دراساتصحيفة البعث

ماذا تعني رئاسة بايدن للعالم؟

ترجمة: هناء شروف

عن الفاينيشال تايمز

من التجارة إلى المناخ، تعهّد الرئيس الجديد باستعادة القيادة الأمريكية وإصلاح العلاقات مع الحلفاء. وعد جو بايدن بوضع حدّ لنهج دونالد ترامب الانعزالي والمربك للعلاقات العالمية، لكن محاولة إدارة بايدن لاستعادة القيادة الأمريكية ستتطلّب وقتاً ورأسمال سياسياً في الوقت الذي يصبح فيه الدور العالمي للقوة العظمى موضع شك في الداخل والخارج.

من غير المرجح أن يسمع الدبلوماسيون عبارة “أمريكا أولاً” لفترة من الوقت، إذ سيواجه بايدن تحديات تشمل مواجهة الصين، وإعادة دخول الاتفاق النووي مع إيران، وضبط العلاقات مع أوروبا، والتعامل مع تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على العلاقة مع المملكة المتحدة.

 أوروبا.. ماذا يريد وماذا يريدون؟

حرصاً على إعادة بناء التحالفات الأوروبية التي تجاهلها ترامب مراراً وتكراراً، من المرجح أن يكون بايدن أكثر رؤساء الولايات المتحدة أطلنطياً منذ جيل، إنه يفتخر بتراثه الأيرلندي، وسيبتعد عن عداء ترامب العلني للاتحاد الأوروبي، كما سيكون داعماً قوياً لتحالف الناتو العسكري.

يعارض الرئيس الجديد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على الرغم من قبوله كأمر واقع بعد خروج المملكة المتحدة من السوق الموحّدة للاتحاد الأوروبي في كانون الثاني الحالي. كما وعد بايدن بتشديد موقف الولايات المتحدة تجاه روسيا، وسيتعيّن عليه أن يفتح بسرعة مفاوضات مع موسكو لتمديد معاهدة “ستارت” الجديدة لتخفيض الأسلحة النووية قبل أن تنتهي صلاحيتها في 5 شباط المقبل.

وبينما أقرّ العديد من المسؤولين الأوروبيين أن ترامب كان رسولاً فظاً للتغيير الهيكلي -بما في ذلك المزيد من الإنفاق الدفاعي من حلفاء الناتو وانسحاب القوات الأمريكية من ألمانيا- لا يزالون يرون أن القوة العسكرية الأمريكية التي تدعم الناتو ضرورية لأمن أوروبا، كما يودّون أن تشارك واشنطن بشكل أكبر في التعامل مع الأزمات الإقليمية من بيلاروسيا إلى شرق البحر المتوسط.

إيران والشرق الأوسط

وعد بايدن بالانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه ترامب إذا عادت طهران إلى الامتثال للاتفاق متعدّد الأطراف، كما تعهّد بإعادة العلاقات مع  السعودية التي وصفها بالدولة “المنبوذة”. لكن مثل ترامب، يريد بايدن إنهاء الحروب الأمريكية ويخطّط لتغيير ولاءات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لن ينقل الديمقراطي السفارة الأمريكية من القدس، وليس لديه أي خطط للضغط من أجل حلّ الدولتين، كما أوضح كبار مستشاري بايدن أن أولويات سياسته الخارجية تكمن في مكان آخر.

وبالمقابل، إيران تريد رفع جميع العقوبات لعودتها إلى الاتفاق النووي، فيما تشعر السعودية بالقلق من أن إدارة بايدن قد توقف مبيعات الأسلحة وتفرض فتوراً جديداً على العلاقات.

تودّ الإمارات المتحدة أن ترى الولايات المتحدة تتخذ موقفاً أكثر تشدداً ضد تركيا، كما تريد الحصول على مقعد على طاولة المفاوضات مع القوى الإقليمية في أي محادثات مع إيران، ولهذا سيتعيّن على إدارة بايدن الجديدة العمل بسرعة للاتفاق على نهج مع الموقعين الأوروبيين على الاتفاق النووي: المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا.

الصين

وصف أحد مستشاري بايدن أولويات السياسة الخارجية للرئيس بأنها “الصين. الصين. الصين. روسيا”. سيرث فريق بايدن مؤسّسة السياسة الخارجية الأمريكية التي تنظر إلى بكين باهتمام أكبر بكثير مما كانت عليه خلال رئاسة باراك أوباما. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما هو مزيج التعاون والمنافسة والمواجهة الذي سيستخدمه بايدن للتعامل مع القوة الصاعدة المنافسة لأمريكا. في حين أنه من المحتمل أن يرفض الرئيس الجديد تأييد حرب باردة جديدة يمكن أن تعرّض دور الولايات المتحدة العالمي الرائد للتهديد، فإنه سيسعى إلى التراجع عن الاتفاقيات التي تحكم التكنولوجيا والاستثمار، كما أنه سيحافظ على وجود عسكري أمريكي قويّ على أعتاب الصين. سيسعى بايدن إلى تعزيز التنسيق مع الشركاء الأوروبيين حول فحص الاستثمار، وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتكنولوجيات الناشئة في محاولة للوصول إلى الصفحة نفسها مع الحلفاء فيما يتعلق بالصين، سيحاول أيضاً تعزيز الشراكات الإقليمية مع الحلفاء بالنظر إلى الاهتمام القصير في ظل إدارة ترامب، مثل كوريا الجنوبية.

يعتقد بعض الخبراء أن الصين ستتنفس الصعداء في ظل قيادة بايدن. يأمل الأوروبيون في خطاب علني أقل عدوانية مما كان عليه خلال سنوات ترامب، لكن العديد من المسؤولين يتوقعون القليل من الهدوء في الضغط الخاص من قبل الولايات المتحدة. ويقول بعض الديمقراطيين إن بايدن يقلّل من أهمية التهديد الذي تشكّله طموحات الصين العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. يصرّ معظم المسؤولين الأوروبيين على أنهم لا يرون أنفسهم على مسافة متساوية بين واشنطن وبكين، لكنهم أيضاً حريصون على الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع الصين وإمكانية إقامة شراكات في مجالات أخرى مثل تغيّر المناخ.

التجارة العالمية

لدى بايدن الاتجاهات الحمائية نفسها مثل ترامب، فهو يقترح جعل الوكالات الفيدرالية تشتري الخدمات والسلع الأمريكية فقط، وقد قام بتعويم ضريبة لمعاقبة الشركات الأمريكية على نقل الوظائف والتصنيع إلى الخارج. مثل ترامب، جادل بأن منظمة التجارة العالمية بحاجة إلى الإصلاح، وأن تكون أكثر قدرة على التعامل مع الاقتصادات غير السوقية مثل الصين.

ومع ذلك، على الرغم من أن بايدن أشار إلى أنه سيظل صارماً مع الصين على الجبهة التجارية، فمن غير المرجح أن يكرّر نظام الرسوم الجمركية الذي رعاه ترامب، لكن إلى أي مدى سوف يزيل أو يخفض الرسوم الجمركية -أو يطبق المزيد من التعريفات- فإن ذلك غير واضح.

تماشياً مع سياسته الخارجية الأوسع، يريد بايدن خفض التوترات التجارية مع أوروبا، وهذا يعني حلّ بعض الخلافات الكبيرة، بما في ذلك الخلاف المستمر منذ عقود حول دعم الطائرات والجدل حول كيفية فرض ضرائب عادلة على شركات التكنولوجيا الكبرى.

تأمل الديمقراطيات الأجنبية أن تنضمّ إدارة بايدن إلى إجماع الدول الأعضاء الأخرى في دعم نغوزي أوكونجو إيويالا وزيرة المالية النيجيرية السابقة كمدير عام جديد لمنظمة التجارة العالمية، إذ أن الإدارة الحالية تمنع تعيين زعيم جديد.

تسعى أوروبا والمملكة المتحدة أيضاً إلى إحراز تقدّم في المحادثات بشأن دعم الطائرات، وإنهاء التعريفات الأمريكية ذات الصلة على السلع الأوروبية، بما في ذلك الجبن والنبيذ والزيتون. تهدف تلك الدول إلى تسوية خلافها مع واشنطن حول الضرائب الرقمية، وستعمل على رفع الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم الأوروبي. ستحاول المملكة المتحدة التي غادرت السوق الموحّدة للاتحاد الأوروبي في كانون الثاني الحالي إبرام صفقة تجارية مع الولايات المتحدة بعد تولي بايدن منصبه، ولكن هذا لن يكون على رأس أولويات الرئيس الجديد.

سياسة المناخ

تعهّد بايدن بالانضمام إلى اتفاقية باريس بشأن تغيّر المناخ التي انسحبت منها الولايات المتحدة في تشرين الثاني الماضي، ويخطّط لدمج أهداف تغيّر المناخ في كل جانب من جوانب السياسة الخارجية الأمريكية والأمن القومي والتجارة. لقد حدّد هدفاً يتمثل في خفض الانبعاثات الصافية للولايات المتحدة بحلول عام 2050، وتعهّد بالاعتماد كلياً على -بل وحتى تصدير- الطاقة النظيفة. وقال أيضاً إنه سيقود جهداً عالمياً لضمان أن ترفع كل دولة كبيرة من الدول التي تنبعث منها انبعاثات الكربون طموحاتها الخاصة بأهداف المناخ المحلية، مع أهداف شفافة وقابلة للتنفيذ، ووضع الصين في الاعتبار بشكل خاص.

دول الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى الولايات المتحدة للعودة إلى التحالف الدولي لمكافحة تغيّر المناخ، حيث تأمل المملكة المتحدة التي تستضيف اجتماع COP26 في تشرين الثاني القادم في استخدام قمة الأمم المتحدة للمناخ للحدّ من التوتر بين بايدن ورئيس الوزراء بوريس جونسون بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لقد وضعت كلّ من الصين واليابان مؤخراً أهدافاً جديدة ضخمة لنفسيهما لتصبحا محايدين للكربون بحلول عام 2060 وفي حالة طوكيو بحلول عام 2050. وهذا يضع الضغط على بايدن لتحسين أهداف الولايات المتحدة وإيجاد نقطة مضيئة في العلاقات الأمريكية الصينية، حتى في الوقت الذي سيسعى فيه بايدن إلى استعادة زمام القيادة في دبلوماسية المناخ العالمي.