دراساتصحيفة البعث

بايدن والسياسات الهادئة مع الصين

محمد نادر العمري

أدّى الرئيس المنتخب جو بايدن، اليمين الدستورية وأصبح الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، ومن الواضح أن حزب بايدن الديمقراطي لا يتفق بشأن العديد من القضايا مع الحزب الجمهوري المعارض، ولكن الحزبين الكبيرين اتفقا على اعتبار الصين هي أكبر تهديد للأمن القومي الأميركي، ومن شأن سياسات بايدن إزاء الصين أن تختلف عن سياسات باراك أوباما أو سياسات دونالد ترامب تجاه التنين الصاعد، فقد كان أوباما يرغب في إيلاء مزيد من الاهتمام للصين وقارة آسيا، وهذا ما عبّر عنه في إستراتيجية الولايات المتحدة عام 2010، غير أن اندلاع شرارة ما سُمّي بـ”الربيع العربي” ثم انتشار تنظيم “داعش” الإرهابي في المنطقة وإنشاء التحالف الدولي وتوسع الدور والنفوذ الروسيين، استحوذت على اهتمام فريق أوباما الرئاسي حينذاك.

من الواضح أن بايدن وفريق إدارته الرئاسي ينظر إلى الصين باعتبارها من أبرز الأولويات والتحديات في السياسة الخارجية، غير أنها لن تصل للحرب الباردة الجديدة، إذ إن الصين ليست مشابهة للاتحاد السوفييتي، فهي منافس عسكري قوي ليس في قارة آسيا فقط بل في العالم، بالإضافة إلى أنها قوة اقتصادية كبرى، إذ تعدّ الشريك التجاري الأول للعديد من البلدان حول العالم، كما أن اقتصادها الوطني مرتبط بوسائل قوية مع العديد من اقتصادات البلدان الأخرى، بما في ذلك اقتصاد الولايات المتحدة نفسه. ومن هنا يدرك الفريق المعاون للرئيس بايدن أن إستراتيجية الحرب الباردة التقليدية المتمثلة في الاحتواء ضد الصين، وحتى انهيار نظامها الداخلي من تلقاء نفسه لن تكون مجدية، وبدلاً من ذلك، سوف يحاول إدارة اللعبة مع الصين من زاوية المنافسة والتعاون في آن معاً.

وعلى العكس من دونالد ترامب، يرغب بايدن بزيادة تأمين الدعم للبلدان الحليفة المحيطة بالصين حتى يجعل من الضغوط الأميركية الممارسة ضدها أكثر قوة وفاعلية، ومن غير المستبعد أن تقوم واشنطن بتنظيم قمة في العام المقبل بمشاركة دول مجموعة السبع الكبرى إضافة إلى الهند، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، وغيرها من البلدان للضغط على الصين، لكن بناءً على دبلوماسية جماعية هادئة تقودها إدارة البيت البيضاوي، وهو ما سيؤدي إلى أن تواجه شركات التكنولوجيا الصينية، على سبيل المثال، العقبات الكبيرة.

على الصعيد العسكري، سيحاول فريق بايدن تعزيز التحالفات التقليدية في قارة آسيا، ومن المتوقع لوزير الدفاع الأميركي الجديد أن يقوم بزيارة العواصم الآسيوية البارزة للحديث حول ملفات الاستقرار والتعاون الإقليمي، وسوف تجري القوات البحرية الأميركية مزيداً من التدريبات العسكرية المشتركة وخاصة في بحر الصين الجنوبي.

ورغم كل ذلك يدركُ فريق بايدن أنه يتعيّن على الولايات المتحدة التعاون مع الصين في القضايا ذات الاهتمام العالمي مثل البيئة والصحة، تماماً كما تريد الصين مثل هذا التعاون بشكل متساوٍ، وقد كانت الخطوة الرئيسية تتمثل في معاهدة باريس للمناخ لعام 2015، وهي الاتفاقية بشأن انبعاثات الكربون ما بين إدارة باراك أوباما والصين، وهو مادفع بايدن سريعاً للعودة والالتزام بمعاهدة باريس المناخية. وهذا ما قد يعزّز سيناريو أن تقوم الإدارة الأميركية الجديدة بالتحرك خطوة بخطوة على مسار العلاقات الثنائية الكبيرة مع الصين، دون أن تضحي واشنطن بمصالحها الحيوية وهيمنتها، عبر عقد مبادرات جديدة مع الصين في مجالات أخرى مثل التغيرات المناخية، والصحة العامة، ومكافحة الإرهاب الدولي، ولكن في الوقت نفسه لا تريد واشنطن أن تصل بدرجة ضغوطها إلى تعميق التحالف الاستراتيجي بين بكين وموسكو.