اقتصادصحيفة البعث

 واقع محزن!

ما يجري على صعيد مستوردات القمح يكشف عن واقع محزنٍ جداً، هو محزنٌ لأن المؤسّسة العامة السورية للحبوب تتباهى بتفريغ البواخر المحمّلة بالأقماح على مدار العام الجاري، بدلاً من أن تتباهى بتصدير الأقماح السورية، كما كان يحدث حتى عام 2006 على الأقل!

كما تباهت المؤسّسة بأنها حقّقت وفورات كبيرة تُقدّر بعشرة آلاف دولار من خلال كسب الوقت بتفريغ 5 بواخر خلال زمن قياسي. والسؤال: ما أهمية هذا المبلغ الضئيل أمام المبالغ المخصّصة لاستيراد القمح؟!

أليس محزناً أن نتباهى بتحقيق رقم قياسي بالتفريغ محلياً وعالمياً، بدلاً من التباهي بتحقيق رقم قياسي بتحميل الأقماح السورية على البواخر المتوجهة للأسواق الخارجية؟ والمحزن أكثر فأكثر أن ما من جهة تجيب عن السؤال: من المسؤول عن تحويل سورية من مصدّر إلى مستورد للقمح منذ عام 2008؟

نعم نحن نستورد القمح منذ عام 2008، وليس منذ عام 2011، ومن المهمّ تحديد المسؤول لمحاسبته عما اقترفه بحق الوطن والعباد من آثام وشرور.

طبعاً مؤسّسة الحبوب ليست المسؤولة، إنما وزارة الزراعة، أو بالأحرى سياسات الحكومات السابقة وتحديداً حكومة 2003-2011، وها هي وزارة الزراعة تقرّر زيادة المساحات المزروعة بالقمح، لعل وعسى أن تحقّق في موسم 2021 الاكتفاء الذاتي من القمح، وتحوّل الواقع المحزن المستمر منذ عام 2008 إلى واقع سار ومفرح.

لم تكن سورية حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي تنتج ما يكفيها من قمح أو منتجات زراعية أخرى، لكنها مع اعتماد مبدأ الأولوية للزراعة تحوّلت الندرة إلى وفرة، وأصبحنا نعاني في منتصف تسعينيات القرن الماضي من تخزين ما لا يقلّ عن 3 ملايين طن في العراء، تكفينا عدة سنوات مع فائض للتصدير، وكل ذلك بفعل التوسّع بزراعة القمح المروي، أي لم نعد نعتمد على الأمطار بإنتاج الحبوب!

كما بدأت سورية تنتجُ ما يفيض عن حاجتها من الحمضيات والفواكه والخضار الصيفية والشتوية، وأصبحت أنموذجاً بين البلدان المكتفية ذاتياً رغم العقوبات الغربية المفروضة عليها منذ ثمانينيات القرن الماضي.

إن العودة إلى سياسة الاكتفاء الذاتي من الحبوب تتطلّب خططاً جديدة لإصلاح شبكات الري، وإعادة تأهيل الأراضي الزراعية وتأمين مستلزماتها، وهي كثيرة لم تعد تحتمل أي تأجيل، ولسنا بحاجة إلى التأكيد بأن الخطوة الأولى والأساس لتفعيل برامج إحلال المستوردات يجب أن تبدأ بإنتاج حاجتنا من القمح، وهذا الأمر يتطلّب خططاً وبرامج مادية وزمنية، ومتابعة دؤوبة ويومية، سواء من قبل مجلس الوزراء أو مجلس أعلى للزراعة، كما كانت عليه الحال في تسعينات القرن الماضي.

بالمختصر المفيد.. واقع القمح سيبقى محزناً طالما نستورده، ولن ينقلب إلى مفرح إلا باعتماد نهج “الاكتفاء الذاتي” من خلال سياسات وبرامج مادية وزمنية تترجم مقولة (الزراعة) أولاً إلى أفعال.

علي عبود