دراساتصحيفة البعث

اليمين المتطرف الشعبوي يهدّد أمريكا

د. معن منيف سليمان

بات اليمين المتطرف الشعبوي يشكّل جزءاً من المشهد السياسي الأمريكي، وبدأت تحركاته لافتة للانتباه منذ أن استعدّت البلاد للانتخابات الرئاسية في مطلع شهر تشرين الثاني 2020، ما أعاد الحديث عن سلوكياته ونشاطاته وتسليط الأضواء عليه. وكان توقيف الشرطة الفيدرالية منذ عدّة أسابيع ثلاثة عشر رجلاً خطّطوا لخطف حاكمة ميتشيغان وإطلاق حرب أهلية ثم الهجوم على مبنى الكونغرس أخطر نشاطاته مؤخراً. وترى بعض هذه المجموعات في قوات الأمن عملاء حكومة استبدادية، فيما تحضّر أخرى لـ “ثورة وطنية” أو “حرب عرقية”، ويؤيد أفرادها نظريات تفوّق العرق الأبيض، وبعضهم لديه ارتباطات بحركات النازيين الجدد. ويرى مكتب التحقيقات الفيدرالي أن هؤلاء المتطرفين الشعبويين “تهديد إرهابي” للبلاد، ويتهمونهم بالمسؤولية عن مقتل العشرات خلال السنوات الثلاث الماضية.

تصاعدت الهجمات المرتبطة باليمين المتطرف في الولايات المتحدة بين عامي 2016- 2017، وفاقت تلك المرتكبة من التنظيمات الإرهابية التكفيرية، وذلك منذ عام 2014. فمنذ وصول الرئيس الأمريكي ترامب إلى سدة الحكم كثّفت المجموعات اليمينية المتطرفة من تحركاتها، وظهرت بمشاركة مناصريها في تجمّع لليمين المتطرف في شارلوتسفيل في فرجينيا عام 2017، ثم بمشاركتهم أيضاً في التظاهرات المناهضة للقيود الهادفة لاحتواء فيروس كورونا خلال الربيع، وكذلك خلال التظاهرات ضدّ وحشية الشرطة في الصيف.

لقد سمحت خطابات ترامب التي تستند إلى رؤية معادية للمهاجرين والأقليات بتصاعد معدلات جرائم الكراهية ضد المهاجرين والأقليات، لدرجة جعلت ريتشارد سبنسر أحد قادة حركة “القوميين البيض” يصف ترامب بأنه صوت اليمين، وهو ما يعدّه خصومه تهديداً للتنوّع الثقافي والعرقي الذي عملت الولايات المتحدة على تحقيقه منذ ستينيات القرن الماضي.

ويبدو أنّ الجماعة اليمينية شبه العسكرية أُعجبت كثيراً بخطابات ترامب، إذ سارعت إلى تحويل بعض كلماته شعاراً اعتمدته على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الولايات التي تسمح بحمل السلاح في الأماكن العامة، يصعب منع الناشطين المسلحين من التجمّع أمام مراكز الاقتراع، طالما لا يشكّلون تهديداً مباشراً، لكن هؤلاء يمكن أن يستخدموا كأداة تخويف، حيث أكد رأي مؤخراً أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يخشى حصول مواجهات عنيفة بين ميليشيات اليمين المتطرف والنشطاء “المناهضين للفاشية” تزامناً مع الانتخابات.

وعندما دعا ترامب مجموعة “براود بويز” إلى أن تكون على “أتم الاستعداد”، أجابه جو بيغز أحد قياديي المجموعة، التي غالباً ما تدخل في مناوشات مع نشطاء اليسار، “نحن مستعدون”.

ولعلّ أكثر هذه المجموعات المتطرفة شهرة هي مجموعة “ثري بيرسنترز” و”أوثكيبرز” و”براود بويز”، وكذلك “بوغالوس بوا” و”باتريوتبراير”. وتشترك تلك المجموعات بدفاعها عن حق امتلاك السلاح والعداء للحكومة والسلطة والأفكار اليسارية. وبعضها مؤيد للأفكار الداعية لتفوق العرق الأبيض ولديها ارتباطات بحركات للنازيين الجدد، ويعتنق أصحابها أفكار حركة اليمين المتطرف “كاي أنون” المؤمنة بنظرية المؤامرة، التي ترى أن ترامب يخوض حرباً سرية ضد جماعة ليبرالية عالمية مؤلفة من متحرشين بأطفال وعبدة شياطين!.

ويمكن القول إنّ الفكرة الرئيسية التي يعتنقها المتطرف اليميني هي أنّ “الدولة القومية، وهي تحكم نفسها، يجب عليها التخلّص من العناصر الأجنبية التي تضعفها من الداخل، حتى تستطيع أن توفر العدل لمواطنيها الطبيعيين البيض، وأنّ الصراع في داخل الدولة والمجتمع يتكوّن من: عدوّ خارجي، وهو على الغالب يتكوّن من اللاجئين والمهاجرين، والآخر المختلف مهما كان، وعدو داخلي، وهو الأخطر، ويتكوّن من الدولة الفيدرالية والحكومة ومؤسساتها المختلفة”!.

وبحسب خبراء، تضمّ هذه المجموعات آلاف المؤيدين في البلاد، وهي تتواصل برسائل مشفّرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد ألقى توقيف ثلاثة عشر رجلاً كانوا يخطّطون لخطف حاكمة ولاية ميشيغان وبدء “حرب أهلية”، قبل عدة أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الضوء على وجود جيوب مسلحة لليمين المتطرف، تشكّل حسب الشرطة الفيدرالية (إف بي آي)، التهديد الإرهابي الأول في عهد ترامب. ويعتنق غالبية الرجال الثلاثة عشر الذين أوقفوا في ميشيغان أيديولوجيا مجموعة “بوغالو”، وغالبتيهم كانوا أعضاء في مجموعة محلية مسمّاة “وولفرينواتشمِن”. وتهدف مجموعة “بوغالو” التي تضمّ نازيين جدداً وفوضويين من اليمين المتطرف، إلى إسقاط الحكومة بحرب أهلية. ويعرف مؤيدوها بارتداء قمصان هاواي الزاهية فوق الأزياء العسكرية.

إن الروايات الكاذبة حول تزوير الانتخابات ستكون حافزاً دائماً للجماعات اليمينية المتطرفة المحلية التي شجعها ترامب على الاحتجاج، وهذه الادّعاءات والمزاعم الكاذبة عن تزوير الانتخابات باتت الآن عاملاً إضافياً قد يدفع إلى تفجير العنف.

أمريكا تتجه نحو التطرف الشعبوي، حيث تتصاعد الدعوات إلى العنف في الشبكات اليمينية المتطرفة الموالية للرئيس المنتهية ولايته ترامب التي تدعو لاستعلاء البيض، هؤلاء المتطرفون اليمينيون لديهم كثير من الحماسة الآن، ويتوقع أن يتصاعد العنف إلى درجة كبيرة مع تهديدات بتحويل العاصمة واشنطن إلى رماد.