تحقيقاتصحيفة البعث

بورصة “تأجير شهادات الصيدلة” تنتعش في غياب ثقافة الشكوى!

لم يكن خطأ طبياً أو جراحياً ذلك الذي أوصل نور ذات الثماني سنوات إلى مشفى درعا الوطني بحالة حرجة، بعد إحالتها من قبل عدة أطباء إلى المشفى، بل تناولها دواءً وصفه لها “صيدلاني مزوّر” لا يعلم من المهنة شيئاً سوى الجلوس خلف كرسي الصيدلاني وإعجابه بلقب “دكتور”، رغم أنه لم يكن يحمل سوى شهادة ثانوية عامة، لكن اعتياد الناس على رؤيته في الصيدلية جعلهم يظنّون أنه صيدلاني قادر على إعطاء وصفات طبية من خلال شرح بسيط للمرضى عن حالتهم تجنّبهم زيارة الطبيب والدفع مرتين لقاء المعالجة وشراء الدواء!.
أخطاء كارثية تحصل كل يوم على مرأى من وزارة الصحة ونقابة الصيادلة نتيجة تأجير الصيدليات لأشخاص غير أكفياء وغير مهنيين لقاء منفعة مادية متبادلة بين الطرفين، فالصيدلاني يكسب أجرة شهادته، والطرف الثاني يكسب مهنة ودخلاً ليس بالقليل، ويبقى الطرف الثالث (المرضى) الخاسر دوماً، نتيجة صفقات تجارية تتلاعب بأرواحهم دون أدنى شعور بالمسؤولية.
تجاوزات؟
وفي جلسة قصيرة مع أحد القرويين في منطقة حماة، علمنا حجم الكوارث الناجمة عن عدم وجود أي صيدلاني في أي صيدلية في قريته، واتجاه جميع الصيادلة للعمل في شركات الأدوية، إذ يكتفي الصيدلاني بأسبوع لتعليم الشخص بأصناف الأدوية والشركات التي يتعامل معها، وتأهيله ليصبح صيدلانياً قادراً على إعطاء الدواء للمريض بناءً على وصفة طبية، إلّا أن هؤلاء الأشخاص يتجاوزون ذلك إلى تقديم الاستشارات خجلاً أمام المريض من وقوفهم موقف الجهلاء، ومن ناحية أخرى حرصاً على جيوب المرضى وتجنّبهم زيارة الأطباء الذين فاقت أجورهم الاستطاعة، وفي ظل غياب الرقابة عن هذه المناطق وغيرها من الأرياف، بدءاً من ريف دمشق وصولاً إلى أرياف المحافظات الأخرى، حيث لمسنا خرقاً واضحاً وكبيراً للتعليمات والقوانين الموضوعة التي تمنع تأجير شهادة الصيدلة، وجلوس أشخاص غير خريجين في الصيدليات، كذلك لاحظنا معرفة الكثير من الأهالي بعدم حيازة هؤلاء الأشخاص شهادات في الصيدلة، ووجود أدوية مهرّبة في أغلب الصيدليات، ومع ذلك لا يقدمون أية شكوى عنهم تحت مبررات كثيرة، أهمها اكتساب هذا الشخص لخبرات مع مرور الأيام ليست موجودة عند أي صيدلاني حصل على شهادته حديثاً، ولأن هذا الشخص ابن منطقته ولا يريد الإساءة له، ومنهم من يرى أن أغلب المواطنين حفظوا أسماء الأدوية لبعض الأمراض الشائعة كالرشح والكريب، وبالتالي لا فرق بوجود صيدلاني أو أي شخص لديه إلمام بأسماء الأدوية، ناهيك عن غياب واضح للكثير من أدوية الأمراض المزمنة في الصيدليات، وبالتالي ضرورة وجود الدواء المهرّب برأيهم في الصيدليات كي لا يقع المريض في مشكلة تأمين هذا الدواء!.
بورصة الشهادات!
ولم ينفِ بعض الأصدقاء لنا ممن يمتهنون هذه المهنة قيامهم عند تخرجهم باتباع الطريق الأقصر والأسهل للحصول على المال كي يشقوا طريقهم، فارتفاع تكاليف شراء صيدلية وخدمة الريف المفروضة عليهم أسبابٌ تدفع الصيدلاني لتأجير الشهادة واستئجار شهادة ترخيص دائم للعمل ضمن المدينة، كذلك تأمين مصدر دخل ثانٍ خاصة خلال الوضع المعيشي الراهن كان أبرز الأسباب التي قدموها لنا والتي دفعتهم للجوء إلى تأجير شهاداتهم، أما الإناث فكان السبب الرئيسي لتأجير شهاداتهن هو فكرة الارتباط والتفرغ للمنزل، مع ضمان مورد مالي مستمر. وعلى الرغم من التصريحات المتكرّرة والدوريات الدائمة التي تقوم بها نقابة الصيادلة وتأكيدها مراراً وتكراراً أن نسبة تأجير الشهادات تنخفض عاماً بعد عام لتصل العام الماضي إلى 10%، إلّا أن الواقع يثبت العكس وتفاقم هذه الظاهرة لتصبح موضة كتأجير البيوت والمحال التجارية بأسعار خيالية تحت ما يُسمّى “بورصة تأجير شهادات الصيدلة”، لتصل في بعض المناطق إلى أكثر من 500 ألف ليرة في الشهر الواحد.
ثقافة الشكوى
نقابة صيادلة سورية حملت في إجاباتها الكثير من الامتعاض من تكرار الإعلام حديثه عن الصيادلة ومشكلات الدواء، وعدم الحديث عن هموم ومشكلات الصيادلة، وما تقوم به النقابة للوقوف على هذه الصعوبات والعقبات وتذليلها، لتؤكد نقيب صيادلة سورية وفاء كيشي أن لا وجود لشيء اسمه “تأجير شهادات الصيدلة”، وأن ظاهرة جلوس شخص لا يحمل شهادة الصيدلة ليست جديدة أو وليدة الأزمة، بل هي أمر موجود منذ زمن طويل، وأن النقابة لا تستطيع اجتثاث هذه الظاهرة من جذورها إلّا في حال ورود شكاوى وتعاون الأهالي في جميع المناطق مع النقابة، وأن ثقافة الشكوى على هذه الظاهرة لا تزال ضعيفة، وفي حال ورود أية شكوى يتمّ إغلاق الصيدلية، فقد أصدرت وزارة الصحة العديد من التعاميم الوزارية التي تتضمن عقوبات مشدّدة تصل حدّ إغلاق الصيدلية مدة ستة أشهر لكل صيدلية يديرها شخص غير مؤهل، مع إحالته إلى القضاء، وهناك لجان مشكّلة من الوزارة وفروع النقابة، وكذلك لجان من الفروع هي لجان مراقبة شؤون الصيدليات التي تقوم بجولات رقابية مستمرة على الصيدليات لرصد أية مخالفة، ومعالجتها وفق الأنظمة الخاصة.

وفي معرض حديثها طالبت كيشي بمراقبة عمل بعض مخابر التحاليل المخالفة والتي لا تقدّم تحاليل نظامية للمرضى، مؤكدة أن نقابة الصيادلة تسعى دوماً لتطبيق القانون بالتعاون مع وزارة الصحة، كذلك تولي موضوع الرقابة الدوائية اهتماماً كبيراً، فالصناعة الدوائية لها مكانتها قبل وخلال الأزمة، خاصة وأن الكثير من المعامل الدوائية استمرت بإنتاج الدواء خلال سنوات الحرب، واليوم نسعى لتطوير هذه الصناعة.
ميس بركات