مجلة البعث الأسبوعية

مراجعة صفقات السلاح خدعة لترميم العلاقات بين البيت الأبيض والكونغرس!!

“البعث الأسبوعية” ــ علي اليوسف

انشغلت الدوائر السياسية في العاصمة الأمريكية بالهدف الحقيقي من وراء اتخاذ إدارة الرئيس الجديد، جو بايدن، قراراً بمراجعة ووقف عملية بيع الأسلحة للمملكة السعودية، ومقاتلات “إف-35” للإمارات المتحدة؛ فهل جاء هذا القرار في إطار مراجعة القرارات التي اتّخذت خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة من حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، أم أنه ينطوي على تبعات سياسية تتخطى عملية المراجعة لما هو أوسع، وتتعلق بعلاقات واشنطن المستقبلية مع الرياض أو أبو ظبي؟

إن ما أقدمت عليه إدارة بايدن يأتي في إطار روتيني يتعلق بوصول إدارة جديدة إلى السلطة، حيث تخضع غالباً مبيعات الأسلحة التي وافقت عليها الإدارة السابقة لإعادة نظر، لذلك هناك احتمال بأن يكون تعليق مبيعات الأسلحة إلى أبو ظبي والرياض مجرد توقف مؤقت، لكن كيف ستتصرف إدارة بايدن في نهاية المطاف فيما يتعلق ببيع الأسلحة للسعودية؟ وكيف سيؤثر هذا القرار على العلاقات بين واشنطن والرياض خلال فترة رئاسة بايدن؟

من الواضح حتى الآن أن خطوة مراجعة هذه الصفقات يمكن فهمها في إطار إصلاح العلاقة بين البيت الأبيض والكونغرس تجاه قضية مبيعات الأسلحة، خاصةً أن مفاوضات بيع الأسلحة تأخذ عادة فترات طويلة، ويتدخل فيها الكونغرس في مراحل مختلفة، وما جرى في السابق كان تصميماً من البيت الأبيض على تجاهل دور الكونغرس في إتمام الصفقة في أواخر أيام حكم الرئيس ترامب.

وبالفعل، فقد أوضح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن سبب قرار تعليق بعض مبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات يكمن في رغبة الإدارة الجديدة في التأكد من أن هذه الإجراءات تخدم أهداف البلاد. وقال بلينكن، في أول مؤتمر صحفي عقده كوزير خارجية للولايات المتحدة: “بشكل عام، عندما يصل الأمر إلى مبيعات الأسلحة من المعتاد أن تقوم الإدارة الجديدة في بداية عملها بمراجعة كل عمليات البيع غير المكتملة، للتأكد من أنها تخدم دفع أهدافنا الاستراتيجية ودفع سياساتنا الخارجية”.

وقد نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤول في الخارجية وصفه للقرار بأنه “إجراء إداري روتيني مع تغير القيادة، وذلك للسماح للقيادة الجديدة بفرصة مراجعة مؤقتة، تأكيداً على التزامها بالشفافية والحوكمة الرشيدة، فضلاً عن ضمان تلبية مبيعات الأسلحة الأمريكية لأهدافنا الاستراتيجية المتمثلة في بناء شركاء أمن أقوى”؛ كما بين مسؤولون أمريكيون للصحيفة أنه “أمر عادي أن تقوم إدارة جديدة بمراجعة مبيعات الأسلحة التي وافقت عليها الإدارة السابقة، وأنه رغم هذا التوقيف المؤقت ستعود معظم الصفقات لتأخذ طريقها إلى الأمام في التنفيذ”. ومع ذلك، تشير الصحيفة إلى أنه وفقاً لتعهدات قطعها بايدن على نفسه خلال حملته الانتخابية، ستكتفي واشنطن بضمان ألا تستخدم الأسلحة الأمريكية في العمليات العسكرية التي يشنها التحالف السعودي في اليمن، والذي تشكل فيه الإمارات ثاني أكبر قوة.

والحقيقة، فإن إدارة بايدن فرضت تجميداً مؤقتاً لمبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية، وهي تدقق في مشتريات الإمارات المتحدة، حيث تراجع صفقات أسلحة بمليارات الدولارات وافق عليها الرئيس السابق ترامب، ما يعني أن استئناف الحرب ممكن خاصة أن الدول الغربية، والولايات المتحدة وبريطانيا على وجه الخصوص، تواصل تسليح السعودية، وتقدم الدعم العسكري والسياسي واللوجستي للحرب.

 

اليمن

في إطار أوسع، تحدث بايدن عن مراجعة للعلاقات مع الرياض، وعن إضافة أنصار الله إلى قائمة الإرهاب، والتي كانت غطاءً للجرائم السعودية ضد اليمن، وتبريراً قانونياً لكل أشكال العدوان على اليمن.

وهناك من يعتقد أن التوجه الأخير لإدارة بايدن تجاه اليمن مرتبط بصفقة نووية إيرانية مستقبلية، لكن الواقع يبدو غير ذلك على الإطلاق، لأن أمريكا تحولت إلى وسائل جديدة وهي فرض عقوبات اقتصادية على دول وكيانات ترفض الخضوع لمشيئتها؛ وبالتالي فإن سياسة الإدارة الجديدة تجاه إيران تشبه إلى حد كبير سياسة إدارة ترامب، والاختلاف الوحيد يكمن في الخطاب المستخدم.

لقد كان تصنيف الإدارة الأمريكية السابقة لجماعة أنصار الله على قائمة الإرهاب الأمريكية محاولة يائسة لتكثيف الضغوط على المقاومة اليمنية بعد فشل النظام السعودي في تحقيق أهدافه بعد سنوات من الحرب رغم كل الدعم الذي تلقته من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وبالتالي فإن القرار الأمريكي لن يغري الحركة كثيراً، خاصةً بعد أن أصبح لها الآن اليد العليا في ساحة المعركة، على عكس المناطق الخاضعة لسيطرة الإمارات، والتي تشهد حالة من انعدام الأمن أدت إلى زيادة عمليات اغتيال أئمة المساجد والقادة الأمنيين والعسكريين، والنهب، وانتشار تنظيم “القاعدة” ومليشيات “داعش”، واشتباكات بين مقاتلي التحالف الذين دفعوا أموالهم مقابل النفوذ، فضلاً عن جرائم الاغتصاب والقتل ضد النساء والأطفال.

 

خاتمة

مما تقدم من الضروري عدم الركون إلى قرارات الرئيس بايدن الآتية على عجل، لأنها بالدرجة الأولى تأتي في إطار تهدئة الشارع الأمريكي الداخلي، والإيحاء إلى أنه في طريقه لإصلاح الأخطاء التي ارتكبها سلفه، والأهم كسب ود الكونغرس أكبر الناقمين على ترامب الذي مرر الصفقات بدون موافقتهم، حيث استندت إدارة ترامب، في منتصف 2019، إلى قانون حالة الطوارئ الذي سمح لها بتجنب قوانين مراقبة الأسلحة، من أجل التسريع بعمليات البيع وتجنب رقابة الكونغرس، وهي الخطوة التي أثارت غضب الكثير من مشرّعي الحزبين الذين وصفوا القرار بأنه إساءة استخدام للسلطة.