ثقافةصحيفة البعث

نجوم الدراما السورية وإغراءات الشهرة والمال

بين دراما البيئة القديمة، وتناسخ الأجزاء، وبين دراما الأعمال التلفزيونية المشتركة، لاشك أن الدراما السورية فقدت، ليس كثيراً من ألقها السابق، وحسب، بل وشيئاً من هويتها، وارتباطها المتجذّر بالواقع، وسمات التجديد فيها، ولاسيما في الفترة الأخيرة حيث نأت بنفسها بعيداً عن هموم الحياة، وقضايا المجتمع المتخمة بالفضاءات والمشاهد الدرامية، التي تنتظر من يلتقط تفاصيلها، وينقلها إلى حيّز الضوء، والاهتمام والمعالجة، وركزت جلّ اهتمامها على إنتاج أعمال بيئة حماسية تتغنّى ببطولات وعنتريات طواها الزمن.

المشكلة لا تتوقف عند الافتقار للمنقبين الجريئين، في دهاليز المجتمع، وقيعانه من كتّاب ومنتجين، بل تتعدّى ذلك إلى عدوى النرجسية التي باتت تصيب الكثير من نجوم الدراما المحلية، ممن دفعهم حب الأضواء والشهرة، للبحث عن فرص عمل في الدراما المشتركة اللبنانية والمصرية تحديداً، لما تقدّمه لهم من دعاية ومال يفوق قدرة الإنتاج المحلي ومضاهاته، مما جعل نجوماً كثراً يحثون الخطا نحو نجومية وتألق خارج دائرة الأعمال المحلية بإنتاجها وأفكارها المرتبطة بالشأن الاجتماعي السوري، ولاسيما خلال سنوات الأزمة التي وضعت الفنان السوري ضمن اصطفاف سياسي، أبعده أو قرّبه من منبع رأس المال لشركات الإنتاج الخارجية الكبير المتمركزة في دول الخليج ولبنان، حيث وسائل الإعلام والدعاية الكبيرة والمؤثرة والتي تدفع بسخاء، استغلت الطاقات الكبيرة للفنان السوري في تسعينيات القرن الماضي لإنتاج مسلسلات مهمّة حققت لها أرباحاً كبيرة، وساهمت في الوقت نفسه بتحقيق نهضة درامية بهوية سورية فرضتها موهبة الفنان السوري وارتباطه ببيئته، لغة وأنماط حياة، للحدّ الذي جعل الممثل العربي يتفاخر إعلامياً بمشاركته في عمل سوري، كما يتفاخر اليوم نجوم سوريون بحضورهم في الدراما اللبنانية أو المصرية.

اليوم يعمل أغلب الممثلين السوريين في الإنتاج المحلي الهزيل إنتاجياً، وعينهم على الدراما المشتركة، حتى لو كانت هزيلة فكرياً وفنياً، طالما سخية مالياً ودعائياً، لأنهم يعلمون أن البطولة الجماعية التي تميّزت بها ودرجت عليها الدراما السورية لم تعد ترضي غرور الكثير منهم ممن أعطى ظهره لرسالة الفن السامية، وراح يتطلع إلى مجد مأمول ولو على حساب الدراما المحلية حاضرها ومستقبلها.

فمن شاهد تيم حسن بدور عبود في مسلسل “الانتظار” للكاتبين حسن سامي يوسف ونجيب نصير سيدرك أنه أهم بكثير من الفقاعة الإعلامية التي يحلق بها بين موسم وآخر في دور “جبل” بمسلسل “الهيبة” اللبناني، ودوره في مسلسل “نزار قباني” أهم بكثير من أدوار الفتى “الجنتل مان” في مسلسلات عربية مشتركة.

وقصي خولي في دور سامر في مسلسل “غزلان في غابة الذئاب” وجابر في “الولادة من الخاصرة” بأجزائه الثلاثة، ويعرب في “تخت شرقي” مع المخرجة المبدعة رشا شربتجي وغيرها من أدوار مهمّة أزاحت الستار عن نجم لا يحتاج للاشتراك في بطولة أعمال عربية ضحلة الأفكار والإدهاش الفني لإثبات نجوميته.

والأمر ذاته ينطبق على باسل خياط، ومعتصم النهار، وغيرهم ممن درسوا وصقلوا مواهبهم في بلادهم ونجحوا في صناعة دراما ذات هوية سورية مطلوبة جماهيرياً، ثم ما لبثوا أن تنكروا لمحليتهم عند أول إغراء يقدّم لهم لامتلاك المال والأضواء، والدعوة للمهرجانات الفنية والسياحية والاجتماعية، والظهور في البرامج الهزلية المنوعة.

ورغم أن الأمر لا ينطبق على الممثلات بالمستوى ذاته، لكن الكثيرات منهن، شرعن بحثّ الخطا في هذا الاتجاه، حتى لو كانت أدواراً ثانوية لا تليق بإمكانياتهن الإبداعية، والمساحة التي كانت تمنح لهن في الدراما المحلية، مع هذا نجد أن الكثيرات خرجن للبحث عن فرصة في إنتاج خليجي ولبناني مهشّم الهوية والأفكار الخلاقة.

المشكلة لم تتوقف عند هذا الحدّ، بل بدأنا نرى الكثيرات ممن ابتعدن عن روح مهنة التمثيل ورسالتها الإنسانية العميقة، وتحولن إلى مجرد “ستايلات” للموضة والتصوير وجمع الإعجابات والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن كنّ يبحثن عن أدوار تتيح لهن إبراز كل ما يملكن من طاقات إبداعية تفرض وجودهن بقوة كفنانات من الصف الأول.

للأسف كان الممثل السوري مصدراً لجذب رأس المال، والصناعة الفنية الراقية والراسخة، لكنه تحوّل اليوم صاغراً لسطوة رأس المال، مهرولاً نحو مصادره أياً كانت وجهتها على حساب رسالته الفنية والإبداعية، التي كان لها الفضل في إزاحة العتمة عن قضايا اجتماعية وقصص تاريخية مهمّة نفتقدها اليوم بعد أن أصبحت الدراما تجترّ بعض القصص الساذجة المقتبسة من هنا وهناك!!.

آصف إبراهيم