مجلة البعث الأسبوعية

الجمعية السورية البريطانية تطلق الحوار: “داعش” ثقافي يساهم في تدهور دمشق القديمة والحديثة!!

“البعث الأسبوعية” ــ إبتسام المغربي

لا شيء يكبح جماح المال الأسود الذي يهين العمارة الدمشقية الجميلة؛ ورغم وجود مديرية آثار تقع على عاتقها مسؤولية حماية ما بقي من قصور ومدارس وقباب ومساجد وكنائس وأسواق ونسيج عمراني قديم وواجهات بهية، إلا أن الجهات التي تتدخل في الآثار كثيرة ومتعددة، فقضايا الدولة تصدر أحكامها غالباً لصالح التجار (لا ندري ما هو السر في خسارة معظم الدعاوى التي تتعلق بالآثار!!)، ووزارة الأوقاف تتحكم بترميم المساجد الأثرية، وقد تسيء إلى طرازها المعماري من خلال تلوين أحجارها وعدم وجود اختصاصيين بالترميم لديها، وتصدر قرارات بإزالة أبنية خاصة مسجلة – ومنها البوايك في الميدان – لتهدم ويرتفع بدلاً عنها عمران يفتقد لأدنى المعايير الجمالية، ومحافظة دمشق عاشت عقداً ونصف من الفوضى والمخالفات وهدم الآثار المسجلة زمن إدارتها السابقة التي تجاوزت كل الحدود في تدمير النسيج الأثري!!

 

صحوة نتلهف عليها

واليوم، هناك ما يرقى إلى الصحوة، وجهود لرعاية النسيج العمراني القديم والقصور التاريخية والأبنية المميزة، من خلال التعاون بين محافظة دمشق والمديرية العامة للآثار – دائرة آثار دمشق تحديداً – وبمشاركة مهندسين اختصاصيين وخبرات أدلت برأيها بما يحدث، وبما هو مطلوب.

وبمبادرة من الجمعية البريطانية السورية، عقد في مكتبة الأسد بدمشق قبل أيام حوار ضم وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح، والدكتور فواز الأخرس رئيس الجمعية السورية البريطانية، ومحافظ دمشق المهندس عادل العلبي، والمدير العام للآثار المهندس نظير عوض، ومدير دمشق القديمة المهندس مازن الفرزلي، ومدير آثار دمشق المهندس طوني يازجي، ولفيف من الخبرات المهتمة بهذا الشأن.

وبعد تقديم عرض لتاريخ النسيج العمراني للمدينة القديمة خارج السور، والتجاوزات التي ارتكبت بحقه على مدى عقود ماضية، برز سؤال: ما المطلوب الآن لحماية ما تبقى من كثير من عمران ما زال يميز دمشق؟!

 

عرض محزن وحلول صعوبة

قدم المهندس طوني يازجي مدير آثار دمشق عرضاً لواقع حال تراث المدينة والأبنية المميزة، وأشار إلى وجود أبنية مسجلة وأبنية تخضع للتنظيم العمراني ومنطقة حماية، كاشفاً عن قصور الأنظمة في الحفاظ على الشرائح الأثرية بوجود عمران لا يراعي أهمية وضرورة الحفاظ عليها، وظهور أبراج لم تحترم المدينة القديمة وخلقت تلوثاً بصرياً كبيراً، وقال إن شريحة الحماية حمت دمشق داخل السور وتركت معظمها خارجه، رغم وجود الكثير من النسيج الذي يماثل ما هو داخل الأسوار، وأحياناً يتفوق عليه معمارياً. وأكد يازجي أن شريحة الحماية لم تحقق الغاية المطلوبة، حيث ساهمت الحماية المجتزئة للنسيج القديم خارج السور بخلق فواصل غير مبررة بين مكونات النسيج القديم نتجت عنه أضرار كبيرة في بنيتها وديموتها، ما أبرز الحاجة إلى إعادة دراسة شاملة لما لا يزال متبقياً من نسيج المدينة القديمة خارج السور، وإعداد دراسة متكاملة لحمايته وتنميته، ودعا المحافظة إلى التريث في منح رخص الهدم في المناطق المدروسة، وتعديل أنظمة البناء داخل السور وخارجه، بما يكفل الحفاظ على النسيح التاريخي لمدينة دمشق ولا يتعارض مع مصالح المالكين.

 

الحاجة إلى قرار

 

في الحوار الذي تم حول واقع لا يسر أبداً لمدينة دمشق،

أبدت الدكتورة لبانة مشوح، وزيرة الثقافة، الاستغداد للتجاوب مع أية جهود يمكن أن تساهم في وقف التعديات على الآثار، وشددت على ضرورة إيجاد الحلول للمشاكل التي تم طرحها، والانتقال من التعريف بالمشكلة إلى مرحلة اتخاذ القرار وفرض إجراءات الحماية، منبهة إلى أن قانون الآثار الذي تمت دراسته في العام ٢٠٠٩، ورفع في العام ٢٠٠١٢، لم يصدر، وبات بحاجة إلى تعديل رغم مشاركة كل الجهات بالطروحات والصياغة آنذاك، لذلك لابد من وضع معايير لحماية النسيج القديم، وترسيخ مفهوم حماية الجمال والتراث، وأن يكون القانون عادلاً ومنصفاً.

 

“داعش” ثقافي

الدكتور فواز الأخرس، رئيس الجمعية السورية البريطانية، أشار إلى “داعش” ثقافي يساهم في تدهور دمشق القديمة والحديثة، كما فعل في تدمر، ولكن على المدى الطويل، وشدد على وجوب تشخيص الموضوع، ووجود موقف من السلطة التنفيذية، فقد بات واضحاً وجود منظومة تتشارك الفساد بين الحكومة والمواطن، وتحتاج إلى قوانين وتنفيذ ومحاسبة.

وأشار الدكتور الأخرس إلى إمكانية إحداث هيئة تتبع لرئاسة مجلس الوزراء تحقق الحفاظ على الأبنية الأثرية داخل السور وخارجه، مع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أنه لا يمكن أبداً قبول أن تكون مصلحة صاحب العقار أهم من مصلحة المدينة.. فالحل ينطوي على جانب حكومي ينبغي المسارعة للقيام به.

من جانبه، أكد محافظ دمشق، المهندس عادل العلبي، على الحاجة إلى حلول حكومية لبعض الأماكن، لأن المحافظة باعتها، داعياً إلى تشكيل لجنة خاصة من عدة مؤسسات تنظر بالرخص والتصاميم والحفاظ على النسيج القديم، والنظر بعامل الاستثمار بحيث يحدده الخبراء والمختصون من مؤسسات أثرية ومعمارية بعيداً عن أي تفرد بطرح الحلول.

الخبرات المعمارية والاختصاصية شددت كلها على أهمية وجود برنامج عمل واضح، والعمل على تسريع إصدار قانون الآثار الجديد، ووضع المعايير التي تكفل الحفاظ على التراث والنسيج التاريخي، ووضع الحلول القابلة للتطبيق، وإعادة النظر بمشاريع كثيرة تسيء إلى المدينة القديمة داخل السور وفي منطقة الحماية، وتخصيص الوزارات التي تشغل مباني أثرية، مسجلة أو مميزة، مبالغ لصيانة المباني وحمايتها، ووجوب عدم تطبيق عامل الاستثمار في المناطق التي تلامس الأحياء المسجلة والمباني الأثرية، وإيجاد حل للأحكام القضائية، والاستناد إلى الخبرات الأثرية في تقييم المباني المسجلة، والأهم التريث في منح رخص الهدم في المناطق المجاورة للمباني المسجلة، وإيجاد حلول لتأمين لحقوق والحفاظ على أقدم العواصم المأهولة بالتاريخ، ورفعها عن سجل المدن المسجلة تحت الخطر في اليونسكو.