رأيصحيفة البعث

20 كانون الثاني: أربعاء أمريكا.. أربعاء العالم

أحمد حسن

قبل أيام قليلة تحوّلت واشنطن إلى ثكنة عسكرية مغلقة كبرى، انتشر فيها قرابة أربعين ألف عسكري من الحرس الوطني والشرطة المحلية ووحدات الجيش والمخابرات والشرطة الفدرالية، استعداداً لحفل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد يوم الأربعاء وخوفاً من تداعياته أيضاً. العالم سيتحوّل في هذا اليوم إلى شاشات استقبال عملاقة ومراكز أبحاث -حيث تزدهر سوق المحلّلين والمنجّمين- تذّكر بما حصل. تحلّل ما يحصل، وتتنبأ بما قد يحصل لاحقاً بسبب هذا اليوم الاستثنائي وغير المسبوق. واشنطن تحت النار. العالم كله في خطر.

أوروبا استبقت الحفل بتقديم أوراق الاعتماد والخضوع لواشنطن عبر زيادة التوتر مع خصومها. لهجة وزير الخارجية الفرنسية مع ايران دليل بيّن. معاقبة وزير الخارجية السوري دليل آخر. الكيان الصهيوني يحاول رسم حدوده الجيوسياسية، ومعها حدود سياسة بايدن الشرق أوسطية القادمة، بالنار. أردوغان اكتشف، مؤخراً، أنه يعيش مع الأوروبيين في الجغرافيا نفسها “منذ ألف عام” كما قال، وكما أنه “ليس ممكناً قراءة التاريخ التركي من دون أوروبا، كذلك ليس ممكناً فهم تاريخ أوروبا من دون تركيا”. في الخطاب الأردوغاني الاستعلائي المعهود هذا دليل تراجع بحثاً عن حماية أوروبية وغربية من بايدن، الذي وصفه سابقاً بالطاغية وهدّده بالمحاسبة. العرب، كعادتهم، شعوب مغلوبة على أمرها، وحكام يبحثون عن الحماية تحت معطف “الاتفاقات الإبراهيمية” علّها تطيل عمر سلالاتهم على الكراسي المذهّبة.

هو يوم المفارقات بامتياز. ترامب الذي لم يحز هذا الاهتمام الهائل بشخصه، ودوره، خلال حفل تنصيبه، يعوض ذلك، وأكثر منه، يوم رحيله عن المنصب. “الدولة العميقة” التي كانت تخشى بقاء ترامب على سدة الحكم، تخشى ارتدادات رحيله أيضاً. فالرجل الذي تمرّد على المؤسّسات والإجماع الحزبي، ليس شخصاً فقط، بل ظاهرة سياسية واجتماعية واقتصادية تمثّل نحو (74) مليون أمريكي غالبيتهم العظمى لم تعد تجد نفسها في النظام الحالي الذي لم يعد يقدم لها سوى التهميش المتزايد. إنها تريد الاستمرار في تغييره مع ترامب، وبالتالي يوم الأربعاء، بيقينها، هو يوم سرقة حلمها بالتغيير. السرقة – حسب هؤلاء – قامت بها المؤسسات الأمريكية التي كانوا آباءها المؤسسين!!. هنا تبرز معضلة انعدام ثقة مطلق يصعب استرجاعها بسهولة، وصورتها الأوضح قيام جماعة “أف بي آي” بالتحقّق من موثوقية جنود الحرس الوطني. تقارير الشرطة الفدرالية طافحة بالتحذير من مخاوف قيام جماعات متطرفة مسلحة مؤيدة لـ”ترامب”، بأعمال عنف عبر محاولة احتلال مقار الحكومات ومجالس النواب في عدد من الولايات.

الحزب الجمهوري، التقليدي، في مأزق بعد خسارته الأخيرة. كيف يعيش وينافس دون هذه القاعدة العريضة؟؟، وبالتالي كيف يستعيدها من ترامب دون ترامب ذاته؟؟، خياراته محدودة ومقلقة في كل الحالات. الديمقراطيون في مأزق أيضاً. يريدون العودة إلى ما قبل ترامب، خارجياً وداخلياً، في الخارج لا بدّ من التراجع عن كل “انسحاباته” من الاتفاقيات الدولية، لكن لا بأس من استخدام “تركته” كفزاعة لرفع شروط الانضمام أو العودة لبعض الاتفاقات، الاتفاق النووي مع ايران مثالاً. داخلياً الشرخ السياسي يتعاظم بالتوازي مع انقسام اجتماعي واقتصادي صورته هذا الاستقطاب الحادّ الذي انفجر في غزوة الـ “كابيتول”، في قلب “المعبد الأكبر”، هذه هي مشكلتهم الكبرى القادمة. خطابهم الانتصاري الثأري ومحاولتهم عزل ترامب لا يساهمان في التخفيف من حدة هذا الاستقطاب.

بايدن ليس المخلّص، فالخطر أصبح في قلب الإمبراطورية وعاصمتها، والترابط بين الشروط الخارجية والداخلية معروف للجميع، والانقسام الأمريكي الداخلي توجد بعض أسبابه في الخارج أي ارتدادات سياسة واشنطن الخارجية -الاتفاقات والمعاهدات التي تبرمها كما الحروب التي تخوضها – على الداخل، كيف سيوفق بايدن بين تحديات الداخل والخارج؟ هل يتوجّه بخطاب، وإجراءات، توفيقية داخلية؟ والأهم هل يقدر على الفعل والتنفيذ إن قدر على الكلام؟!، والأخطر هل تتوجه الإمبراطورية لرمي مشاكلها نحو الخارج؟!. السيناريوهات كلها مطروحة ومفتوحة. واشنطن تحت النار. العالم في خطر.