ثقافةصحيفة البعث

الفلتان “الإعلامي” إلى متى؟

رافق بدايات الحرب التي خاضتها البلاد في العقد المنصرم، ظهور كثيف للمنصات “الإعلامية المحلية” غير الرسمية، المنفلتة وكثرة ممتهنيها، وهو بما انضوى تحت اسمه من منصات “إعلامية” لها أجنداتها البينة في حقيقتها وغير الخافية على أحد، كان له ما كان من عبء على البلاد وأهلها، بما تنشره وتنقله تلك المنصات والمواقع الإلكترونية، المنتشرة كما السراخس المتطفلة، من أخبار زائفة، مزيفة، مصنوعة خصيصاً لرفع أسهم الإحباط بين الناس المرهقين سلفاً، وضرب أي بارقة أمل قد تلوح في أفق المجتمع السوري، من تلك المنصات الحاقد، “المتقرش”، الفاسد، التابع، ومنها الغبي، الغبي جداً.

أما الأخطر من بين الأنواع السابقة، فهو بلا منازع النوع الغبي، الغبي جداً، هذا النوع وبكل بساطة، يعمل وينقل وينشر وينشط في الداخل دون حسيب أو رقيب، فمن يشتغل في تلك المنصات التي تحمل صفة “إعلامية” زوراً وبهتاناً، فضلاً عن كونهم لا علاقة لهم بالإعلام من قريب أو من بعيد، هم مأخوذون ومسحورون بلعنة “التريند”، وعليه فإن أي خبر “يطش” على صفحات التواصل الاجتماعي وبقية مواقع “السوشيال ميديا” وبغض النظر عن مصداقيته، التي لا يتطلب التحقق منها إلا بعض التفكير في منطق الخبر نفسه، يسارعون إلى نشره، والتهويل به، بصيغ ممجوجة ولغة مستهلكة، وخصوصاً إن كان ذاك الخبر يحمل في طياته “الفضائحية” بأنواعها، الشماتة، التهويل، الغرائزية، القطيعية، وغيرها مما يخطر ولا يخطر في بال، حتى وصل الأمر بالكثير من تلك المنصات، التي تدّعي أنها “صوت الناس” وناقلة مواجعهم، إلى نقل أخبار بطريقة – القص لصق – عن منصات خارج الحدود، واضح توجهها وأجندتها وضوح الشمس، لكن هذا لن يكون عائقاً أمام القائمين عليها من “صبيان” المهنة، لنقل تلك الأخبار البغيضة، التي تُبث وتُنشر كما السموم في الجسد، وإن كانت ترتدي لبوس الحيادية في نقل الخبر، دون تحقق بسيط، لا يتطلب إلا الفهم لطبيعة الخبر قبل نشره، لكن حتى هذا لا يتم أخذه بالحسبان، هذا فضلاً عن نشر أخبار ملفقة عن حدوث جرائم خطف وقتل، لم تحدث إلا في الخيال المريض للمشرفين عليها.

هذا الفلتان “الإعلامي” لا يجوز أن يبقى دون محاسبة، فالناس منهكون من قسوة الحياة وصعوباتها التي لا تنتهي، وليسوا أبداً بحاجة إلى جرعات الإثارة الرخيصة، التي تفعل أفعالها بهم، وتجعلهم لا يرون إلا السواد الحالك.

بالتأكيد ليس الواقع مثالياً، والهموم الاجتماعية والإنسانية، طالت الجميع وأثقلت كاهل الناس، لكن هذا لا يعني المتاجرة الرخيصة بأوجاعهم، كرمى خاطر “التريند”، والمصالح الشخصية الضيقة، التي تتحكم في عمل هذه المواقع والمنصات المشؤومة.

تمّام علي بركات