مجلة البعث الأسبوعية

سوق السقطية نفض غبار الحرب

“البعث الأسبوعية” ــ المحررة الثقافية

يعد سوق السقطية أحد أكثر أسواق حلب الـ 37 شهرة، ويعتبر المركز الأساسي لأسواق المدينة القديمة. وقد جعله موقعه بالقرب من الجامع الأموي شريان أسواق المدينة، وصلة الوصل بين الأسواق الممتدة من باب أنطاكية في الجهة الغربية، وحتى سوق الزرب مقابل القلعة شرقاً. ويضم السوق أكثر من 53 محلاً تجارياً يعمل أصحابها بمهن مختلفة، ويشتهر ببيع اللحوم والتوابل والضيافة الحلبية التقليدية.

ويعود تأسيس سوق السقطية إلى القرن الرابع قبل الميلاد، ويبلغ طوله نحو 100 متر، حيث يقع مباشرة على شارع فارتيكا الأثري الذي أنشئ في التاريخ ذاته، والذي يمتد على مسافة 750 متراً من مدخل باب انطاكية وصولاً إلى قلعة حلب، وقد تعرض السوق خلال سنوات الحرب الإرهابية للسرقة والنهب، ولحقت به أضرار كبيرة نتيجة استهدافه وحرقه من قبل العصابات المسلحة التي سيطرت على المدينة القديمة عام 2012.

وقد جرى افتتاح السوق في تشرين الأول 2019، مع إعلان عودة محلاته للعمل، بعد حوالي 7 سنوات من التوقف بسبب الحرب. ولكن أغلب زوار السوق يرتادونه لمشاهدة حلّته الجديدة بعد الترميم في حين أن قلّة منهم يأتون لشراء بعض حاجياتهم كالتوابل التي يشتهر ببيعها، ذلك أن الألق عاد إلى السوق القديم بحلته الأثرية، إلا أن الحركة التجارية لم تعد كالسابق.

ويشير أبو محمد، صاحب محل لبيع اللحوم، إلى أن السوق يضم 53 محلاً تجارياً لا يعمل منها سوى سبعة محلات بشكل يومي.

ويرى هيثم بائع التوابل أن السبب في إغلاق أغلب المحلات يعود إلى استئجار بعض أصحاب المحال محلات أخرى خارج السوق منذ سنوات طويلة، الأمر الذي يعيق عودتهم إلى السوق الذي تكاد الحركة فيه شبه معدومة.

ويرى آخرون أن سبب ضعف الإقبال يكمن في مجاورته لأسواق مدمرة بعضها قيد الترميم، كما هو الحال في سوق خان الحرير الذي يجري ترميمه بخبرات وأيادٍ وطنية، فيما تبدو الطريق إلى السوق الأثري غير مؤهلة للزوار، وذلك يشكل عائقاً أمام ارتيادهم للسوق، علاوة على أن بعض أصحاب المحلات فضلوا إغلاق محلاتهم في ظروف انتشار وباء كورونا، رغم أن بقية أسواق حلب تشهد حركة طبيعية ومعتادة في ظل انتشار الفيروس.

 

أعمال الترميم

تم الانتهاء من أعمال الترميم في تموز 2019، دونما تأخير، ووفق جدول زمني مدروس بمتابعة وبالاعتماد على كادر فني وطني مدرب وتحت إشراف خبرات عالمية مشهود لها.

واستمرت أعمال التأهيل قرابة 9 أشهر، وتمت بالتعاون بين محافظة حلب ومؤسسة الآغا خان والأمانة السورية للتنمية، وبإشراف مديريتي الآثار والمدينة القديمة. وقد تم إنجاز العمل بعد وضع دراسات علمية ومخطط تفصيلي للمنطقة بخبرات سوريّة بالتعاون بين وزارة الثقافة والأمانة السورية للتنمية والمديرية العامة للآثار والمتاحف ومجلس مدينة حلب وشبكة الآغا خان للتنمية.

وقد تميزت أعمال الترميم بالدراسات العلمية للموقع وتحضيرات إطلاق عمليات الترميم والمنهجية المتبعة لمشروع الترميم، وتحديد المهام ووضع آلية مشتركة للتعاون بين الجهات المعنية لإنجاز الأعمال المطلوبة في الوقت المحدد، والعودة إلى الحقب التاريخية لكل مبنى، وتاريخ إنشائه مع التركيز على الأبنية في محيط الجامع الأموي.

كما اتسمت دراسات عمليات الترميم بتوثيق وتسجيل العناصر الزخرفية المتوزعة بأرجاء السوق لجعل المحال فيه تأخذ طابعاً متناسقاً. وقد تم استبدال البنى التحتية وإعادة تأهيل وترميم الواجهات وأرصفة السوق، واستخدمت الطاقة البديلة لمد السوق بالكهرباء عبر تركيب ألواح الطاقة الشمسية.

وقد استخدمت تقنيات ثلاثية الأبعاد لتجهيز مخطط المشروع ودراسات الحقب التاريخية والاجتماعية لكل مبنى وتاريخ إنشائه ما ساعد بمعرفة ترتيب الأولويات، وكان تميز المشروع بالإعداد الدقيق غير المسبوق للدراسات، والذي تجاوز آلاف الصفحات بكل تفاصيله ليشكل أنموذجاً لأعمال الترميم اللاحقة بمختلف المناطق، ولا سيما أنه تجاوز عمليات التأهيل وإعادة الأحياء بشكلها التقليدي إلى التفكير بالمستقبل لجهة تزويد المكان بعناصر السلامة والأمان.

وتركز دور مديرية آثار حلب في المساهمة مع مؤسسة الآغا خان ومحافظة حلب بتدريب الكوادر الوطنية عبر تنظيم العديد من الدورات التدريبية لتأهيل معلمي حرفة يتقنون العمل الأثري من ناحية “دق الحجر يدوياً ونحته” للحصول على المواصفات الصحيحة، وإقامة محاضرات تعنى بأصول حماية المواقع التاريخية باستخدام المواد التقليدية منها “الكلس والآجر اليدوي والجص”. وقد أسست هذه التشاركية كوادر وطنية قادرة على المساهمة في إعادة إحياء الأسواق القديمة بحلب مع المحافظة على مبدأ الأصالة والتدقيق في منهجية العمل باستخدام تقنيات ترميم عالمية للحفاظ على التراث المعماري السوري.

وتعاونت مديرية مدينة حلب القديمة مع فريق العمل لتنفيذ الأعمال الهندسية التي تضمنت ترميم القباب وتنظيف الواجهات وتأسيس البنى التحتية من الكهرباء والصرف الصحي وإزالة التشوهات البصرية وتركيب أبواب خشبية وفقاً للقرارات المدرجة ضمن برنامج مواقع التراث العالمية الدولية الذي تديره اليونسكو، ذلك أن السوق هو صلة الوصل الأساسية بين باقي أسواق المدينة وعودة الحياة له هي بداية العودة لها جميعاً.

أما دور الأمانة السورية للتنمية في المشروع فقد تجلى من خلال برنامج التراث الحي على المسح الاجتماعي لطبيعة المهن والأسواق بالتعاون مع مجلس مدينة حلب، وكان العمل عبر 3 مراحل تمثلت بتشكيل لجنة للتواصل مع جميع أصحاب المحلات والاطلاع على التحديات وحل المشكلات وتأمين المستلزمات الأولية للمحال إضافة إلى تأمين أوراق تثبت ملكيتهم القانونية والتواصل مع تجار حلب القديمة ليكونوا محفزين وداعمين لتجار سوق السقطية.