مجلة البعث الأسبوعية

لماذا تظهر “التنظيم” مرة أخرى وماذا يفعل الجنود الأمريكيون في قلب البادية السورية؟ “التنف” قاعدة محتلة لتسهيل العدوان الإسرائيلي ومنصة انطلاق لهجمات” داعش”!!

“البعث الأسبوعية” ــ تقارير

أسئلة كثيرة لا تزال تحتاج إلى إجابة حول قاعدة “التنف” التي أنشأتها قوات الاحتلال الأمريكية في البادية: لماذا تعتبر التنف مهمة جداً بالنسبة للولايات المتحدة؟ وماذا يفعل الجنود الأمريكيون هناك؟ وهل هناك آخرون غيرهم يوفر لهم الجيب الصحرواي الملاذ والمأوى؟ ولماذا تظهر داعش مرة أخرى؟ وهل التنف عملياً منصة انطلاق لهجمات داعش في المنطقة؟

تقع قاعدة التنف الأمريكية في جيب التنف، على بعد حوالي 20 كم من معبر التنف الحدودي مع العراق. وتمتد المنطقة، بمسافة 55 كم، على طول الحدود السورية مع العراق والأردن، وتقطع الطريق السريع بين بغداد ودمشق. ومن خلال السيطرة على هذا الطريق، تعمل الولايات المتحدة على وقف حركة النقل البري للبضائع والركاب بين كل من العراق وإيران إلى سورية، وهو ما ينطوي على “أهمية إستراتيجية عالية” بالنسبة للقوات الأمريكية المحتلة التي ترى أن من الأسهل اعتراض عمليات النقل الجوية، وأن عمليات النقل الجوي تشكل هدفاً سهلاً للاعتداءات الجوية الإسرائيلية.

وتستخدم قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة التنف كنقطة دخول لشن عمليات في سورية، ويمكن الوصول إلى القاعدة بسهولة انطلاقاً من كل من العراق والأردن. ولكن الحقيقة هي أن الجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة تستخدم منطقة التنف ملاذاً آمناً وموطئ قدم لشن هجمات على المناطق التي يسيطر عليها الجش العربي السوري والقوات الحليفة والرديفة في منطقة البوكمال. تمت حماية هذه “القاعدة الخلفية لداعش” بشكل نشط من قبل القوات المتمركزة في التنف، والتي تهدد أي انتشار للجيش العربي السوري والقوات الحليفة بالقرب من منطقة التنف. وكان التبرير الرسمي الذي قدمته الولايات المتحدة حول هذه الإجراءات هو أن الجيش العربي السوري، وكذلك المجموعات الحليفة والرديفة، “تشكل تهديداً” للجماعات المتمردة “الأقل تطرفاً” التي تدعمها الولايات المتحدة والقوات الأمريكية المنتشرة في القاعدة.

 

نفط.. فوضى.. رافعة إرهابية

على الرغم من أن إدارة ترامب كانت زعمت أنها تريد سحب القوات من سورية وإعلان النصر على “داعش” إلا أن هناك العديد من المزاعم حول سبب تواجد وطبيعة أنشطة الجنود الأمريكيين المتواجدين في التنف. وأحد هذه الأسباب هو وجود جماعات تدعمها الولايات المتحدة، وتكتفي بوصفها بـ “متمردة” مثل “مغاوير الثورة”.

وفقاً لتقرير المفتش العام لقوة المهام المشتركة، الصادر في 4 آب 2020، يريد مسؤولو “عملية الحل المتأصل” مضاعفة حجم القوات التي تعمل كمرتزقة لدى واشنطن في سورية، والانتهاء من تدريب وحدة “حرس حقول النفط” يبلغ قوامها 2200 رجل هناك.

ويرجح التقرير نفسه أن تنتج القوات “المدعومة” من الولايات المتحدة، أو ما يسمى “قوات الحماية الديموقراطية”، ما لا يقل عن 30 ألف برميل من النفط يومياً، وقد حققت ما يقرب من 3 ملايين دولار يومياً من العائدات، حتى الانهيار الأخير للأسعار. وعلى الرغم من أن عملاء قسد المدعومين من الولايات المتحدة قد “عززوا” وجودها الأمني ​​بالقرب من حقول النفط والغاز الرئيسية في شمال شرق سورية، إلا أنهم “يتموضعون في مواقع مشتركة مع قوات التحالف الغربي التي لا يزال قادة ميليشيا “قوات سورية الديمقراطية” يعتمدون عليها، ما يذكرنا بتعاون شركة نفط أمريكية مشبوهة مع ميليشيا “قوات سورية الديمقراطية” نفسها لتكرير وبيع النفط السوري المسروق. وتحتل هذه الميليشيات التي يقودها أكراد متطرفون من حزب لعمال الكردستاني جزءاً كبيراً من حقول القمح في الشمال ومعظم حقول النفط في الشرق، وبالتالي فهي تهدد الاقتصاد السوري بشكل فعال.

والسبب الآخر الذي قد تتذرع به الإدارة الأمريكية هو “الأسباب الإنسانية” حيث يعيش 10 آلاف لاجئ وبدوي داخل منطقة عدم الاقتتال، التي يتسلل إليها تنظيم داعش بكثافة، وتشكل منصة انطلاق لهجمات التنظيم على المواقع الحكومية السورية. ويدعي المسؤولون الأمريكيون إن التخلي عن هؤلاء اللاجئين وتركهم وراءهم قد يعرضهم للخطر، لذلك يجب عليهم البقاء.

وقد أقر الجنرال جوزيف فوتيل، القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، بالأهمية الاستراتيجية للقاعدة في مواجهة ما وصفه بـ “التمدد” الإيراني في الشرق الأوسط. كما صرح مسؤولون امريكيون بأن وجودهم في التنف يمكن أن يشكل قوة ضغط في “المفاوضات حول نتيجة الصراع في سورية.”

 

إطلاق أسرى داعش.. وعملاء SAS البريطانية

تتم استضافة المجموعات الإرهابية المنضوية فيما يسمى “جيش المغاوير الثوري”، أو “مغاوير الثورة”، في جيب التنف، وتصنفها الإدارة الأمريكية من بين التنظيمات “الأقل تطرفاً”، حيث يتم تدريبهم من قبل جنود أمريكيين للقتال في عمليات “ضد داعش”. ومع ذلك، أكد فارون من المجموعة أن “قوات الولايات المتحدة في قاعدة التنف باعت أسلحة لداعش في سورية، وهي تستخدم التنظيم لعرقلة عمليات الجيش العربي السوري، والقوات الحليفة والرديفة في المنطقة.

وذكرت مجموعة أخرى من المنشقين عن “مغاوير الثورة” أن “مدربين أمريكيين دربوهم على القيام بأعمال تخريب البنية التحتية للنفط والنقل، وكذلك لأعمال إرهابية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية”. وبالإضافة إلى الجماعات العميلة المدعومة من الولايات المتحدة، هناك أيضاً “مقاتلون” سابقون من داعش تتم استضافتهم في جيب التنف. وعلى الرغم من أن القوات الأمريكية تتكتم على تسلل إرهابيي داعش إلى أوساط اللاجئين هناك، إلا أن العديد من التقارير تشير إلى أن سجناء داعش الذين أطلقت زعامات الميليشيات الانفصالية في عين عيسى سراحهم قد نُقلوا على نطاق واسع إلى القاعدة العسكرية الأمريكية.

كما تستضيف قاعدة التنف قوات غربية، حيث تعمل القوات الخاصة البريطانية SAS جنباً إلى جنب مع القوات الأمريكية و”المتمردين” السوريين منذ عام 2016، في عمليات سرية بعيداً عن الأنظار. وقد بدأت العمليات السرية البريطانية في سورية في وقت مبكر من عام 2011، عندما كان البريطانيون يساعدون “المتمردين” السوريين الأوائل، ويقيمون احتياجاتهم للإطاحة بـ “النظام” في سورية. بدأت SAS تدرب الإرهابيين الذين يقاتلون الجيش العربي السوري من قواعد في الأردن، في عام 2012. وفي الوقت نفسه، بدأت القوات الخاصة أيضاً “بالتسلل إلى سورية في مهام محددة”، لا يهمها كون “المتمردين” الذين تدعمهم على صلة قوية بداعش. وكان ما يسمى “الجيش السوري الحر” المدعوم في العملية البريطانية متحالفاً فعلياً مع تنظيم الدولة الإسلامية حتى نهاية عام 2013، وكان يتعاون معه في الميدان حتى عام 2014، على الرغم من التوترات بين الجماعتين الإرهابيتين. وقال زعيم داعش أبو أثير، في عام 2013 بعد أن اشترى أسلحة من الجيش السوري الحر: “لدينا علاقات جيدة مع إخواننا في الجيش السوري الحر”.

في عام 2015، بدأت التقارير تظهر مقاتلي SAS، وهم يرتدون زي مقاتلي داعش ويلوحون بالراية السوداء، بينما يواصلون في الوقت نفسه العمليات ضد الجيش العربي السوري. وتظهر تقارير أخرى أن SAS كانت تتدرب وتقاتل بنشاط إلى جانب ميليشيات “سورية الديمقراطية” التي يقودها إرهابيو حزب العمال الكردستاني. واصلت SAS العمل على الأرض في سورية في العام 2019، ويُقال إن عددها لا يقل عن 120 جندياً، حيث تم الإعلان عن وحدة إلكترونية جديدة تم إنشاؤها لمواجهة تكنولوجيا القتال الروسية والصينية و”تعقب ما تبقى من قادة داعش”. وخلال السنة الماضية، 2020، واصلت SAS عملياتها السرية” في سورية، كما قاتلت إلى جانب قوات سورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد وكانوا يرتدون الزي التقليدي الكردي خلال عملياتهم في المنطقة. كما تشير تقارير وسائل الإعلام البريطانية إلى أنه سيتم نشر القوات أيضاً لإعاقة الأنشطة السرية لروسيا وإيران، وتتمركز SAS في الأردن والتنف.

 

لماذا ينمو داعش مرة أخرى؟

ازدادت الهجمات التي يتبناها “تنظيم الدولة الإسلامية” في كل من العراق وسورية بشكل كبير في العام 2020، ما يدل على قدرة واستعداد تنظيم الدولة الإسلامية لمواصلة الهجمات واستعادة الأراضي، والدعم في المنطقة والموارد. قاد تنظيم “الدولة الإسلامية” ضربات مستمرة من الاغتيالات والكمائن والتفجيرات في شرق سورية عام 2020، وهو مسؤول عن اختطاف وقتل عشرات المدنيين. وبحلول آب، تم الإبلاغ عن 126 هجمة من قبل “تنظيم الدولة الإسلامية” في جميع أنحاء سورية لعام 2020، مقارنة بـ 144 في عام 2019 بأكمله. ويمكن تلمس أسباب عودة تنظيم الدولة الإسلامية في سورية في سلسلة من عدة مواقف معقدة، فقد أفرجت الميليشيات الانفصالية عن أكثر من 600 من إرهابيي داعش و15000 من أنصار داعش من مخيم الهول. بالإضافة إلى ذلك، هرب 785 من مقاتلي التنظيم من عين عيسى أثناء القصف التركي، وهرب حوالي 100 من إرهابيي داعش المتشددين من سجون الميليشيات العميلة.

سبب آخر لتنامي فرصة داعش هو التوترات المشتعلة بين “قوات سورية الديمقراطية” وأبناء العشائر السورية في دير الزور، بعد اغتيال العديد من زعماء القبائل العربية القوية. أخيراً، وعلى الرغم من إعلان الانتصار على داعش في عام 2019، بعد استعادة آخر معقل لها في معركة الباغوز، يبدو أن هجمات داعش قد ارتفعت من حيث العدد، وتُظهر الخرائط والرسوم البيانية الموقع الدقيق لهجمات داعش، وكيف انتقل توضع الهجمات فجأة من محور التنف / البوكمال إلى محور دير الزور عقيربات (معقل داعش الذي حرره الجيش العربي السوري عام 2017)، في العام الماضي، بالإضافة إلى تكثيفها بأعداد كبيرة. ومن المثير للاهتمام أن هجمات داعش تركز على المناطق التي استعادها الجيش العربي السوري، والتي تمتد بعمق في الأراضي التي تسيطر عليها الدولة السورية. وتركز هجمات داعش الأخرى على القوات الحليفة للجيش من البوكمال إلى دير الزور. ويبدو أن هذه الهجمات تستهدف زعماء القبائل الذين يعارضون صفقة النفط بين “قوات سورية الديمقراطية” والولايات المتحدة.

 

هل التنف حقا منصة انطلاق لهجمات داعش في المنطقة؟

ذكرت جهات عديدة أن قاعدة التنف المثيرة للجدل كانت منصة انطلاق لهجمات داعش في المنطقة. ويبدو أن جميع الأطراف متفقة على أن الهجمات المشبوهة – التي ارتكبتها داعش – انطلقت من جيب التنف.

ويستضيف جيب التنف لاجئين ومليشيات مرتبطة بداعش، مثل “مغاوير الثورة” الذين تعاونوا مع التنظيم، ويستخدمون نفس أسلوب العمل، ولا تزال هذه المجموعات تتلقى تدريبات من قبل الجنود الأمريكيين حتى اليوم.

كما لا يمكن إنكار أن مقاتلي داعش الفارين أو المفرج عنهم ربما عادوا للانضمام إلى التنظيم. وغالباً ما يعود التكفيريون المفرج عنهم إلى داعش أو الجماعات المماثلة.

ولا تزال القوات الخاصة البريطانية تعمل في المنطقة، وتتمركز في الأردن والتنف، حيث تنطلق عملياتها. ولا يُعرف سوى القليل عن أنشطتها في سورية، حيث أن قوات العمليات الخاصة البريطانية معفاة من قوانين حرية المعلومات وتعمل بموجب سياسة صارمة (“لا تعليق!”)، وتحيط نشاطاتها الإجرامية بجدار من السرية الكاملة.

خلاصة

تشير تصريحات الفارين من التنف، إضافة إلى تصرحات المسؤولين الروس والمسؤولين في الحكومة السورية، وتقارير أخرى إعلامية ودولية، إلى الاتجاه نفسه؛ وهو أن قاعدة التنف أصبحت منصة انطلاق للأنشطة المشبوهة في المنطقة. وأن فصائل داعش التي ترعاها الولايات المتحدة، أو الجماعات المتمردة المدعومة من الولايات المتحدة، أو القوات الخاصة السرية البريطانية، مسؤولة عن الهجمات وتقف وراء تجدد إرهاب داعش.

وإثبات هذه الحقائق أو تمييز الفاعل الحقيقي صعب للغاية، لكن كل الأدلة تشير إلى التنف. وحتى إذا تم إثبات الاتهامات، فسوف تظل غير مسموعة أمام طغيان الماكينة الإعلامية الأطلسية. ومع ذلك، عند الجدل حول هذا التهديد المتزايد، يجب على المرء أن يأخذ الإجراءات العسكرية الأمريكية السابقة في الشرق الأوسط في الاعتبار. فللولايات المتحدة تاريخ طويل من الإرهاب الذي ترعاه الدولة، ومن التعاون مع الجماعات الإرهابية والتكفيرية المتطرفة. وغالباً ما يتم إثبات هذه العمليات بعد سنوات فقط.

أخيراً، ليس من المستغرب أن نسمع فجأة، وبعد فترة وجيزة من تنصيب جو بايدن كرئيس للولايات المتحدة، أن سورية عادت إلى مرمى تسديد الولايات المتحدة، فالفريق الذي اعتاد تقديم المشورة لترامب بشأن سياسته في الشرق الأوسط قد عاد جميعاً، وربما حصل أيضاً على أموال أكبر لدورة الأربع سنوات القادمة.