مجلة البعث الأسبوعية

قصص من الدوري الكروي الممتاز.. أزمات مركبة: ملاعب وتحكيم وأخلاق!!

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

يحمل الدوري الكروي الممتاز في كل أسبوع قصص وحكايا مثيرة، فيها الكثير من الحالات التي تتطلب الوقوف عندها طويلاً لمحاكاتها ومعالجتها أو إيجاد الحلول لها.

كل هذه الحالات تشير إلى اضطراب إداري واضطراب فني وأخطاء وعثرات صادرة عن اتحاد كرة القدم وكوادره، أو عن الأندية ولاعبيها، أو عن جهات أخرى.

الدوري الكروي بكل درجاته وفئاته كشف عورات كرتنا وكشف أخطاءنا في العمل الإداري والتنظيمي، وأعطى الدليل على ضعف الإدارة، وسوء القرار الفني في مؤسساتنا الكروية.

 

التصحر الكروي

ومن ينظر إلى كرتنا من باب ملاعبها يتأكد أنها تعيش حالة من التصحر لا تنم عن العناية بهذه الملاعب أو الاهتمام بها، وهي ركن أساسي من أركان تطور كرة القدم إن لم يكن وجودها الحقيقي فعلاً.

وفي حديثنا عن الملاعب لا يمكننا توجيه اللوم إلى المكتب التنفيذي الحالي لأنهم استلموا الملاعب على حالها التي نراها اليوم، فقضية الملاعب هي داء كرتنا ومرضها المزمن، ونحن في كل زمان ومكان لا بد لنا من الوقوف على ملاعبنا وسوء أرضيتها.

الملاعب هي نتيجة تراكمات قديمة وكل دورة رياضية كانت تحمل مشكلة الملاعب وسوءها وتنقلها إلى الدورة التالية كما هي دون أن تجد الحل المناسب، حتى صارت مشكلة الملاعب ككرة الثلج تنامت دورة بعد أخرى، ونخشى أن نصل إلى وقت نصبح فيه عاجزين عن إيجاد الحلول.

ولاشك أن الأزمة زادت من حجم المأساة في هذه الملاعب، وهذا لا ينبغي أن ينسينا أصل المشكلة، وما رأيناه في ملاعبنا بشكل عام وملعب طرطوس بشكل خاص أمر مخجل للغاية، وما رأيناه في لقاء قمة الكأس بين تشرين والجيش من أرضية يركض عليها نجوم كرتنا نأسف له، وخصوصاً أن من هم فوق الملعب أثمانهم المالية أغلى من ثمن الملعب ذاته، والعجب العجاب أن نجد فريقاً قادراً على دفع المليارات على كرة القدم ورياضتنا غير قادرة على إنشاء ملعب صالح نضاهي به ملاعب الدول القريبة منا.

وعندما ننظر إلى ملاعب العالم، نجد أغلبها جيداً وصالحاً وحضارياً مهما كانت الأجواء المناخية، سواء الباردة الممطرة أو الحارة القاحلة، وهؤلاء وجدوا الحلول العلمية الناجعة الكفيلة بإبقاء هذه الملاعب نضرة في كل فصول السنة، ونحن – على ما يبدو – لم نصل إلى هذه الحلول بعد.

لذلك نتساءل: هل نفتقد الكوادر القادرة على زراعة الملاعب ضمن هذه الشروط العالمية؟، وهل نفتقد الصيانة اللازمة لبقاء الملاعب نضرة وجيدة وصالحة للاستعمال؟ أم أن إمكانياتنا المالية والفنية عاجزة عن تحقيق ذلك؟

ولن نخوض هنا في قضايا الفساد بما يخص الملاعب لأن ملفه كبير وموروث جيلاً بعد جيل، لكن نسأل: ألا يوجد طريقة لتنفيذ ملعب واحد في المحافظات الرئيسية التي تضم زحمة فرق الدوري الممتاز، كدمشق وحلب وحماة واللاذقية وحمص على الأقل؟ ولو فتحت الأجواء الخارجية أمام كرتنا، ورفعت العقوبات، فبأي ملعب سنستقبل الفرق والمنتخبات الزائرة؟

أزمة الملاعب هذه ليست من اختصاص اتحاد كرة القدم، ولا علاقة له بها، لكن عليه التحرك الإيجابي من أجلها، فوجود الملاعب يعني وجود اتحاد كرة القدم وبدون الملاعب لا حاجة لوجوده أصلاً.

 

نفور متعمّد

القضية الحساسة والمهمة – والتي لا بد من تسليط الضوء عليها – هي مسألة التحكيم الكروي التي باتت قصة كل مباراة وتحولت إلى معضلة كبيرة لدرجة إلى أن اهتمام الجمهور بات منصباً على الحكم وقراراته، وبالتالي هو متابع له بكل حركاته وصافراته أكثر من متابعة أي لاعب، والجميع ينتظر أي هفوة في المباراة ليلوم الحكم وليحمله مسؤولية كل شيء، متناسياً أخطاء الفريق والمدرب وغيرها من الأمور، ولو أن الأمر مقتصر على لوم الحكم لهان الأمر، لكنه تعدى إلى حالات الشتم والذم والقدح ومحاولة الاعتداء، وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلاً. والموضوع هنا ينقسم إلى قسمين:

قسم فني مسؤول عنه لجنة الحكام في اتحاد كرة القدم فهي معنية بتطوير العملية التحكيمية ودعم الحكام وتحسين واقعهم من كل الجوانب، وفي هذا الأمر نجد أن لجنة الحكام الحالية، ومن سبقها من لجان على مدى عقدين من الزمن، على الأقل، فشلت في تقويم الحالة التحكيمية؛ والحكام الناجحون في بلدنا هم طفرات ووصلوا إلى ما وصلوا إليه بجهود ذاتية لأنهم بالأصل مواهب، لكنهم بكل الأحوال احتاجوا إلى من يدعمهم، فأي حكم لا يحصل على داعم مؤثر لن يستمر في تألقه ونجاحه ولن يمنح الفرص الحقيقية، وكم من حكم خبا بريقه لأنه لم يصل إلى هذه الحالة من الدعم، لذلك من أخطاء كل اللجان التحكيمية أنها تتعامل مع الحكام حسب الدعم بغض النظر عن الموهبة والكفاءة، ولا يعنينا كم عدد الحكام بقدر ما يعنينا كم حكم مؤهل لقيادة المباريات بحرفية وشطارة!!

القسم الثاني معنوي، فالجميع بات ينظر إلى الحكام بضبابية واتهام، وغريزة القطيع صارت في الملاعب تحكم الأهواء، وعندما نجد شخصاً ينبري في المدرجات يشتم الحكم نجد الجميع يتبعه على غير هدى!!

والسبب في ذلك الضخ الإعلامي من بعض مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بعض الإعلام الذي ينحاز لفريقه مهما كانت الظروف والملابسات والحقائق، لذلك خرجنا بنتيجة أن القرار التحكيمي غير مقبول مهما كان شكله، وهذا الموضوع عُممّ للأسف على كل ملاعبنا ولا فرق هنا في ملعب بالدرجة الممتازة أو غيره من الدرجات والفئات، فالنفور من التحكيم صار متعمداً وربما الغايات مقصودة في بعض الأحيان، وقد تكون ناجمة عن خلافات شخصية داخل الاتحاد أو داخل لجنة الحكام أو من خارجهما، والحلول هنا من مسؤولية الجميع فليست جهة واحدة هي مسؤولة عما يحدث سواء على أرض الملعب أو على المدرجات، وعلى الحكام ولجنتهم مسؤولية كبيرة من خلال توخي الدقة في اتخاذ القرار ورفع المستوى وتعيين الحكم المناسب للمباراة المناسبة.

ومسؤولية الأندية تكمن بتوعية الجماهير ومحاسبة أصحاب المواقع التي تبث الفتن وتطال الرياضة ورجالاتها وكوادرها بالتعاون مع الجهات المعنية، هذا التعاون من الجميع قد ينهي المشكلة بشكلها “البشع”، رغم قناعتنا أن الأخطاء ملح كرة القدم، فمن المستحيل أن تُمحى هذه الأخطاء من ملاعبنا ولكن لابد من التكاتف بين الجميع لأن الشغب بات أمر لا يحتمل وما سيجره علينا سيكون أكثر ظلماً من أي قرار تحكيمي خاطئ.

 

أزمة أخلاق

في كل مفاصل الرياضة، هناك أزمة أخلاق تتعلق بالنفوس المريضة، وما زلنا نسمع ونرى الكثير من المفارقات العجيبة في كل مفاصل الرياضة عموماً، وكرة القدم على وجه الخصوص، ولماذا كرة القدم؟ لأنها العشق الجماهيري ولأنها تحظى باهتمام ومتابعة الكبير والصغير.

أزمة أخلاق نجدها في بعض الاتحادات الرياضية عندما يستولي رئيس الاتحاد على القرار والمال وكل شيء، ويهمش كل أعضاء اتحاده وكأنهم “أذنة” في هذا الاتحاد، ويقدم نفسه على أنه كبير ويتمتع بحصانة فلا أحد يقوى على سؤاله، أو يسأله: من أين لك هذا؟ أو أين ذهبت أموال الاتحاد؟

والكلام نفسه ينطبق على العديد من الأندية عندما يصبح رئيس النادي عالماً وخبيراً على حساب أصحاب الخبرة والكفاءة، فترى في هذه الأندية العجب العجاب، فالكثير من المتنفذين بالأندية يضع نفسه بمقام الآمر الناهي، وهو المدرب والإداري والمعالج والداعم، لذلك نجد المشاكل تعصف في هذه الأندية، ونجدها تسير عكس التيار، والنتيجة الحتمية التي نصل إليها أن النادي أهدر المال دون طائل ولم يحقق أقل النتائج المرجوة.

وأزمة الأخلاق تكمن بالتهرب الضريبي، فأغلب عقود اللاعبين مسجلة برقم غير الرقم الحقيقي لتقل النسبة المفروضة للدفع، وعند الخصام تفتح الأوراق، وتظهر الحقائق المخجلة.

أما داخل الفرق فهناك مشاكل خفية كثيرة في أغلب الأندية، فإذا تأخر النادي عن دفع مستحقات اللاعبين تململوا، ويصل الأمر أحياناً إلى التكاسل في المباريات كنوع من أنواع الضغط على الإدارة، والأسوأ عندما تتفق زمرة من اللاعبين ضد مدرب الفريق، لنجد أن الفريق لا يقدم المطلوب، فيخسر ويخسر حتى يتم تغيير المدرب على مزاج اللاعبين، ودوماً القاعدة معروفة في كرة القدم: “تغيير المدرب أهون من تغيير فريق بأكمله”!!

وفي بعض الأحيان التي تستعمل الأندية الحكمة بالتعامل مع لاعبيها، يبدأ الردع بالإنذار، ثم بالخصم المالي، وصولاً إلى التوقيف، وآخر المطاف فسخ العقد.

مشكلة أغلب الأندية أن عقودها مع لاعبيها قاصرة، وهناك الكثير من التفاصيل الضرورية لا تذكر في العقد، فيصبح الحق مع اللاعب، كما يحدث الآن على سبيل المثال مع لاعب الحرية سامر السالم. فالسالم من وجهة النظر العامة خرج عن الروح الرياضية، وطلب شارة الكابتن قبل لقاء فريقه مع الساحل، لكن للمدرب وجهة نظر أخرى في هذا الموضوع، فهناك من هو أولى منه بقيادة الفريق، فحمل الشارة ليست مهمة شرفية لأنها تتطلب مواصفات معينة، المهم أن اللاعب رفض المشاركة في المباراة، وربما الزوبعة التي اختلقها في المباراة كانت أحد أسباب هزيمة الفريق في المباراة.

الإدارة كتصرف طبيعي قررت إيقاف اللاعب وفسخ عقده، وللأسف وجدت مواد وبنوداً لا تخول الإدارة فسخ العقد دون دفع تعويضات للاعب بالملايين، والجدال ما زال قائماً.

القصة لم تنته عند هذا الحد، فالحارس الأساسي شقيق اللاعب الموقوف تضامن معه و”حرد”، ولم يحضر التمارين وغاب عن المباريات، وبلغة دقيقة اللاعبان مؤثران بالفريق وهما بتصرفهما يحاولان لي ذراع النادي.. أليست هذه أزمة أخلاق؟

ما يحدث في نادي الوحدة من اضطراب فني واستقالة المدرب والعودة عنها، ثم استقالة أخرى والتراجع عنها وعقوبات لاعبين، وغير ذلك من الشبهات يأتي نتيجة أزمة أخلاق أكثر ما تكون أزمة إدارية أو فنية، فالعابثون بالنادي كثر، وكل الطرق المتبعة لا تصل بالنادي إلى شاطئ الأمان.

وفي المؤسسات الرياضية أزمة من نوع آخر تتعلق بالتعامل مع وسائل الإعلام، وفي الكثير من الأحيان لا يرحبون بالصحفي الناقد، فلا يستقبلونه ولا يردون على اتصالاته، وترحيبهم يقتصر على من ينافق ويطبل ويصفق لهم.. أليست هذه أزمة أخلاق؟ وكيف نصدق بعدها مقولة الشراكة الإستراتيجية بين الإعلام والرياضة؟