مجلة البعث الأسبوعية

استثمارات شوهت المدن الرياضية والأندية.. ومستثمرون متمرسون بالتحايل على الأنظمة واستغلال العقود لمصلحتهم!

“البعث الأسبوعية” ــ عماد درويش

يلعب الاستثمار دوراً مهماً وحيوياً في تطور الأندية الرياضية، وهو واحد من أهم العمليات الاقتصادية ذات الفوائد الكبيرة والمتعددة، وذات المردود الإيجابي نحو بناء استراتيجية اقتصادية مستقبلية ترتكز عليها الأجيال، حيث تغير مفهوم الاستثمار في الرياضة في السنوات الأخيرة، بعد أن تحول إلى قطاع اقتصادي مستقبلي رئيسي يمكنه المساهمة في ازدهار الأندية من الناحية الاقتصادية عن طريق تطوير الإنسان والمنشآت.

ويعد الاستثمار في المجال الرياضي بصفة عامة، وفي المنشآت الرياضية بصفة خاصة، من أكثر الاستثمارات ربحية في الدول إذا تم استيعاب المعنى الحقيقي للاستثمار لأنها تعد أرضاً خصبة لمختلف مجالات الاستثمار لما له من أهمية مزدوجة في فوائده وعائداته نحو العمران والتطور والرقي بخدمات الاتحادات والأندية الرياضية.

 

قلة خبرة

لا يزال واقع الاستثمارات الرياضية رغم أهميته الكبرى يعيش حالة من الإهمال والتقصير وقلة الخبرة أحياناً من قبل القائمين عليه رغم أهميته التي تسهم في تحريك عجلة الحركة الرياضية بالعموم نظراً لتوفيرها كماً لا بأس به من المال اللازم في الحركة الرياضية، في ضوء الحالة الاقتصادية الصعبة التي أثرت بشكل أو بأخر على الواقع المعيشي عموماً والرياضي خصوصاً،

فواقع أنديتنا الرياضية يشير إلى أنه ليس لديها مقومات عديدة للاستثمار والتمويل الذاتي؛ والمطلوب إعداد استراتيجية شاملة واضحة المعالم خاصة بتوفير الإحصاءات اللازمة ودراسات الجدوى، وفتح باب التنافس في مجال الاستثمار بعيداً عن التعصب الرياضي وتوفير النواحي القانونية لتشجيع الاستثمار في المنشآت الرياضية في الأراضي المخصصة لهذه الأندية. ولا بد لنا من القناعة التامة بأن ما تعانيه الأندية الرياضية هو نقص الإيرادات المالية الذاتية، كما أنها تحتاج إلى مصادر متنوعة للتمويل واستثمار ما لدى الأندية من مقومات.

 

قوانين غير واضحة

وفي هذا السياق، نجد أن مناخ الاستثمار السياحي والاقتصادي في المنشآت الرياضية هو مناخ واعد وغني بالمطارح الاستثمارية التي يجد فيها المستثمر التنوع في مجال الاستثمار الرياضي والسياحي وحتى الاقتصادي؛ فالاستثمار في القطاع الرياضي يكتسب أهمية كبيرة، لذلك نجد معظم المستثمرين يتهافتون على هذا القطاع دون أن يستثنوا شيئاً، فكل ما يوجد في الرياضة مادة خام للاستثمار من المنشآت والملاعب والصالات والمسابح والأندية وموجوداتها، حتى أن الاستثمار وصل إلى بعض الألعاب التي لها شعبية فوجدت ضالتها فيها كمادة استثمارية رابحة تدر الأموال الكثيرة على أصحاب الشركات التي تتبنى الأنشطة الرياضية وخاصة كرة القدم والسلة وغيرها من الألعاب، خاصة وأن مواقع الاستثمار الرياضي لها أهمية كبيرة إلى درجة نجد أن العديد من المستثمرين، أشخاصاً أم شركات، يسارعون إلى هذه المطارح، لاسيما تلك التي لها رمز رياضي ويتمتع بشعبية واسعة. ورغم هذا الإقبال، لا يخلو الأمر من خوف من الاستثمار في هذه المطارح كون القوانين والأنظمة غير واضحة المعالم في هذا الموضوع، ولم تحدد من المسؤول عن الاستثمار في هذه المنشآت.

 

استثمارات غير صحيحة

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن المكتب التنفيذي الحالي، وبالتحديد مكتب الاستثمار، وجد نفسه في دائرة مغلقة من الصعب الخروج منها، وخاصة أنه وجد معظم الاستثمارات السابقة غير صحيحة ومخالفة في بعض الشروط، وفي البعض الآخر هناك غبن شديد، ولم يكن أكثرها سليماً، وذلك يعود لعدة أسباب، منها الإهمال والتقصير وقلة الخبرة بين القائمين على إدارات الأندية أو الفروع أو حتى في مكتب الاستثمار السابق، وهذا ما سمح للعديد من المستثمرين – أو أكثرهم – من ضعاف النفوس والمتمرسين في مسألة التحايل على الأنظمة، باستغلال الوضع وتحويل العقود لمصلحتهم، وصولاً في بعض الأحيان لدرجة الإجحاف بحق الأندية بشكل خاص، والمنظمة بشكل عام، أو أن البعض يعمل بعقلية خاطئة نتجت عنها تصرفات خاطئة أضرت بالاستثمارات.

هذا الأمر دفع القيادة الرياضية الجديدة، وبعد توجيه من الحكومة، بإعادة دراسة الاستثمارات الرياضية ورفع بدلات معظم الاستثمارات الموجودة سابقا بنسبة 40% على العقود القديمة لزيادة مدخول الاتحاد الرياضي وتوفير السيولة المالية الضرورية لتعويض الفارق الاقتصادي الحاصل من تضخم سعر صرف العملات الأجنبية في مواجهة الليرة السورية.

 

مبالغ مضحكة

ونظراً للظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها العالم نتيجة جائحة كورونا والتأثير الكبير على الناحية الاقتصادية، بقيت خطوات الاستثمار الرياضي خجولة وفي دائرة مغلقة من الصعب الخروج منها في القريب العاجل؛ وأكبر دليل على ذلك الاستثمارات الحاصلة في عدد من الأندية، ومنها نادي النصر “للكافيه” الموجودة في مقر النادي، والتي تضخم بدل الاستثمار فيها خلبياً دون التزام المستثمر بالتزاماته العقدية، والتي أثرت على ريوع النادي إلى جانب العديد من المطارح الاستثمارية التي استثمرت بمبالغ “مضحكة”، نظراً لضآلتها، ومنها حقوق البث التلفزيوني لدوري كرة السلة للرجال والسيدات، ونادي قاسيون التي تحول الاستثمار فيه إلى القضاء ليفصل الخلاف الحاصل مع المستثمر الذي التزم لفترة وأوقف الأعمال بعدها لأسباب مجهولة!

ولعل المضحك في واقع الاستثمارات الرياضية ما يعيشه اتحاد كرة القدم الذي استقدم شركة متخصصة لتنير له الطريق وتزيد من أرقام بدلات استثماراته، ولكن دون جدوى، لأن الشركة – على ما يبدو – لا تزال تخطو خطواتها الأولى في هذا المجال، فبدل أن تفيد كرتنا في هذه المرحلة وتضخ فيها الأموال وقفت مصالحها الضيقة عائقاً أمام استثمارات دورينا، سواء بالسياسة المتبعة أو حتى من خلال علاقتها بالقائمين على اتحاد الكرة والمكتب التنفيذي من ناحية أخرى، والتي حالت دون إبرامها أي عقد استثماري لاتحاد الكرة وإدخال أي ليرة سورية واحدة حتى كتابة هذا التقرير.

 

لجنة استثمارية

لا شك أن الأهمية الملحة والضرورية للاستثمار تجعلنا نهتم بشكل كبير بكافة القطاعات والمجالات، ولكننا في بعض الأحيان نغفل عن القطاع الرياضي الذي هو حجر الأساس في بناء الشباب وجيل من الرجال يمكن الاعتماد عليهم؛ ولهذا يتوجب الإسراع في وضع آليات الاستثمار الرياضي وفي كسب استثمارات رياضية سواء في بناء المنشآت الرياضية أو إقامة المصانع الرياضية المتخصصة وغيرها. ومن جانب آخر، تحولت الرياضة من هواية ومتعة إلى صناعة تعد من أنجح المجالات للاستثمارات، فإذا لم ترتبط الرياضة بالاستثمار فعلى الرياضة السلام؛ ومن الواجب أن تدرك مجالس إدارات أنديتنا أن العمل الاستثماري الجيد هو المبني على رؤية وأهداف واضحة واستراتيجية اقتصادية محددة المعالم كي تحسن استخدام منشآتها واستثماراتها بما يعود على الأندية بالدعم المادي الكبير، ولابد من وجود بعض الأعضاء الذين لهم اختصاصات اقتصادية من بين مجالس إدارات الأندية تساعدها على وضع الاستراتيجيات ورسم الخطط المستقبلية والمشاركة في صناعة القرار الاستثماري، بالإضافة إلى تشكيل لجنة استثمارية مهمتها البحث ودراسة فرص الاستثمار الرياضي – إن وجدت – ولا يخفى بأن للجنة الأولمبية والاتحاد الرياضي العام لهما دور رئيسي في وضع السياسة الاستثمارية للرياضة، ما قد يساعد الأندية بالمبادرة لتطوير استثماراتها، إلا أن المشكلة الرئيسية التي تعاني منها أنديتنا هي عدم وضع استراتيجيات على المدى الطويل، والتركيز على تحقيق الربح السريع الوقتي، لذا يصعب على الأندية تحقيق التوازن بين التكاليف والأرباح وغالباً ما ينتج عنه العجز المالي، عكس الأندية التي قامت بإعادة هيكلة وخصخصة أنديتها على أن تصبح شركات تدار بمجالس إدارات خليطه من الرياضيين ورجال الأعمال، والسؤال هل تتبنى شركاتنا الوطنية فكرة الخصخصة الرياضية والاستثمار في أنديتنا المحلية؟

 

نقص الخبرة

وبسؤال أحد المتابعين لواقع الاستثمارات الرياضية، وتحديداً المحامي أنس شقير، أحد الوكلاء القانونين لإحدى الشركات التي شاركت مؤخراً في مزاد دوري كرة القدم (الذي تم إفشاله لعدم تحقيق الرقم السري)، أوضح قائلاً: للأسف يتغاضى البعض عن أن الاستثمار الرياضي فهو من حيث المبدأ شراكة حقيقية بين الأندية والقطاع الخاص وأن الإدارة يجب أن تعتمد سياستها عند إنشاء أي استثمار من هذا المبدأ، ومن ثم تأتي باقي الأمور وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها في هذا المجال، سواء أحكام نظام العقود والموحد الصادر بالقانون رقم 51، لعام 2004، أو باقي القوانين الأخرى. وللأسف لم يتم توظيف الاستثمارات الرياضية بالشكل الأمثل لدعم قطاع الرياضة، سواء بأنشطتها أو حتى منشآتها، وحتى الأمور القانونية التي لا يجوز الاجتهاد فيها، وبقيت النواحي الشخصية هي التي تتحكم بها لسبب أو لآخر مما سيؤثر سلباً على الاستثمارات الرياضية، عاجلاً وليس آجلاً، لأن العديد من الأشخاص الذين يتحكمون اليوم بمفاصل الاستثمارات الرياضية تنقصهم الخبرة الكافية للمضي قدماً في هذا الملف، والتعامل مع الأنظمة والقوانين أو حتى المطالبة بتطويرها لمواكبة المتغيرات الحاصلة مؤخراً.

 

تشويه المدن

من جهته، المحامي وحيد عرفات، أحد الذين وضعوا قوانين الاحتراف بكرة السلة، رأى أنه من خلال مراجعة ملف الاستثمار في الاتحاد الرياضي والأندية عبر سنوات مضت لا يمكن تقييم النتائج الإجمالية بالإيجابية، لا بل على العكس فإن بعض الاستثمارات طغت على الجانب الرياضي، وشوهت المدن الرياضية والأندية وخرجت بها عّن الغاية التي أنشئت من أجلها، ولم ترقَ بأي حال من الأحوال لسد رمق احتياجاتها، ودليل ذلك العجز الدائم في الميزانيات والاعتماد على مصادر دخل خارجية غير مستقرة ولا شفافة؛ وعند مراجعة أسباب الفشل يمكن تلخيصه ببعض النقاط ومنها غياب البيئة القانونية المرنة المطلوبة لجذب استثمارات جدية تلبي احتياجات الأندية، وعدم وجود متخصصين من أصحاب الخبرة والكفاءة في الجانب الاستثماري، سواء على مستوى الأندية أو الاتحادات أو المكتب التنفيذي، وإن وجدت هذه الكفاءات فهي محدودة جداً، وخضوع أنظمة العقود في منظمة الاتحاد الرياضي العام لنظام العقود الخاص بالجهات العامة وهذا النظام لا يلبي الطبيعة المرنة للاستثمار متعدد الأوجه في القطاع الرياضي خصوصاً أن القانون المشار إليه مبني لتلبية احتياجات الجهات الإدارية كأولوية، وتم تكييفه للاستثمار الرياضي لعدم وجود قانون أو مرسوم يحكم الاستثمارات الرياضية، والأمر الآخر هو غياب الخرائط التنظيمية لمنشآت الأندية وعدم وجود مناطق واضحة لأماكن الاستثمار فتحولت غالبيتها لعشوائيات تسببت بخفض القيمة العقارية للمنشأة ما انعكس على تدني العائد الاستثماري.