ثقافةصحيفة البعث

كيف يمكن أن يتعاون حصان وحمار بجرّ عربة؟!

أوس أحمد أسعد

السّخرية الأدبيّة، حسّ الفكاهة، إقلاق البداهة بالأسئلة ذات الوخزٍ الشّفيف، عناصر مهمّة لتحفيز حسّ المفارقة الذّكيّة التي يمكنها بدورها أن تحدث الأثر والصّدى الطّيّبين لدى المتلقّي فهي تضيف للنصّ ألقاً، وللشّخص حضوراً فريداً، فكيف إذا كان أصحابها من كبار العلماء والفنانين والأدباء الذين يُشهَدُ لهم بعلوّ الكعب في مجالات الإبداع والعلوم المختلفة الذين نقلوا البشريّة نقلات نوعيّة في مجال التّطوّر والارتقاء، وهانحنُ في فسحتنا الماطرة هذه، سنحتفن باقة عطر من زهور هؤلاء، ونرشّها في حضوركم أيّها القرّاء الأعزّاء:

يُحكى أنّ “أينشتاين” العالم الشهير مكتشف قانون النسبيّة، لم يكن يستطيع الاستغناء عن نظّارته لكنّه نسيها للأسف في زيارته لأحد مطاعم المدينة، فطلب من الجرسون أن يقرأ له قائمة الطعام ليختار منها ما يريد، لكن الجرسون اعتذر بأدب جمّ قائلاً: آسف يا سيّدي أنا أميّ مثلك تماماً، لا أعرف القراءة.

وفي يومٍ آخر كان “أنشتاين” متعباً من كثرة إلقاء المحاضرات والدّعوات التي تنهال عليه من جهات علمية وجامعات ومراكز متخصّصة مختلفة، وقد لا حظ سائقه مثل هذا الأمر، فاقترح عليه أن يُلقي عنه محاضرة اليوم، فهو قد حضر عشرات المحاضرات المتشابهة، وكوّن فكرة لا بأس بها عن نظريّته النسبيّة، وبما أنّه يتقاسم معه الشّبه الكبير في الملامح، فلن يستطيع أحد اكتشاف الأمر بسهولة، لقيت الفكرة صداها لدى العالم الجليل، الذي كان يتميّز بامتلاكه حسّ المداعبة والفكاهة وهكذا تبادلا اللّباس والأدوار، وما إن أزف وقت المحاضرة حتى صعد السّائق إلى المنصّة وجلس “أينشتاين” بلباس السائق الحقيقي بين الجمهور، سارت المحاضرة بشكلٍ سلسٍ إلى أن وقف أحد العلماء المنافسين، وأراد إحراج “أينشتاين” بسؤالٍ محرجٍ، من الوزن الثقيل، وكان السائق أيضاً يمتلك الفطنة وسرعة البداهة حيث ابتسم ساخراً من البروفيسور، وأجابه قائلاً بحيويّةٍ مدهشة: بما أنّ سؤالَك بمنتهى السّذاجة، سأدعُ سائقي الموجود بينكم، يجيبك، وفعلاً صعد العالِم الجليل من بين الجمهور وأفحم السائل بالجواب.

رائدة الأدب البوليسي البريطانيّة الشهيرة “أجاثا كريستي” حين سؤلت لماذا تزوّجت رجلاً مهووساً بالآثار؟ أجابتْ بدعابة: لأنّني كلّما كبرت أزداد قيمة عنده.

وللروائي الفرنسي المشهور “اسكندر دوماس” قصّتُه اللّطيفة في هذا المجال، حين جاءه أحد الكتّاب الشباب واقترح عليه أن يكتبا معاً قصّة تاريخيّة، أجاب الأديب بكبرياء ساخرة وغرور كبير، كيف يمكن أن يتعاون حصان وحمار بجرّ عربة واحدة؟ فردّ الشاب بسرعة عليه: هذه إهانة يا سيّدي، كيف تسمح لنفسك أن تصفنَي بالحصان؟.

وللعالم “نيوتن” مكتشف قانون الجاذبيّة الأرضيّة نهفاتُه أيضاً، حيث قيل أنّه في إحدى السهرات التي أقيمت احتفاء به، سألته سيدة تجلس بجواره، كيف استطعتَ يا سيّدي الوصول إلى اكتشافك قانون الجاذبيّة؟

فأجابها بجديّة وهدوء: الأمر بسيط، كنتُ أقضي وقتاً كبيراً من كلّ يوم بالتفكير بظاهرة سقوط الأشياء على الأرض، التّفكير يا سيّدتي هو وحده من قادني إلى اكتشافي، فقالت السيّدة: غريب، أنا أقضي ساعات طويلة من وقتي مفكّرة، ولم أصل إلى أيّة نتيجة، أو اكتشاف!. سألها بماذا كانت تفكر، فأجابته: أنّها كانت تفكّر بزوجها الذي هجرها وانفصل عنها بالطلاق، فسألها “نيوتن” ثانية بنفس الجديّة، أكانتْ تفكر بزوجها قبل الطلاق أم بعده؟. قالت: بعد الطلاق طبعاً، هنا نظر إليها العالم وقال لها بتفكّه: لو أنّ تفكيرَك في زوجكِ كان قبل الطلاق، لاستطعتِ أن تكتشفي قانوناً للجاذبيّة من نوع آخر.

وللفنان التّشكيلي الإسباني الشّهير “بيكاسو” قصّتة المرحة مع الفكاهة أيضاً، حيث أنّ إحدى الزائرات الاستعراضيّات الثّريّات لمعرضه الفنّي، كانت تشهق حين تمرّ بكلّ لوحة من لوحاته: أووووه يا سيّد بيكاسو كم أنت مدهش، أنا لا أستطيع تحمّل كلّ هذا الطغيان للجمال الذي يشعّ من لوحاتك، فسألها مهتمّاً، عن أهمّ لوحة حرّكت دهشتها أكثر من غيرها، فأشارت بثقةٍ إلى شيء يعلو اللّوحات، قائلة: يا إلهي كم هي مدهشة هذه اللّوحة! فقال لها “بيكاسو” ما تشيرين إليه يا سيّدتي هو المكيّف، ولا توجد أيّة لوحة هناك!.

ولعالم الاجتماع والمفكّر التربويّ الفرنسي “جان جاك روسو” قصّته في مجالِ التّندّر، يقول: قبل أن أتزوّج كان لديّ ست نظريّات في تربية الأطفال، وبعد الزّواج أصبح لديّ ستة أطفال ولم أجد نظريّات لهم، أمّا السياسي الشهير “ونستون تشرشل” رئيس وزراء بريطانيا أيّام الحرب العالميّة الثانية، فيحكى أنّه كان يخطب ذات مرّة في البرلمان الانكليزي عن حريّة المرأة والقوانين الخاصّة بالنّساء، وفجأة شنّت عليه إحدى النساء المناصرات لحقوق المرأة، هجوماً عنيفاً بقولها: لو كنت زوجتك لوضعتُ لك السّمّ في القهوة، فأجابها ساخراً: وأنا لو كنتُ زوجَك لشربتُه فوراً.

وهاهو “فولتير” الفرنسي يُدلي بدلوه: حين سأله أحد أصدقائه، مستنكراً عن كيفيّة تعامله مع أحد معارفه، ولماذا يظلّ يذكره بالخير، بينما هو لا يدع فرصّة إلّا ويذمّه فيها. أجابه “فولتير” بهدوء وحكمة مبطّنين بالسّخرية: من المحتمل أن يكون كلٌّ منّا على خطأ يا عزيزي.