مجلة البعث الأسبوعية

الاحتراف لا يزال بعيداً.. وحال اللاعب الصعبة تفرض إعادة النظر!!

“البعث الأسبوعية” ــ محمد ديب بظت

يفرض حال الرياضيين المحليين، وخاصة ممارسي الألعاب الفردية منهم، على المعنيين في رياضتنا إعادة النظر في نظام الاحتراف فالحاجة إليه باتت أشد من أي وقت مضى قياساً بالظروف الحياتية المحيطة باللاعب، فغياب الاحتراف يعني غياب عدة أمور تساعد على خلق منظومة رياضية قوية، وما زاد من تلك الحالة هو غياب الإدارة والتخطيط، إذ أن قوة الرياضة من سلامة فكر الإدارة واستمرارية نتاجها وإمكانيتها في تحقيق الربح وإنصاف مجهودات اللاعبين والكوادر الفنية على اعتبار أن الرياضة مهنتهم وليست مجرد نشاط ترفيهي يمارسونه.

ولا بد بذلك أن يؤخذ هذا الأمر بعين الحسبان، وأن توظف القدرات والإمكانيات الإدارية لإخراج رؤية واضحة وشاملة يتبلور معها مفهوم الاحتراف وإمكانية تطبيقه على رياضتنا، ومن المهم أيضاً دراسة الاحتراف على أنه ذو صلة بأمور لها ثقلها، بيد أن قصر النظر إليها يعيق من تطور الرياضة وتقدم ممارسيها، حيث أن الاحتراف له تأثير على المستوى الفني وتطوير الأداء والاستفادة من الطاقات البشرية، ثم إن له علاقة وثيقة بمفاهيم أخرى كالتسويق الرياضي والاقتصاد الرياضي.

وإذا ما طبق قانون الاحتراف سيما على الألعاب الفردية، فإنه سيضمن للاعب حقوقه ويعطي من ممارسته الرياضية صفة المهنة، وبالتالي المردود الثابت والتحفيز المالي.. كل هذا سيخلق عند الرياضي دافعاً لإعطاء أقصى ما يملكه، ويعود ذلك بالنفع على الرياضة التي يمارسها والألقاب التي من الممكن أن يحققها تحت شعار المنتخب الوطني.

كل هذه الأجواء – لو افترضنا أن القيادة الرياضية خططت بالشكل السليم بغية تطبيقها – لسوف تؤدي إلى انتعاش الحركة التجارية الرياضية، وتكون بمثابة ملاذ للرياضي من عوادي الدهر، حيث أن تنفيذ الاحتراف سيسلط الضوء على اللاعب وإنجازاته، ويدفع الشركات نحوه، ويجنب رياضتنا حالة الركود التي تعاني منها، والحال الصعب الذي يعيشه اللاعبون، حيث أن مفهوم الاحتراف جاء نتيجة التطور الاقتصادي ونظام السوق الرياضي المبني على أسس وضوابط اقتصادية بحتة جعلت من اللاعب أداة اقتصادية قبل أن يكون رياضياً في المقام الأول.

وبالانتقال من الألعاب الفردية إلى الألعاب الجماعية، نجد أن نظام الاحتراف في لعبة كرة القدم بعيد كل البعد عن نظام الاحتراف العالمي وقواعده، أو مع ما حدده اتحاد كرة القدم الآسيوي من ضرورة وجود ملعب خاص للأندية المحترفة، وحتمية إيجاد مصدر دخل بمعزل عن الإعانات الحكومية. وفي السياق ذاته، يخضع الاحتراف في كرة القدم لكثير من العشوائية وعدم التخطيط المسبق، وهو في كثير من الأحيان لا يؤمن اللاعب أو يحفظ حقوقه كحادثة اللاعب محمد باش بيوك وعبد الله جمعة مع نادي النواعير في الموسم الماضي.

ولا نبالغ بالقول إن نظام الاحتراف المعتمد محلياً هو نظام شكلي لفظي يتخلله الكثير من الأمور التي تكون ضد مصلحة اللاعب والتطبيق الفعلي للاحتراف؛ وهذه العشوائية تنعكس على اللعبة بحد ذاتها، فلا يخفى على المتابع مدى رداءة الأداء وحالة عدم الانضباط والكثير من التجاوزات الحاصلة في لعبتي كرة القدم والسلة، فعندما تسعى إلى تنفيذ الاحتراف يجب أن يكون هناك بنية تحتية تساعد على نهوضه كتوفير ملاعب محترمة واستقرار الإدارة، إضافة إلى مرونة تفكيرها واستيعاب الحاجة إلى الاحتراف وخلق المناخ المناسب لإقامته.

الأندية نفسها ترى هذا الموضوع بصورة مشوشة، خاصة عند إبرام العقود مع اللاعبين وعدم قدرتها على ضمان استمراريتهم وكيفية التعامل معهم، إضافة إلى ضعفها النسبي في اختيار المدرب المناسب والصبر عليه، فالعقلية الاحترافية تحتاج إلى الوقت مع العمل الفعلي وضمان الحقوق، وفي ظل هذه الأجواء تبرز الحاجة للاحتراف بهدف تصحيح مسار الألعاب وضبطها وإنصاف اللاعبين، ومحاولة إيجاد التناغم مع مفاهيم الاقتصاد والاستثمار والتسويق في الرياضة.

وعلاوة على ذلك، فإن نظام شبه الاحتراف المعتمد محلياً يجعل من اللاعب يمارس دوره عن غير مسؤولية، وينقص من فكره الاحترافي الذي يعتمد على الانضباط والسوية في السلوك والالتزام بالمران واللياقة البدنية مع اتباع نظام غذائي معين؛ وفي حال خالف أياً من القواعد وجبت عليه عقوبات النادي شريطة أن يتوفر للاعب كل ما يلزمه وكافة الإمكانيات التي تدعم اللاعب المحترف، وعليه لا يمكن عزل اللاعب عن قواعد الاحتراف على اعتبار أنه مفهوم متكامل يشمل الإدارة والأندية واللاعب على حد سواء، كما لا بد من توفير الأساسيات التي ستبنى عليها قواعد الاحتراف، كإيجاد ملاعب مناسبة وتطوير المدن الرياضية المتواجدة وتأمين مستلزماتها، وعدم الوقوف على موضوع العوائق المتكرر، فمهمة الإدارة بالأساس تخطي الصعوبات لا الوقوف عندها والعمل بما تقتضيه الظروف.

ومع إيجاد فكر يتمخض عنه ولادة الاحتراف الحقيقي يؤدي إلى رفع سوية الألعاب وإيجاد اللوائح والشروط القانونية التي تضمن حقوق الجميع، ثم الوصول إلى حالة من ازدهار الرياضة ووضع لاعبيها وأنديتها، ووفقاً لهذا كله يمكن تطبيق نظام الضرائب العادل بما يمكّن المسؤولين عن هذا القطاع من توفير سيولة مالية بين يديها تساعدها على تطوير الرياضة والالتحاق بتطبيق الاقتصاد الرياضي الناجم عن الاحتراف السليم.