الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

كمل النُّقْل بالزّعرور

عبد الكريم النّاعم

بدايةً أقول، “النُقْل” هو ما يُتنقّلُ به على طاولة الشراب، سأبدأ من اعتماد “نقابة المعلّمين” بتحديد أنّ الأدوية التي يُسمح بصرفها في صيدليات نقابة المعلّمين هي خمسة أدوية لا غير، وسبق هذا شرط آخر قبل شهرين تقريباً، وهو أنّ الصيدليّة لا تصرف من الوصفة إلاّ ما قيمته عشرون ألفاً، وما زاد على ذلك فعلى المعلّم، المُسَخَّم أن يتدبّر أمره فيه، هذا بعد أن تضاعفت أسعار الأدوية مرّات ومرّات عمّا كانت عليه سابقاً، ونادراً ما تجد دواء سعره أقلّ من ألف ليرة، فماذا يفعل أبو العشرة أدوية مثلي، وفوقها خمسة لزوجه، وماذا يفعل الذين تراكمت السنوات فوق أكتافهم، وانتشرت الأمراض في أجسادهم التي أبلاها، فيما أبلاها مشقّةُ هذه المهنة، التي هي مهنة مقدّسة في الأدبيّات؟!.

إنّ نقابة المعلّمين تقتطع نسبة معيّنة من راتب كلّ معلّم لمصلحة الصندوق الصحّي، فهي تدفع للمعلّمين ممَا تأخذه من جيوبهم، أنا أعلم أنّ أعداد المعلمين قد تضاعفت، وهذا يعني أنّ الاشتراكات أيضاً قد تضاعفت، وأقدّر أنّ النقابة تستطيع أن تخرج علينا بتقرير مُجدوَل تبيّن فيه كلّ عُذرها، بيد أنّ الحلّ لا يكون بهذه الطريقة التي تضع المعلّم أمام خيار واحد، وهو الصبر على المرض حتى الموت، بسبب غلاء الدّواء.. تستطيع النقابة، إنْ كان ولا بدّ، أنْ ترفع نسبة الاشتراك الصحي بما لا يؤثّر سلباً كواحد من الحلول، أمّا أن يكون الحلّ تطبيقاً للمثل الشعبي: “فوق الموتة عصّة القبر” فهذا خيار مُجحف، يا ناس!! الواقع الذي يعيشه المواطن في بلدنا لم يعد خافيّاً حتى على الذين تغوّلوا من شفط أمواله، ولاسيّما المعلّم، والذي متوسّط راتبه خمسةٌ وأربعون ألفاً بينما هو يحتاج في الحدّ الأدنى الأدنى إلى ثلاثمائة ألف، فكيف إذا أخذنا ما يحتاجه لتعليم أبنائه، وكسوتهم، وتأمين لوازم عيشهم، قولوا بالله كيف يمكن ذلك، مع وظيفة لو أراد أحد فيها أن يرتشي لما وجد من يبسط يده بشيء، لأنّه لا يحتاجه في شيء!!.

أيها المعنيّون، كانت كلمة “معلّم” كلمة لها رنينها الذهبي في آذان من يسمعونها ذات يوم، فأهملناها، بقصد، أو بغباء، حتى وصلت حدّ تلك الحكاية التي تقول إنّ معلّماً ذهب، في بداية تدهور أوضاع هذه الوظيفة الشريفة، ليخطب فتاة تعرّف عليها، ورضيت به، فسأله أبو الفتاة: “إنت شو بتشتغل عمّو”؟ فأجاب: “معلّم”، فلوى الأب رقبته بطريقة توحي بالرفض، وقال له مواسياً: “الشغل مو عيب!!”.

لعلّ من الجدير بالانتباه أنّ نقاباتنا، مع الأسف، قد أُصيبت بمرض “التّرسّم”، أعني أن يتصرّف قادتها مع منتسبيها تصرّف الموظّف “الرسمي” مع المواطن، وأعني أيضاً تلك التصرفات الفوقيّة المريضة. يا ناس!! من بعض منسيّاتكم أنّ أيّ نهوض في المجتمع يبدأ من التعليم، من غرفة الصفّ، من الصفّ الأوّل حتى نهاية المرحلة الأساسيّة، صاعداً حتى أعلى شهادة، ومن بعض منسياتكم أنّ أعلى راتب في بلدان العالم المتقدّم هو راتب المعلّم، ومن يدقّق يجد أنّ التدهور في بلدنا ابتدأ مع ابتداء تدهور التعليم، وأنّنا وصلنا إلى مرحلة صرنا نخرّج فيها من المرحلة الثانويّة أبناء لا يجيدون كتابة الإملاء، ومن جامعاتنا يتخرّج من لا يستطيع كتابة سطرين دون خطأ نحويّ، علماً أنّه خريج قسم اللغة العربيّة!! إلى أين تريدون أن توصلونا يا مَن بيدكم الحلّ والربط؟!.

لا أشكّ أنّكم سمعتم أنّ الفقهاء في هذا الزمن أجازوا إخراج زكاة المال للمعلّم، فكم في هذا من الألم والبؤس، والتّخلّي؟!!

أرجو ألاّ يتلطّى مُتلَطٍّ وراء سواتر الأزمة، فمَن يريد العمل يبتكر الحلول، والعمل الأصيل النّافع يبرز في مثل هذه الظروف، أمّا الذين ينتظرون من الدولة أن تُقوم بمهامهم، ويصغّرون دورهم النقابي لهذه الدرجة، ففي أحسن تقدير أنّهم ليسوا أكفاء للقيام بمهام النقابة..

هل نُواجه ما يقوله البعض من أنّ ثمّة أيادي خفيّة تعمل على استئصال كلّ ما له علاقة بدعم الشرائح الاجتماعيّة الفقيرة، التي أصبحت نسبتها نسبة (…!!) بالمائة من الناس؟!

يا كلّ المسؤولين أييييين أنتم؟!!!.

aaalnaem@gmail.com