دراساتصحيفة البعث

تلك هي صور الواقع العربي اليوم!

د. رحيم هادي الشمخي

كاتب عراقي

تقف الأمة العربية اليوم على مفترق طرق خطيرة أمام أكبر هجمة استعمارية للنيل من هويتها وسيادتها ووجودها القومي، نتيجة ما حدث من احتلالات أمريكية وتركية وصهيونية في العراق وسورية وليبيا واليمن. لقد أصبح بعض العرب مرتهنين بالكامل للإرادة الاستعمارية الغربية التي وصلت حدّ التوسل إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل قبول ورعاية الاستسلام الجماعي والتام للإرادة الأمريكية والصهيونية لإلغاء الحق الكامل للمواطن العربي في التفكير بقضايا وطنه وأمته ومستقبله.

لقد أصبحت ممارسة الخيانة القومية مجرد وجهة نظر، وتحوّلت إلى كونها السياسة المعتمدة التي تطلق عليها عبارات (الحكمة) و(التعقل) و(الرشاد)، وارتفعت راية الاستسلام ثم راية التطبيع فوق الوطن العربي كله، فتوحدت من حولها النظم والتفت وتضامنت، بينما أضحت دعوة الصمود والمقاومة صوتاً شاذاً يُعمل على إخماده بكل الوسائل والسبل، وانزوت الأهداف العظيمة، أهداف التحرّر والوحدة والسيادة والحرية التي ناضلت تحت رايتها أمتنا العربية خلال المرحلة السابقة والتي صاغتها الجماهير العربية بنضالها المتواصل، وعبر قوافل الشهداء، لتصبح وحدة كل إقليم عربي هدفاً بحدّ ذاته، وتفككت اللحمة القومية والوحدة الوطنية في كل إقليم وساحة لتتمحور حول الطائفية والعشيرة، والمذهب، والمنطقة والحي والضيعة والقرية، وأضحت التكتلات الإقليمية والصراعات الإقليمية هي القاموس المشترك الذي يضلل الواقع العربي كله.

إن هذا التحوّل في الواقع العربي لم يحدث فجأة ولا مصادفة، وإنما خُطّط له بدقة وإحكام ومهّدت الأرض له وأُعيد ترتيب البيت العربي بدقة وتخطيط، حتى يمر هذا الانقلاب البشع في الحياة العربية دون ظهور احتمالات جديدة لمواجهته، وتحوّل شعار الصراع العربي- الصهيوني إلى شعار الصراع الفلسطيني- الصهيوني، وبعدها تحوّلت قضية الصراع ذاتها إلى دعوة (للسلام) على قاعدة الوجود الإسرائيلي والفلسطيني، ولذلك فإن وعي طبيعة الصراع مع العدو الصهيوني باعتباره صراع وجود، يلغي كافة المقولات الاستسلامية ويعيد الأمور إلى نصابها، فالكيان الصهيوني يمثل خطراً على الوجود القومي ويجب مقاومته، وليس في هذا الكيان اللقيط من هو (مدني) و(محارب)، ليس فيه (عدو) و(مسالم) ليس فيه (صقور) و(حمائم)، ليس فيه (معتدلون) و(متطرفون)، فالكيان كله يقوم على قاعدة الاغتصاب والإرهاب والقتل والجريمة.

من هنا فإن الواقع القائم الذي تعيشه الأمة العربية يتطلّب تغيير صورة الواقع العربي الحالي الذي غيّبت فيه الإرادة الوطنية والقومية، وبناء المشروع الحضاري العربي في مواجهة المشروع الأمريكي التركي الصهيوني، وتحقيق الاستقلال الثقافي والحضاري والاقتصادي العربي ومحاربة كل أشكال الهيمنة الاستعمارية التي تريد تقسيم الوطن العربي.