دراساتصحيفة البعث

هل يمهد اقتحام الكابيتول لانهيار الإمبراطورية الأمريكية؟

ريا خوري

يقول عالم الاجتماع العربي ابن خلدون في تعريفه للحضارة بأنها تفنّن في الترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه. فالحضارة هي الوصول إلى قمة العمران والتطور الثقافي والشخصي للمجتمع والدخول للرقي الاجتماعي الثابت. فالحضارة من وجهة نظره هي نهاية العمران، ومن ثم الزوال.

عاش الشعب الأمريكي وقيادته الأمنية والعسكرية حالة من القلق والخوف والرعب المنتظر من أي عمل أمني أو عسكري هدفه إفشال الاحتفال بتنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب عن الحزب الديمقراطي جو بايدن. ونتيجة لهذا التخوّف فقد جاءت القرارات الأمنية والعسكرية سريعة للدفاع عن الكابيتول وملحقاته بعد أن تمّ اقتحامه وانتهاك حرماته. لذا تحوّلت العاصمة الأمريكية واشنطن إلى ثكنة عسكرية  لتأمين حفل التنصيب، هذه الحالة دفعت الكثير من المراقبين والمحلّلين الاستراتيجيين للتساؤل: هل كلّ هذا الاستنفار الأمني والعسكري في العاصمة الأمريكية واشنطن وأكثر من ٢١ ولاية أمريكية يمكن أن يكون ابن لحظته فقط، أم أن هذه الأزمة ممتدة والخطر سيبقى يفرض ذاته بقوة لوقتٍ غير محدّد؟.

في الحقيقة إن هذه الأزمة لن تحلّ، لأن الطبقة السياسية التي تحكم الولايات المتحدة من ديمقراطيين وجمهوريين منخرطة في ذلك التيار اليميني الشعبوي المتشدّد في تعصبه للعرق الأبيض دون غيره من المكوّنات والإثنيات الأخرى، لذلك فالحل هو بإيجاد حلول قانونية وحتى أمنية توافقية لإنهاء وجود تلك القوى والمنظمات اليمينية المتطرفة التي تمارس إرهاباً داخلياً، وليس مجرد تهديدات أمنية جنائية.

وللتأكيد على جدية هذا التحدي الذي تكشّف بضراوته غير المسبوقة في حادثة اقتحام مبنى الكونغرس بتحريض من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، يمكننا رصد العديد من المؤشرات المهمّة، أولها، التحذير الذي ورد على لسان موريل اليزابيث بوزر، عمدة واشنطن، لسكان العاصمة الأمريكية من أن الإجراءات الأمنية المشدّدة لتأمين حفل تنصيب الرئيس بايدن ستكون الوضع الطبيعي الجديد بعد يوم التنصيب، وزادت بقولها: “لا نستطيع توفير إطار زمني لوقت إزالة الحواجز حول مبنى الكابيتول”.

هذا التحذير لم يأتِ من فراغ على الإطلاق، لكنه فرض نفسه بقوة وفق إشارات صادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي من أن أعضاء تلك القوى والتنظيمات اليمينية المتشدّدة لديهم خطط لاستخدام مرافق حسّاسة جداً في العاصمة الأمريكية واشنطن مستقبلاً، كما أنّ هناك العديد من المؤشرات عن وجود تأكيدات صريحة وواضحة، وفق ما يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي، بأنّ عناصر حاليين وسابقين من بينهم ضباط كبار يواجهون اتهامات صريحة موثقة بالمشاركة في أعمال العنف والتخريب والانتهاك الذي تعرّض له الكونغرس. وهذا بالتالي مايؤكد وجود انشقاق داخلي وانقسام في الولاءات ضمن صفوف القوات العسكرية الأمريكية بمعظم تشكيلاتها وأقسامها في ظل ما يعيشه المجتمع الأمريكي الآن من انقسام كبير وحاد.

مؤشّرات الخطر ربما تكون أكثر من ذلك في أساسها وجذورها، وهي بالتأكيد تفاقم من فرص تعميق حالة الانقسام الأمريكي الراهنة، لذلك بات من الضروري التساؤل عن مدى قدرة الأمريكيين في مثل هذه الظروف الصراعية والتناحرية على أن يطوّروا حلولاً لمنع تزايد انقسام المؤسسات الأمريكية.

إن طرح هذا السؤال في الوقت الراهن هو بلا شك لعدم إعطاء أي إجابة عنه، ولكن على الأغلب، وفي ضوء هذا الواقع الصعب، يمكننا تحديد عدة مشاهد لمستقبل الولايات المتحدة، فإما أن ينجح بايدن في استعادة “أمريكا موحدة” وفق ما جاء في خطاب حفل التنصيب، وإما أن يفشل في مشروعه لإعادة توحيد الأمريكيين، وبذلك يتمكّن الرئيس السابق المعزول دونالد ترامب من فرض نفسه زعيماً لتيار الرفض للطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية كلها من الجمهوريين والديمقراطيين معاً.

وفي حال لم يحدث هذا أو ذاك، أي فشل كلا المشروعين، فمن الطبيعي ألا تكون الولايات المتحدة موحدة كما يريد بايدن، ولا تكون عظيمة كما يأمل ترامب، وأن الفوضى والانقسام والتفكك والضياع هي المصير المحتوم للإمبراطورية الأمريكية، كما هي حال ما سبقها من إمبراطوريات.