دراساتصحيفة البعث

بايدن وإرث ترامب

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد

انتهت ولاية ترامب رسمياً الأربعاء 20 كانون الثاني بإرث مختلط سيكون محلّ دراسة لعدة سنوات، بعد أن شهدت فترته الرئاسية عدة فضائح وأمور مثيرة للجدل، لتشكّل الأشهر الأخيرة من ولايته حرجاً داخلياً له، وخاصة ما يتعلق ببطء التعامل مع جائحة كورونا، ليأتي بعدها الحدث الأبرز باقتحام مجموعة من أنصاره لمبنى الكابيتول وما تبع ذلك من محاولة ثانية لعزله.

حسب استطلاع رأي لمركز “بيو” للأبحاث سيبقى إرث ترامب جدلياً بشكل كبير، ومن الأمريكيين من يرى أنه أعظم رئيس على مدار التاريخ، وهؤلاء ينتمون غالباً للمحافظين ولرجال الأعمال وللمتدينين اليمينيين، بينما تنظر الفئة الأكبر إليه بكثير من السلبية وهو يغادر منصبه بنسبة تأييد لم تتجاوز 29 بالمئة، وهي الأسوأ له على الإطلاق.

يرى أنصاره أنه نجح في تنفيذ عدد من وعوده، وخاصة ما يتعلّق بالنظام القضائي الفيدرالي بعد أن عيّن ثلاثة قضاة محافظين مدى الحياة في المحكمة العليا، في سلوك أراد من خلاله ترسيخ نزعتهم المحافظة على قوانين البلد، ولاسيما تلك المتعلقة بالحريات الفردية أو بقوانين العمل والهجرة والرعاية الصحية، كما عيّن أكثر من 200 قاضٍ في المحاكم الفيدرالية لهم ارتباط بالجمهوريين والمحافظين.

وأخيراً أنهى ترامب ولايته بالتوقيع على مشروع قانون يؤدي إلى تخفيض معدل ضرائب الشركات الأمريكية من 35 بالمئة إلى 21 بالمئة، وهو قانون لمصلحة الطبقة الغنية الأمريكية والشركات الضخمة، كما خفّض الضرائب على الأفراد بشكل يسير ومؤقت، ولكن لهذه الإجراءات تبعات، فهناك توقعات بزيادة عجز الميزانية الإجمالية بـ1,9 تريليون دولار خلال عشر سنوات، حيث يتخوّف معارضو ترامب من أن يدفع أصحاب الدخل المنخفض فاتورة هذه الإجراءات، حيث خفض الجمهوريون أموال الرعاية الاجتماعية لأجل الموازنة.

وحسب الاستطلاع نجح ترامب في إعادة التفاوض التجاري بين بلاده وبقية بلدان العالم، فرغم أن ذلك كان أحياناً فوضوياً وأدى إلى حرب تجارية مع الصين وجعل التجارة المحلية غير مستقرة، إلّا أنه أفلح في وقف اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) واستبدله باتفاقيات أخرى مع المكسيك وكندا، وكان ذلك بنظر معارضيه، بمن فيهم نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب، هو الأفضل.

ورفع ترامب شعار “أمريكا أولاً” ووعد بتغيير الكثير من سياسات سلفه باراك أوباما، وحكم بطريقة غير تقليدية وغير متوقعة وصل مداها إلى المعايير الدبلوماسية، فقد أخرج بلاده عام 2017 من اتفاقية باريس للمناخ بعدما اعتبرها غير عادلة تجاه بلاده، وكذلك انسحب من الاتفاق النووي مع إيران، ونقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، كما حاول إقامة علاقات مع كوريا الديمقراطية.

وحوّل ترامب حسابه على تويتر إلى مثار جدل ووصل عدد متابعيه إلى نحو 89 مليون متابع قبل توقيفه نهائياً، وأحدث تأثيراً كبيراً في كيفية استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في الحملات الانتخابية وفي الحكم، إذ استخدمها لخلق اسمه السياسي الخاص ولأجل الهجوم على خصومه السياسيين والإعلان عن قراراته الحاسمة كطرد وإقالة مسؤولين كبار معينين وكذلك التواصل مع جمهوره.

ولكن أسلوب ترامب المتفرد جعله محبوباً فقط من قبل الناخبين البيض والإنجيليين الذين يتهمون النخب السياسية في واشنطن بإهمالهم، ما مكّن الحزب الجمهوري من الحصول على دعم جديد. تقول لورا ويلسون أستاذة مساعدة للعلوم السياسية بجامعة إنديانابوليس في ذلك: “سياسياً كان قادراً على الجمع بين تحالف غير مسبوق وقد جلب طريقته الخاصة للدعم السياسي”.

انتهت فترة ترامب بوقف أو تجميد حساباته في كل مواقع التواصل الاجتماعي الأمريكية، وخسر معها جمهوراً يقدّر بعشرات الملايين، فضلاً عن انقلاب الكثير من الجمهوريين عليه، وزاد رفضه الإقرار بنتائج الانتخابات من الانتكاسات، ما سيكون له الأثر الكبير على إرثه المعنوي وجعل البعض يرون أنه أسوأ رئيس عرفته البلاد في تاريخها المعاصر على الأقل عندما تعلّق الأمر بتسليم السلطة.

لقد كانت رئاسته إحدى أكثر الفترات الرئاسية الأمريكية إثارة للجدل، ولكن حتى مع إخفاقه في تسليم السلطة بـروح رياضية وتأليبه أنصاره على الاحتجاج إلّا أن إرثه سيستمر في أمريكا وسيكون لزاماً على جو بايدن التعامل معه.