ليبلغ ذروة المعنى التعبيري من الشكل الفائض بالحركة، والإشغالات الحسية في إطار تكوين وإخراج متمايزين كل مرة، ليقول الحدث التعبيري بشكل مختلف، موظفاً تقنياته النحتية في إظهار تصوراته الفكرية وصراعاته النفسية بتدفق يصل إلى عمق الحالة، هذا العرض النحتي الذي يحمل عنوان “بقاء” يتضمن في طياته الصراع في تعبيرية واقعية تتضمن خصوصية تميز العرض الذي يلخص الجمال الفني بامتزاج وعي الفنان مع منتجه العيني، وبشكل يجسد تصوراته العقلية وانفعالاته وهواجسه على سطوح الخامة التي يختارها، وقد استطاع الفنان بلوغ هذا المستوى من النضوج الجمالي، وحقق القيمة المؤثرة التي تضيف.

وفي جانب آخر ورد للفنان النحات مصطفى علي قول في أعمال هذا الفنان الشاب نقتطف منه: تحيلنا أعمال سامر الروماني إلى تلك الخصلة المتوارثة للتشكيليين في عمق تناولهم للمعضلات الإنسانية الكبيرة، أو إلى رغبتهم في تناول عالم الصراع الذي لا ينتهي بين الأبيض والأسود، بين الخير والشر، أو بين الإنسان ونوازعه، وفي علاقته مع الآخر، حيث يلجؤون إلى واحدة من حيلهم القديمة الجديدة على استبدال عالم الإنسان بعالم الحيوان في محاولة لتفادي المساءلة أو سوء الفهم، كما في “كليلة ودمنة”، ففي أعماله يوشك حيوانه “الثور” أن يتوضع أمامنا لنصوره أو نرسمه، أو نعجب بأنانيته، أو نتألم لجسده المليء بالحراب والرماح، وهو، من خلال مراقبتنا ونحن نتأمله، يلعب لعبة تجري تحت أنظارنا بواسطة الكثير من التكوينات القوية، يقف على الطرف الآخر من المرآة متسائلاً تساؤلنا المعتاد نفسه: إلى أين؟.

هذا المعرض بما يؤكد من كفاءة عالية عند فنانينا الشباب يجعل السؤال مشروعاً عن الفضاء الذي يستحقون لجعل أعمالهم تزين شوارعنا، وتعود بمردود محفز لهم كي يستمروا في صياغة جانب مهم من الحياة التي يستحقون؟!.

أكسم طلاع