مجلة البعث الأسبوعية

المرأة والإبداع

“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس

هناك من يرى أن المرأة أقدر من الرجل على صنع الحياة، لأنها تستطيع الجمع بين العاطفة والعقل، فبقدر ما تمنطق العاطفة، بقدر ما تجعل العقل أقل قوة بالمعنى المباشر للكلمة، والجمع بين الاثنين يجعلها قادرة على تكوين رؤية ربما أوضح لمحيطها، وهذا كله يعود إلى إيمان المجتمع بالفرد والكفاءة، بمعزل عما إذا كان هذا الفرد امرأة أم رجلاً، وحينما نصل إلى هذا الأنموذج من المجتمع فإننا نسقط هذه الأسئلة حول المرأة الأنثى، وبقدر ما يكون الإنسان مؤمناً بعمل الكفاءة بقدر ما المرأة قادرة أن تكون في أي وسط تختاره هي، وليس ما يختاره الرجل لها، وعليها هي أن تختار مثلما هو عليه أن يختار.

وفي محاولة لسبر العلاقة بين خصوصية الأنثى المبدعة وبين إبداعاتها من وجهة نظر النقد النسوي، وترجمة ماهية الإرباك الذي يحيط بمصطلحات، مثل امرأة وأنوثة ونسوية ونسائية، هل يعود إلى المفاهيم التي تتعلق بالأنثى في أعماق تفكير العرب وغيرهم؟ أم جهل بالمصطلحات ودلالاتها؟ كانت هناك دعوة من كثير من الأدباء وفي أكثر من مناسبة إلى تأنيث الرواية كعلامة على تحرير المعنى، وعلى النقدية من خلال دراستهم للقصص والروايات النسائية التي يحمل الكثير منها صدى صوت الذكر، بينما بنى كثير منها خصوصيته الأنثوية في تعبير خاص ونظرة خاصة، وأن القمع ولّد إبداعات بدليل ما كتبته المرأة تحت القمع الذكوري، وما كتبه الرجل والمرأة تحت القمع السياسي والاجتماعي.

وكانت هناك رؤية تتحدث عن زمن التعب المتأرجح بين الهموم اليومية التي تسم حياة الكاتبة العربية المعاصرة التي لو أتيح لها ساعات بوح أطول مما هو متاح لاستطاعت أن تسكب أفكارها التي تضج داخل رأسها، كما كانت هناك مقارنة بين كاتبات اليوم مع كاتبات الجيل السابق، وهنا تحضرني الكاتبة غادة السمان مثالاً لهذه الفكرة إذ كانت محاطة بمجموعة من الرجال الأقارب المتنورين يشجعونها على الكتابة لأنها تكمل الصورة المشرقة التي أرادوا رسمها لجيلهم في ظل حركة النهضة والتنوير التي سادت الدول العربية في النصف الأول من القرن العشرين.

أمام هذه الطروحات، أتوقف عند ملاحظتين: الأولى تشير إلى أن ما يميز إبداع الجيل الأول عن الثاني من الكاتبات أن كتابات الجيل الأول تقتصر على قصص الحب أو ماعاشته الكاتبة في تجربتها الشخصية، باستثناء تجارب قليلة لكاتبات عالجن الشأن العام في كتاباتهن، أما ما تكتبه المرأة اليوم فيطال كل ما يهم الإنسان العربي، سواء كان هماً فردياً أم هماً عاماً؛ والملاحظة الثانية تتجلى في ميل كاتبات اليوم إلى كتابة القصة القصيرة أكثر من الرواية، وربما سبب ذلك يعود للظروف الحياتية القاسية التي تعيشها كاتبة اليوم.

واللافت أيضاً رؤية ترى في كتابة المرأة تحدياً لضلالات التاريخ، فالمرأة الآن تبدع وتزيح التراب الذي تراكم فوق الحقيقة زمناً ضاع فيه الوقت وأصبح للعالم أفق أكثر امتداداً واتساعاً، ولم تعد الساحة تفتح أبوابها للصراع على قبضة هواء وتقول للتاريخ والرجل والمرأة، وللقلم والعالم: نحن جميعاً فقدنا بهذا الحوار المقدرة على هدنة تتسع لكل هذه الإرهاصات، وتبقى كتابة المرأة قضيتها أمام وطن ينزف جراحه، وقضية امرأة تكتب حتى لا تتحنط، كي تحطم قواعد المرور التي شيدها التاريخ، ولا يحطم أواني الورد التي اعتادت المرأة أن تزرع كلماتها في حوضه الممكن.

أيضاً هناك من يتحدث عن شواغل كتابية تروي معاناة المرأة من القمع الاجتماعي والسياسي الذي فرض عليها سياجاً من قهر وألم، فما مر من زمن يكفي الأنثى لتلتفت إلى لعبة الخيال المحموم وتزاوجه بواقع وأسئلة لينتج كلمة فاتنة حيناً وغامضة حيناً، كلمة تعبر الكهوف لتحط في نبع التوالد في بر الحياة، وتتوالى الشواغل والأسئلة، وينهل البياض من ذاكرة حرّى، ومن تخييل محموم وراهن موجع، أسئلة تموج بين قلق الوجود والجسد، وثنائية الرجل والمرأة على أرضية التكامل، وأخرى تقوم في أمكنة لا قرار لها.

الآن، وفي زمن الصدوع الإنسانية، مازال لهذه الرؤى راهنيتها، خاصة وأن الكثير من الكاتبات لديهن الطموح أن يتركن بصمتهن على التاريخ عبر إبداع حقيقي يستوعب ما مضى ويتجاوزه دون أن يتصنم عنده ويقدسه.