دراساتصحيفة البعث

سورية في عين الرئيس الأمريكي جو بايدن

د. سليم بركات

ما زالت السياسة التي سينتهجها جو بايدن الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية تجاه سورية يكتنفها الغموض، وهو يحتاج إلى التحلي بالصبر كي يدرك كيفية التعامل مع أزمات المنطقة وفي الطليعة الأزمة في سورية لعدة أسباب منها:

  •  لم تكن سورية عبر التاريخ من أولويات السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، إلا بما تشكل من خطر على الكيان الصهيوني بغض النظر عن الدور الأمريكي في إيجاد هذا الكيان ودعمه ورعايته رغم طبيعته العدوانية.
  •  فقدت الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من نفوذها في المنطقة وفي سورية حصراً بسبب السياسة الهمجية الرعناء للإدارات الأمريكية المتتالية وفي طليعتها إدارة “ترامب” البلطجية، من خلال الاحتلال الأمريكي لمناطق في شمال سورية وشرق الفرات، وبما لا يتوافق وسمعة ومكانة دولة عظمى كأمريكا، تمارس اللصوصية والنهب لخيرات دولة ذات سيادة وعضو مؤسس في الأمم المتحدة.
  • المواقف المترددة للولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص الانسحاب العسكري من الأراضي السورية، أو الإبقاء عليه دعماً لشركاء محليين  “قسد” وغيرها ممن يسير في ركاب التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي.
  • اعتماد “بايدن” لشخصيات أمريكية بارزة في إدارته أمثال “طوني بلينكين” مرشحه لوزارة الخارجية، و”جيك سوكيفان” المستشار للأمن القومي الأمريكي، وغيرهما ممن ارتكبوا الأخطاء النكراء في سورية خلال رئاسة “أوباما” القديمة الجديدة في آن واحد بعد وصول “بايدن” إلى الرئاسة الأمريكية.
  • ما أقره المشرعون الأمريكيون من عقوبات اقتصادية ضد سورية بلغت الذروة في عهد “ترامب”، وعلى رأسها قانون قيصر الإجرامي بحق الشعب العربي السوري، ومن ثم إيجاد آليات تعرقل التراجع الأمريكي عن مثل هذا القانون.

كل هذا وغيره قد يحدث إرباكاً لسياسة بايدن القادمة، ليس فيما يخص إيجاد الحلول السياسية للأزمة السورية فحسب، وإنما في أية خطوة تخطوها أمريكا تجاه هذه الأزمة، أكانت سلبية أم كانت ايجابية، الأمر الذي يشير إلى أن سياسة الوضع الراهن الأمريكية تجاه سورية هي السياسة المستمرة لفترة زمنية قد تطول أو تقصر حتى تدرك قيادة بايدن أنها غير قادرة على التعامل مع هذه الأزمة بمفردها، أكان ذلك من خلال التدخل العسكري المباشر، أم كان ذلك من خلال إيجاد الحلول السياسية، أم كان ذلك من حيث تحقيق المصالح وعقد الصفقات، ونحن لا نجانب الحقيقة إذا قلنا أن بايدن قد يستطيع انجاز خطوات أكثر ايجابية إذا ما أراد التعامل بعقلانية وحيادية مع هذه الأزمة، يأتي في طليعتها الاستجابة لقرارات الأمم المتحدة، وبما يتوافق مع سيادة الدولة السورية على أراضيها ومصلحة شعبها من خلال تبني الحوار السوري السوري الحيادي، دون إملاءات أو تدخل بالشأن الداخلي السوري، وهذا لا يكون إلا من خلال التخلي الأمريكي عن معارضة التبعية الإرهابية المأجورة، كما لا يكون إلا من خلال التزام إدارة بايدن برفع العقوبات الاقتصادية عن سورية، من منطلق أنها عقوبات تنتهك الحقوق الإنسانية للشعوب، في الوقت الذي يعاني فيه الشعب السوري من وباء فايروس كورونا، الذي يعرض أبناء الشعب السوري للخطر بكل ما تحمل الكلمة من معنى، الأمر الذي يستوجب رفع مثل هذه العقوبات أحادية الجانب، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية بكل أنواعها، إضافة إلى تسهيل عودة المهجرين السوريين إلى وطنهم سورية.

معركة صامتة تدور رحاها اليوم بين سورية وحلفائها من جهة، وبين أمريكا وشركاؤها من جهة أخرى، معركة بين مشروعين: المشروع المقاوم الممتد من إيران إلى فلسطين عبر سورية ولبنان من جهة، والمشروع الامبريالي الصهيوني الرجعي من جهة أخرى، زد على ذلك الأزمات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية المرافقة لهذه المعركة. كل هذا وغيره وما يلحق به سيتصاعد في الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن. ونحن لا نجانب الحقيقة إذا قلنا إن الولايات المتحدة الأمريكية ومن يغرد في سربها حاولوا فرض ضغوط على الشعب السوري من خلال جولات متعددة عقدت في جنيف للجنة الدستور، ولكن سورية رفضت هذه الضغوظ  من خلال رسائل سياسية واضحة بينت فيها أن الإصلاح الدستوري الذي تدعيه واشنطن ومن يغرد في سربها لن يحصل بسبب التدخل الامبريالي الصهيوني الرجعي السافر في الشأن السوري.

وتتبين النوايا الأمريكية الخبيثة والواضحة تجاه الدولة السورية من خلال المقابلة التي أجراها جويل رايبيرين المبعوث الأمريكي الخاص الجديد إلى سورية، والذي حدد من خلالها شرطين أساسين تقبل من خلالهما الولايات المتحدة الأمريكية بحل سياسي للأزمة السورية وهما: أولاً تسليم ما تبقى لدى سورية من سلاح كيماوي بحسب زعمه، علماً أنه يدرك أن ليس لدى سورية مثل هذا السلاح، وثانياً أن تقبل سورية العيش بسلام مع جيرانها ويعني “إسرائيل”. وقبل هذا التصريح بأيام زار قائد القوات الأمريكية الجنرال ماكنيزي قاعدة التنف العسكرية الأمريكية في سورية، كما التقى بقيادات “قسد” وكافة المجموعات الإرهابية واعداً إياها بمزيد من التسليح والتدريب والتمويل، في حال انسحبت أمريكا عسكرياً من المنطقة، وترافقت هذه الوعود مع تسارع الأحداث في المنطقة ومن خلال نصب الكمائن في البادية السورية، لاستهداف الجيش العربي السوري وقواه الرديفة، كما اتضح ومنذ أشهر بعودة إرهابيي “داعش” القادمين من العراق إلى سورية للالتقاء مع ما تبقى من “دواعش” كانت في ضيافة “قسد” وبقاعدة التنف للتصعيد في مواجهة محور المقاومة.

كل الدلائل تؤكد أن إدارة بايدن و سوف تعود للتعامل مع الأزمة السورية بالمسار الذي تعاملت به إدارة أوباما، وهذه سياسة لا يمكن فهمها إلا بما يتوافق ومواجهة الدولة السورية وحلفائها، بهدف تسوية أمريكية مع إيران لم تر النور قبل عام على الأقل، ومع أن بايدن قد يمتلك حرية العودة إلى الاتفاقيات والمعاهدات والالتزامات الدولية التي نقضها ترامب، لكن ما تركته سياسة المتاجرة الترامبية في الشرق الأوسط لا تعطي بايدن الكلمة الفصل في موضوع العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، ولا هي قادرة على التنصل من نتائج الحروب العبثية وغير المجدية كما وصفها بايدن نفسه والتي مازالت متقدة، الأمر الذي أدى إلى التحول من مقولة “أمريكا أولاً” التي رفعها ترامب إلى مقولة “أمريكا وحيدة” التي رفعها بايدن. وعلى الرغم من التقارب بواقعية فيما يخص الملف النووي الإيراني بين أمريكا وإيران، وعلى الرغم أيضاً من ارتعاد العرش السعودي من رحيل ترامب الذي كان يحميه لقاء أتاوات معينة وخيالية، وارتعاد نتنياهو والكيان الصهيوني برمته من هذا الرحيل، فإن نتنياهو ومن لف لفه قد أبدى تخوفه من ضربة إيرانية لـ “إسرائيل”، ولما كانت أمريكا اليوم في مرحلة انتقالية قيادياً، ولا قدرة لها على التورط لحماية “إسرائيل” فإن المشهد الدولي سيبدو مهشماً أمام  بايدن. وإلى أن يتمكن بايدن من تصحيح أخطاء ترامب وينتهي من مشاغله في حل المشاكل الأمريكية الداخلية التي وضعت سمعة أمريكا في الحضيض على مستوى دول العالم، يكون محور المقاومة قد تمكن من ترحيل التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة إلى غير رجعة، عندها ستدرك أمريكا و”إسرائيل” ومن لف لفهما أن القضايا المصيرية لا تقاس برغبة أعداء الحق، وإنما تقاس بايمان أصحاب الحق بحقهم وعدم التفريط فيه.