صحيفة البعثمحليات

من يتذكر؟!

الانتعاش العمراني في بعض المناطق يثير الكثير من التساؤلات حول ما تم البحث فيه على مدار السنوات الماضية فيما يتعلق بالعمارة الخضراء، والعزل الحراري، وغيرهما من القضايا التي نالت نصيبها من البحث والاجتماعات لتحسين البنية العمرانية، وتطويرها وتأهيلها بيئياً، ولا شك أن غياب الضوابط المتعلقة بقطاع التشييد والبناء يجعل من عملية العثور على الصندوق الأسود الخاص بكود العزل الحراري المفقود منذ حوالي 13 سنة، وتحديداً منذ عام 2007، أقرب إلى صناعة المستحيل، حيث نستطيع بكل ثقة وضع القرارات والقوانين التي تسهم في تطبيق معايير العمارة الخضراء بشكل عام  في خانة الضجيج الصاخب، والرقص على إيقاع الوعود التي ستبقى بعيدة عن ساحة التنفيذ مع نمو المشاريع العمرانية والأبنية خارج منظومة تلك القوانين والضوابط التي اصطدمت بالإصرار على تجاهل النظم البيئية، والاهتمام فقط بمظاهر الحداثة في التخطيط والبناء دون الاكتراث بالتكاليف الاقتصادية الهائلة التي تستنزف الموارد الطبيعية والطاقات التقليدية.

لا يمكن البحث والخوض بمفاهيم العمارة الخضراء بمعزل عن واقع عمل الكثير من الجهات التي نفخت في “القرب المقطوعة”، وبرعت في رسم الكثير من الأفكار التي يمكن أن توصل العمارة الخضراء إلى التنفيذ، إلا أنها لم توفق كثيراً في إيجاد بيئة قانونية حاضنة لهذه الاستراتيجية، وملزمة للتطبيق، وبلغة الواقع يمكن القول: إن هذه الجهات أمعنت خلال السنوات الماضية في تخليها عن تبني خطة واضحة المعالم والخطوات لتطبيق معايير العمارة الخضراء، والشواهد على ذلك واضحة في تلك الكتل الاسمنتية البعيدة كل البعد عن هذا التوجه المعماري.

لا شك أن البحث في الإجراءات التي تمت لإخراج  العزل الحراري من الإطار الورقي سيوصلنا إلى السؤال عن حقيقة الالتزام بالوثيقة الطاقية التي تساهم في تصنيف الأبنية ضمن معايير واشتراطات العمارة الخضراء التي نصل من خلالها إلى أبنية مستدامة يمكن استثمارها لأطول فترة ممكنة بأقل التكاليف لجهة الاستثمار والصيانة، وهو ما يضمن وفراً حقيقياً في الطاقة ومواردها.

طبعاً ما يجري في قطاع التشييد والبناء يثبت أن كود العزل الحراري للأبنية في بلدنا دخل حيز التطبيق في عام 2008، وأصبح قانوناً ملزماً من خلال قانون الحفاظ على الطاقة، إلا أنه بقي حبراً على ورق، وبقيت الجمعيات السكنية والأبنية الخاصة خارج إطار الإلزام، ومع تسارع الأفكار وتعدد الجهات الفاعلة في مشروع إعادة البناء والإعمار نسأل: هل تتجه الجهات المعنية لتبني استراتيجية جديدة لتفعيل القرارات وتحويلها إلى واقع؟ وهل سيتم اتخاذ المزيد من الإجراءات الملزمة لتطبيق معايير العمارة الخضراء بحضور الدليل الاسترشادي، وبشكل يسمح باستثمار فرصة إعادة الإعمار في خلق بيئة عمرانية تجمع ما بين الحداثة ومتطلبات العمارة الخضراء، أم نكرر السؤال ذاته من جديد: “من يتذكر”؟!.

بشير فرزان

basherf72@gmail.com