دراساتصحيفة البعث

النظام الأمريكي بلا مرونة

عناية ناصر

أدّى جو بايدن اليمين رسمياً ليكون الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، ولكن منذ يوم الانتخابات في 3 تشرين الثاني 2020، كانت هناك أحداث وفوضى مستمرة في الولايات المتحدة، الأمر الذي أثار جدلاً حول ما إذا كان النظام السياسي والاجتماعي الأمريكي مرناً بدرجة كافية. وبعد قمع أعمال الشغب في مبنى الكابيتول، قال نائب الرئيس الأمريكي السابق مايك بنس: إن “العالم سيشهد مرة أخرى مرونة وقوة ديمقراطيتنا”. فهل هذه هي الحال فعلاً؟.. هل النظام السياسي والاجتماعي الحالي في الولايات المتحدة متشدّد وقوي بالفعل، كما وصفه بعض السياسيين الأمريكيين؟. الإجابة بالطبع “لا”.

بادئ ذي بدء، لا يمكن للنظام الأمريكي ببساطة أن يمنع المسؤولين المنتخبين من الإضرار بالبلاد، فحكومة الولايات المتحدة تتشكّل بشكل عام من خلال التصويت ونظام الهيئة الانتخابية، لكن التاريخ أثبت أن النظام الانتخابي لا يضمن أن المنتخبين يمكن أن يمثّلوا ما يُسمّى بـ”إرادة الأغلبية”، ولا يمكنه منع المسؤولين المنتخبين من الإضرار بالبلد.

يبدو أن المواجهة والخلاف بين الحزبين الأمريكيين أمر شائع، فغالباً ما يتمّ التخلي عن بعض البرامج في منتصف الطريق، حتى إنها تتغيّر كثيراً، وعليه لا يستطيع نظام الولايات المتحدة حلّ المشكلات الاجتماعية عميقة الجذور، ولا يمكنه التعامل بفعالية مع الأزمات المفاجئة. على مدى تاريخها كانت الولايات المتحدة تروّج لما يُسمّى بقيمها العالمية في العالم، لكن هذه القيم تبدو غير فعّالة حتى داخل الولايات المتحدة، إذ لا يمكنها المساعدة في جسر الخلافات والمعارضة في أمريكا نفسها، لتظل المشكلات عميقة الجذور، بما في ذلك الصراعات العرقية والفقر المدقع، دون حل، بل لقد ساءت في الواقع.

لنأخذ على سبيل المثال الصراعات العرقية، بالرغم من عدم وجود قوانين تمييزية في الولايات المتحدة، إلا أن التمييز الضمني ضد الأقليات العرقية موجود في كل مكان. وفي الوقت نفسه، يشعر العديد من البيض بالسخط إزاء التمييز العكسي المحتمل. لقد أصبح هذا الوضع طبيعياً في المجتمع الأمريكي، حتى أثناء إدارة أوباما، لم تتوقف النزاعات العرقية أبداً. كما أدّت الفوضى وعدم الكفاءة في الاستجابة الوبائية إلى السخرية من قوة الولايات المتحدة، فقد شهدت أغنى دولة في العالم وأكثرها تقدماً من الناحية التكنولوجية معاداة للعلم وعدم المساواة، وحتى التهرّب من المسؤولية في كل مكان في العمل لمكافحة الوباء، ما يعني أن المرونة المزعومة للمؤسسات الأمريكية غير كافية للتعامل مع هذه المشكلات.

كما لا تستطيع المؤسسات الأمريكية بالضرورة الاستجابة سريعاً للأخطاء الفورية، فعلى سبيل المثال، استغرق الأمر 95 عاماً لجميع الأفارقة الأمريكيين للحصول على حق التصويت منذ الموافقة على التعديل الخامس عشر لدستور الولايات المتحدة في عام 1870، فأين يمكننا أن نرى المرونة المؤسسية المزعومة للولايات المتحدة، فقد تُركت وببساطة العديد من الأخطاء الواضحة دون تصحيح لمئات السنين؟!.

أخيراً.. لن يتمّ استعادة القوة الناعمة لأمريكا بهذه السهولة، فقد غيّرت إدارة ترامب مظهر الولايات المتحدة تقريباً إلى درجة لا يمكن التعرف عليها. صحيح أنه من الناحية الموضوعية، تتمتّع معظم المؤسسات في دول العالم بدرجة من القدرة على التصحيح الذاتي، غير أن هذه ليست محاولة لمقارنة مزايا الأنظمة المختلفة، ولكنها سلسلة من الأمثلة لإظهار أن النظام الأمريكي ليس قوياً كما يعتقد الكثيرون.

في الواقع، أصبح التدهور السياسي للولايات المتحدة أكثر وضوحاً، ويُنظر إلى فوز ترامب في الانتخابات عام 2016 على أنه جزء من ردّ فعل المجتمع الأمريكي على النظام، لذلك تحتاج الولايات المتحدة إلى بعض التأمل العميق، وعدم السماح لنفسها بمواصلة السير في الطريق الخطأ.