ثقافةصحيفة البعث

حسام تحسين بيك يطلق “سكان هذا الزمان”

“سكان هذا الزمان” الإصدار الأول للفنان حسام تحسين بيك الذي يقترب من سمات القصة الطويلة أو الرواية المصغرة من حيث تنويعات السرد وتبدل الأمكنة وتتابع الأزمنة وتغييرات الشخصية المحورية، تمّت مناقشته بجلسة إصدار بإدارة وحوار ملهم الصالح في المركز الثقافي في المزة، وتكريماً من تحسين بيك لعشاقه الكثر أهدى نسخاً منها مجاناً للحاضرين.

إلا أن الجلسة لم تخلُ من عتب وشجن، كما تطرقت إلى دخوله عالم الكتابة للدراما التلفزيونية، وطالت محطات من سيرته.

استهل الصالح الجلسة بالسؤال عن العمل الدرامي الأول الذي كتبه تحسين بيك “الكندوش” قيد الإنتاج حالياً، ولاقى احتفاءً إعلامياً كبيراً، مبتدئاً من العنوان، فعقب تحسين بيك بأن الكندوش وعاء خشبي طوله يقارب ثلاثة أمتار يحفظ حبوب القمح في جانب، والخبز بعد عجنه بالمنزل ومن ثم إرساله للخباز في جانب آخر، وهو شيء أساسي في البيوت الدمشقية المترفة، اختاره ليكون اسم مسلسل البيئة الشامية الذي كتبه بلغة صادقة مستوحاة من روح اجتماعية واقعية من مشاهداته في طفولته ومعايشته تفاصيل البيئة. ويعود اهتمام تحسين بيك بأعمال البيئة إلى ما شاهده من أخطاء تشوّه تاريخ هذه البيئة العريقة وتراثها، ليخلص إلى أنه “ليس من حق أحد أن يشوّه هذه البيئة، ولا أدّعي أنني الأفضل، لكني الأصدق، قدمت وثيقة صادقة بإيجابياتها وسلبياتها”.

الأقنعة والسواد

وعاد الصالح إلى المحور الأساسي لجلسة إصدار “سكان هذا الزمان” الصادر عن مؤسسة سوريانا 2019، متوقفاً عند فكرة الغلاف التي لا توحي بالتفاؤل من وحي أفكار تحسين بيك وتصميم التشكيلية فيفيان الصايغ، فالكرة الأرضية على شكل ساعة والأقنعة البشرية هي شارات الزمن وعقرب الساعة هو الإنسان أسير الجنون، تعلوها مساحة تتشح بالسواد، ومن حيث المضمون فسكان هذا الزمان يطال جغرافية الكرة الأرضية ويتجاوز الخصوصية المحلية، مثل سكان حمص أو دمشق أو سورية، فماذا يعني لك العنوان؟. فتحدث تحسين بيك عن لحظة ما هاربة من الزمن يكتشف فيها الإنسان زيف العلاقات وتغيّر الأشخاص المحيطين والأقنعة التي يتعاملون بها مع الآخرين، كما يعيش المفارقة بين الزمن المعاصر والزمن الماضي الجميل بقيمه وناسه وسلوكياته، والأكبر سناً من الشباب هم الذين يشعرون بهذه الفروقات، إضافة إلى ما نعيشه اليوم من عنف ينتشر في أرجاء العالم، كل هذه المكاشفات كانت شرارة ليتخذ سعيد الشخصية الأساسية قراره بمغادرة المدينة إلى قرية نائية على تخوم البحر ليمحو ذاكرته، لكن من الصعب ذلك فيعيش صراعاً درامياً بينه وبين ذكرياته.

الغلاف الخلفي

وينتقل الصالح إلى دفة الرواية الأخرى التي عنوّنت بـ”أنا لا أزال هناك” ويشدّ الحاضرين إلى التقنية السردية التي اتبعها تحسين بيك بتأليفه نصاً خاصاً كتب على الغلاف الخلفي يختزل به ملامح الزمن الجميل وحنينه إلى ذاك الزمن: “كان في زماني راحة البال، واحترام السؤال، وتلبية السائل، كثير من الأيادي تمتد لليد… أنا اليوم داخلي كله بكاء أبحث عن هؤلاء”، بعيداً عن المألوف بتدوين مقطع من مضمون الكتاب أو ما يدوّنه الناقد.

أما الإهداء فارتبط أيضاً بالزمن الجميل “إلى روح أمي وكل الاعتذار.. قلت الكثير الكثير ولم تقولي عن المال هذا الذي حفر قبراً كبيراً ودفن فيه كل القيم وتسيد”، فبيّن تحسين بيك أن والدته التي لا تشبهها إلا قلة من النساء علمته الكثير من قيم الزمن الجميل لكنها لم تحدثه عن الشر والخبث، والدته التي تنبأت بوجود التلفزيون لم تحدثه عن المال الذي تضيع معه الكثير من القيم.

تنويعات سردية

وإلى الفضاء الداخلي للمتن الحكائي تحدث الصالح عن تنوع الصور المدرجة ضمن الفصول التي توحي بملامح الأفكار، إلا أن بعضها غرافيك وأخرى فوتغرافية وغيرها من تصميمات الكمبيوتر، فكانت نماذج مختلفة لم تأتِ بروح واحدة ولا برسم فنان يوحي بالمشهد التخييلي، ثم تنويعات السرد والفصول، إذ اعتمد تحسين بيك على تقنية السارد بضمير المتكلم بما يعرف بالراوي الذاتي مبتعداً عن الراوي العليم، بدا ذلك واضحاً منذ الفصل الأول، سقوط الأقنعة: “اسمي سعيد حالي بكل بساطة واختصار كحال الناس التي تسعى إلى البقاء مرة هنا ومرة هناك”، وعادة يستخدم المؤلفون الراوي الذاتي كوسيلة لإقناع القارئ بوحي تجربة ذاتية، ثم الفصل الثاني من الشام إلى الضيعة، يتضح التوصيف لمعالم الطريق والتبدل المكاني “نسمة خلابة ومنظر جميل وكأن كل شيء حولك يقول لك صباح الخير”، ويتضمن الوصف الدقيق لمعالم المكان مثل الكاز الصغير والبيت المبني من الحجر العشوائي والمفتاح، كلها وظّفها تحسين بيك لتقودنا إلى الأنسنة “فتجاوبت معي اللمبة بإنارة خجولة وكأنها تعتذر مني”، وإلى رمزية الفصول الموحية بالحالة النفسية وليس بالمعنى الزمني “الربيع القادم” ودلالة الأشياء مثل “12 إنكليزية” وهي بارودة فشك تصنّع في حي القصاع ارتبطت بشكل خاص مع تحسين بيك كونه كان يمارس الصيد في شبابه.

الصراع مع الذئب

كما يتضمن السرد شيئاً من الطرفة والمفارقات والسخرية والمنولوجات الخاصة، وتتابعت الفصول إلى ذكريات ووهم، ليأتي المنعطف بفصل الذئب بذروة الحبكة واحتدام الصراع بين سعيد والذئب ليصبح صديقه فيما بعد “كان حجمه كبيراً وكان يرمقني بنظرة من دون أن يتحرك”، ثم رسالة وصندوق، ليتوقف عند الفصل الأخير والمفاجأة بتخلي السارد عن موقعه ومنحه بقفلة الرواية إلى سمرا “وأثناء ذلك دخلت إلى حظيرة البقر صبية ممشوقة القوام نشيطة الحركة” لتتابع السرد، ورأى الصالح أن هذا الانتقال السردي يعبّر عن ذكاء المؤلف بتراسل الأجيال.

اللهجة العامة

كما شكّل الحوار مساحة من المناقشة، إذ جاء السرد باللغة العربية الفصحى بينما الحوار كان بالعامية “وينك الله يرضى عليكي إذا شفتي ديب أليله اشتئتلو”، والسؤال الذي وجهه الصالح أن العامية باللهجة المحكية –اللهجة البيضاء- وليست باللهجة المحلية المحكية بالقرى الساحلية، فأجاب تحسين بيك بأنه أراد استخدام اللهجة العامة لفهمها من قبل جميع القراء.

وتخلّلت المناقشة بعض الهفوات التي أشار إليها الصالح، منها أن بعض الصور جاءت مخالفة للمضمون مثل صورة الصندوق وغيرها.

تقصير الإعلام

تخلّل جلسة إصدار عرض فيلم توثيقي عن سير مراحل الحياة الفنية لحسام تحسين بيك، ولاسيما انضمامه إلى فرقة أمية وإبداعه بالرقص الشعبي وتصميم اللوحات إلى كتابته الأغنيات والتلحين، وقد أثارت أغنية “أنا سوري آه يانيالي” شجن تحسين بيك والحاضرين والعتب على الإعلام السوري، فقلة فقط من السوريين يعرفون أنها من كلماته وألحانه، هذه الأغنية التي حصلت على الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة وقُدّمت باسم الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون دون ذكر حسام تحسين بيك المؤلف والملحن.

ملده شويكاني