دراساتصحيفة البعث

تاركاً خلفه إرثاً من التناقض.. هل اختفى ترامب؟!

إعداد: ريناس ابراهيم

“منذ مغادرته البيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني السابق، لم يُدلِ الرئيس السابق دونالد ترامب بأي تصريحات ولم يظهر علناً إلا في رحلات الغولف، ومع ذلك فإن ترامب الجديد الذي أصبح فجأة متحفظاً ومنعزلاً، ليس خاملاً ولا منسياً، بل إن ظلّه لا يزال يخيّم على الحزب الجمهوري”، بهذه المقدمة لخّصت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية تقريراً جاء فيه: “إن آخر تحدٍّ واجه به ترامب السياسة الأميركية والعاصمة التي لم تحبه قط هو تجنب حفل تنصيب خليفته، ووعده مجموعة من أنصاره جاؤوا لوداعه قائلاً: “أتمنى لكم حياة طيبة. سنلتقي مرة أخرى قريباً”، وذلك في خطابه الأخير على أرض مطار قاعدة أندريو وهو في طريقه إلى مقرّه الجديد.

غير أن مغادرة ترامب البيت الأبيض لم تكن بداية اختفائه الفعلي، كما يقول التقرير، بل إن الرئيس اختفى قبل ذلك بـ12 يوماً عندما أوقف تويتر حسابه بعد 48 ساعة من غزو أنصاره مبنى الكونغرس، حيث قتل 5 أشخاص وكلّفه ذلك محاكمة ثانية. عندها فقد ترامب مكبر الصوت الذي مكّنه مدة 4 سنوات من الهيمنة بشكل يومي على عناوين الأخبار والسياسة الأميركية، والذي استطاع عن طريقه ضمان حضور شبه دائم وتقديم أفكاره وأمزجته بشكل غير مفلتر.

وبهذا التدفق المستمر من الاستقالات والتعيينات والقرارات الحكومية والتعليقات والهجمات اللاذعة والاستهزاء بجميع أنواعه، نوّم ترامب الولايات المتحدة مغناطيسياً مدة 4 سنوات وشلّ حركتها، كابتاً بذلك خصومه ومنشّطاً أنصاره، في ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ السياسي.

وبعد حرمانه من هذه المنصة الافتراضية، صمت ترامب فجأة، وجفّت مصادر المعلومات المتعلقة به بعد أن أصبح بعيداً عن البيت الأبيض حيث كان عشرات من الموظفين الرئاسيين والوفد المرافق له يقدمون للصحافة بعض الأسرار.

ورغم صمته، لا يزال ظلّ ترامب مهيمناً على الحزب الجمهوري، حيث الصراع على السيطرة على أشده بين طائفتين، إحداهما تتمثل في القاعدة التي لا تزال تدين بالولاء للرئيس السابق ويعتمد عليها المنتخبون الطموحون الذين يحلمون بلبس عباءة الترامبية، والأخرى تقوم على جهاز الحزب الأكثر تقليدية، الذي يرغب أصحابه في رؤية هذه الشخصية تتلاشى.

ويرى كاتب التقرير أن ترامب، الذي ترك الغموض يلفّ نواياه المستقبلية، يواصل استخدام هذا التأثير في مستقبل الحزب مع العزم على الانتقام ممن تخلّوا عنه، وفي مقدمتهم المنتخبون الذين قاوموا ضغوطه لتغيير نتائج الاقتراع في ولايات عدة متنازع عليها، من أمثال دوغ دوسي وسيندي ماكين. كما وجه ترامب انتقامه أيضاً إلى النواب الجمهوريين العشرة الذين صوّتوا مع الديمقراطيين لمحاكمته الثانية بعد الأحداث التي وقعت في مبنى الكابيتول هيل، ومن أبرزهم ليز تشيني ممثلة ولاية وايومنغ، وهي من المحافظين المخلصين لكنها كانت أول من استنكر “خيانة رئيس الولايات المتحدة لمنصبه وقسمه على الدستور” لتشجيعه مثيري الشغب، وقد حاول مات غايتز، ممثل فلوريدا وحليف ترامب، تشجيع الفرع المحلي للحزب على معارضتها.

وتزامنت هذه المحاولات للرقابة الداخلية من قبل أنصار ترامب في الحزب الجمهوري، مع محاولة الممثلين الديمقراطيين حرمان مارغوري تيلور غرين المؤيدة لترامب والجمهورية المنتخبة حديثاً من مناصبها في لجنتي التعليم والتوظيف.

وكشفت هاتان القضيتان المتزامنتان -حسب التقرير- عن التوتر الداخلي وسط الحزب الجمهوري، والتأثير الذي لا يزال الرئيس السابق يمارسه، لتصبح المرأتان ليز تشيني ومارغوري تيلور غرين رمزاً للتعارض بين التيار الترامبي الراديكالي والجناح التقليدي.

فقد حذّرت ليز تشيني في اجتماع مجموعتها من انجراف الحزب الجمهوري قائلة “لا يمكننا أن نصبح حزب كيو أنون (QAnon)، لا يمكننا أن نصبح حزب إنكار، لا يمكننا أن نصبح حزب التفوق الأبيض”، في حين تباهت تايلور غرين -المعروفة بتمسكها الشديد بأكثر نظريات المؤامرة تطرفاً- بدعم ترامب لها قائلة: “لقد أجريت مكالمة كبيرة مع رئيسي المفضل دونالد ترامب. أنا ممتنة جداً لدعمه”.

غير أن المسؤولين الجمهوريين المنتخبين بقيادة زعيم الأقلية في مجلس النواب كيفن مكارثي، فضلوا عدم الاختيار، فقد أكدوا دعمهم مارغوري تايلور غرين وأشادوا بها، مما يظهر الثقل السياسي لترامب بينهم، ولكنهم في الوقت نفسه أعادوا انتخاب ليز تشيني في المرتبة الثالثة بأغلبية كبيرة في اقتراع سري، مما أظهر تراجع محاولات ترامب لمعاقبتها.

تحذيرات من انجراف ترامبي!

هذا التناقض الواضح هو الإرث السياسي الأساسي الذي تركه ترامب، فلا تزال الشعبية الهائلة التي يتمتع بها والرهان على إمكانية ترشحه عام 2024 يجبران الجهاز الحزبي على الحفاظ على ولائه، ولذلك زاره مكارثي الذي ندّد علانية بمسؤوليته عن أعمال الشغب في الكونغرس، وشكره على “الوعد بمساعدته لاستعادة السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ في انتخابات عام 2022”.

غير أن المشكلة التالية بالنسبة للجمهوريين هي محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ، فإذا اختاروا تبرئته من تهمة التحريض على الفتنة، فإنهم يبدون داعمين لحدث مفجع وأعمال شغب اجتاحت مقرّهم، أما إذا أدانوه فسيبدون مؤيدين لانتقادات الديمقراطيين لرئيس أيدوه بإخلاص مدة 4 سنوات، مما قد يثير غضب ناخبيهم.

ولهذه الأسباب تبنّى زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل موقفاً متناقضاً تجاه ترامب الذي كان من مؤيديه، فقد كان إلى جانب مايك بنس نائب الرئيس السابق، أحد أولئك الذين تصدّوا لمحاولات ترامب قلب نتائج الانتخابات الرئاسية، واستأنفوا الجلسة لتأكيد فوز جو بايدن، ثم انتقد بشدة تصرفات الرئيس السابق، وحذّر من الانجراف الترامبي للحزب.

أكاذيب ترامب كلّفت ثمناً باهظاً!

تقول صحيفة واشنطن بوست: “إن الأكاذيب التي روّج لها ترامب بشأن “سرقة الانتخابات” كلّفت دافعي الضرائب في البلاد 519 مليون دولار”. وأشارت إلى أن التكاليف تضمنت أكثر من 480 مليون دولار لتغطية تعزيز الإجراءات الأمنية ونشر قوات الحرس الوطني إلى غاية شهر آذار المقبل بعد اقتحام مبنى الكونغرس في السادس من كانون الثاني الماضي، وذكرت أن التكاليف كانت تتصاعد بشكل يومي في فترة ما بعد الانتخابات التي شهدت العشرات من الدعاوى القضائية غير المثمرة، وعمليات إعادة احتساب الأصوات وما ترتب عنها من مصاريف، إضافة إلى التعزيزات الأمنية للحفاظ على سلامة موظفي الاقتراع الذين تلقوا تهديدات بالقتل.

وصرح عدد من المسؤولين في الولايات بأنهم ما زالوا يحاولون حساب تكلفة تعزيز الإجراءات الأمنية للتعامل “مع التهديد المتزايد بالعنف من أنصار ترامب”.

من جهة أخرى، ذكرت الصحيفة أن الكونغرس لا يزال يحاول تقييم تكاليف إصلاح الأضرار الجسيمة التي ألحقها مؤيدو ترامب بالمبنى، وقال مسؤولون في الكابيتول: “إن الاشتباك الذي استمر لساعات بين قوات إنفاذ القانون ومؤيدي ترامب ألحق أضراراً بالمبنى قد يتطلب الأمر أشهراً لتقييمها وإصلاحها”.

وتتوقع الصحيفة أن يكون الأثر المالي لرفض  ترامب القبول بنتائج الانتخابات أكبر مما تم توثيقه إلى الآن.