اقتصادصحيفة البعث

بسبب النزوح والتهجير الإرهابي.. الكثافة السكانية تفرض المزيد من الأعباء الاقتصادية

شكّل النزوح والتهجير بفعل الإرهاب كثافة سكانية كبيرة في المناطق الآمنة في عدد من المدن، ما أدى إلى ضغوط نفسية واجتماعية واقتصادية كبيرة على المجتمع المستضيف لهم من جهة، وعلى مدنهم التي أفرغت من الحياة حتى بعد عودة الأمان لها من جهة أخرى، ما يستدعي إعادة النظر في الخريطة الديمغرافية من جديد ودراستها بشكل حقيقي، وهو ما تعمل عليه اليوم الهيئة السورية لشؤون الأسرة، حيث أكد أكرم القش مدير الهيئة قيام فريق متخصّص يشمل باحثين ومتخصصين في هذا المجال بتقديم تقرير خلال شهر عن حالة سكان سورية لعام 2020-2021، يشير إلى أن الخلل في التوزع الديمغرافي موجود حتى قبل الأزمة، فمنذ عام 2004 لم يتمّ إجراء تعداد سكاني بسبب الحرب، الأمر الذي جعل الحديث عن معدل النمو السكاني وخلل التوازن السكاني خلال هذه الفترة صعباً مع عدم توفر بيانات وأرقام دقيقة بين أيدينا.

مساع للعودة

هيئة شؤون الأسرة لم تستطع تقديم إجابات على تساؤلاتنا، إلا في حال توفر أرقام تثبت نزوح عدد كبير أدى لخلخلة اقتصادية واجتماعية، متجاهلة المشهد العام الذي ينبئ بكارثة اقتصادية في حال لم يتمّ إيجاد حلول سريعة لإعادة المهجّرين إلى مناطقهم التي لم تعد مقبولة بالنسبة لهم بعد اعتيادهم على الرخاء والترف في المدن المستضيفة لهم، الأمر الذي أكده زكوان قريط (دكتور في كلية الاقتصاد) ببدء ظاهرة النزوح المؤقت إلى المناطق الأكثر أماناً “مدناً وأريافاً” خلال الحرب، والتي سرعان ما تحوّلت إلى هجرة شبه كاملة وبقاء النازحين في المناطق التي سكنوها وبدؤوا يعملون فيها بـ”أعمال حرة مختلفة”، ولم يعودوا إلى مناطقهم الأساسية التي تمّ تحريرها فيما بعد وعودة الأمان لها. لكن وبرأي قريط أن عودة الأمان لا تكفي وحدها لتشجيع هؤلاء على العودة، حيث ينقص هذه المناطق الكثير من البنى التحتية المطلوبة والتي تسعى الحكومة لتوفيرها لتشجيعهم على العودة، كما أن بقاء هذه الحال يؤثر سلباً على الاقتصاد، وخاصة إذا كانت متمركزة وكثيفة في مناطق وبؤر معينة وشحيحة في مناطق أخرى هي بأمسّ الحاجة لليد العاملة، حيث إن هذه الموارد البشرية تحوّلت من العمل الزراعي إلى العمل بقطاعات خدمية أحياناً وتحوّلت إلى بطالة في معظم الأحيان.

اقتصاد إنتاجي

وقدّم قريط جملة من الحلول لتشجيع النزوح بالاتجاه المعاكس لدعم الاقتصاد وخاصة القطاع الزراعي منه، وعودة توازن وانتشار اليد العاملة إلى شكلها الطبيعي عن طريق إعادة تأهيل المناطق المحرّرة من ناحية متطلبات البنى التحتية “الكهرباء والماء والطرق والمدارس..”، كذلك يساعد منح  قروض دون فوائد “بضمان الأراضي” كتلة كبيرة من اليد العاملة المعطلة على بدء مشاريع صغيرة أو متناهية الصغر إن كان في الريف أو المدينة، ولابدّ من إعادة النظر بتصميم خارطة استثمارية جديدة شاملة موزعة توزعاً منطقياً وعلمياً: (التوسع بإقامة مدن صناعية جديدة وإقامة تجمعات زراعية لمناطق معينة..)، وإصدار قانون للاستثمار يكون مناسباً لفترة إعادة الإعمار مركزاً على تشجيع الزراعة، ما يساعد في النتيجة على دفع عجلة الاقتصاد وتحوّله من اقتصاد استهلاكي إلى اقتصاد إنتاجي.

إرباك للاقتصاد

أكبر قضايا النزوح هي تلك التكاليف التي لا يمكن رصدها، فهناك دخول لأبناء النازحين إلى المدارس والجهاز التعليمي، إذ أتوا من بيئات وعادات وتقاليد مختلفة سبّبوا فيها إرباكاً للمجتمع الذي استضافهم، ما أدى لانحرافات (ثقافة وتعليم وأخلاقيات التعامل) حسنة أو غير حسنة، كما أفرزت تكاليف غير متاح لنا حصرها لأنها تتعلق بالمستقبل.

ويرى محمد كوسا (خبير اقتصادي) أن استقرار هذه الفئة في المناطق التي نزحوا إليها خلال الحرب أدى إلى إرباك الاقتصاد أيضاً، خاصة وأنهم تركوا في مناطقهم ممتلكاتهم وأراضي أهملت ومشاريع كانت قائمة وباتت اليوم معطلة لنقص اليد العاملة، هذه اليد التي تأقلمت مع واقعها الجغرافي، وبالتالي أي عودة للإنتاج في تلك المناطق لا يمكن استبدالها بسهولة بأفراد آخرين، لأن طبيعة النشاط الاقتصادي تقتضي مواصفات ومهارات معينة، ناهيك عن أن المجتمع المضيف أصبح يغصّ بالأفراد ذوي المهارات المتدنية، إمّا لعدم اكتساب معارف لطبيعة النشاط القائم في هذا المجتمع، أو بالأصل هم من ذوي المهارات المتدنية، ما يؤدي لزيادة في البطالة لهذه الفئة في المجتمع المضيف، كما يؤدي لانخفاض الأجور أو ثمن قوة العمل لهذه الفئة، وبالتالي الانقياد إلى فقر أشد بينهم وصولاً إلى فجوة في تفاوت الدخول في المجتمع المضيف. وأشار كوسا إلى السلبيات التي تركها استقرار هذه الفئات من انخفاض مستوى الرفاهية الاجتماعية والرعاية الصحية، وانخفاض مستوى تقديم الخدمات العامة، وزيادة الأعباء الحكومية نتيجة زيادة الطلب على الموارد والطاقة، وارتفاع الإيجارات وأسعار العقارات والطلب على الغذاء، وبالتالي ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية، مما يوصلنا لنتيجة أن هؤلاء النازحين هم عبء على الاقتصاد وأصبحوا عائقاً للنمو الاقتصادي وسبباً في ارتفاع الأسعار، أي أن هناك تبعات اقتصادية ومالية يمكن اكتشافها في المستقبل.

فرض ضرائب

الأمر بات يتطلّب اليوم متابعة حثيثة وإجراءات صارمة من قبل مختلف الوزارات، وخاصة وزارة التربية التي تستطيع نقل أوراق نازحي تلك المناطق إلى مدارسهم الأساسية، والهدف الأساسي من هذه العملية عودة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والإنتاجية لتلك المناطق بعد أن عادت شرايين النقل إليها، وسخّرت الدولة إمكانات مادية هائلة لتجهيزها بالخدمات كي يعود إليها الأهالي المنتجون، بما يحقّق عائداً اقتصادياً كالسابق، وفي هذا السياق يشير كوسا إلى أهمية تشجيع الاستثمار في المناطق الشرقية، وخاصة في مجال الزراعة بما يتناسب مع الطرح الجديد للحكومة بالاعتماد على الزراعة. لذا يجب العمل سريعاً على عودتهم إلى المناطق الشرقية حتى يكونوا العنصر الحافز في نهوض الزراعة، خاصة وأن الاستثمارات في هذا المجال تحتاج لكثافة يد عاملة، كذلك يجب وضع قيود على البلديات من ناحية عدم الإمكانية لهذه الفئات باستئجار عقارات، إضافة إلى ضرورة التصريح عن الأموال التي تأتيهم وتقديم بيانات مالية للأموال المنقولة وغير المنقولة للمالية، فالمواطن يدفع ضريبة على راتبه وهذه الشريحة تأتيها معونات من جميع النواحي، لذا يفترض أن يساهموا في الضرائب أيضاً أسوة بباقي المواطنين.

ميس بركات