ثقافةصحيفة البعث

توقيع مجموعة “على بُعد فراشة” وإضاءات نقدية

“على بُعد فراشة” مجموعة الأديب عماد الفياض الصادرة عن دار بعل الحافلة بنداءات العشق المرتبطة بذاك التل الحزين في الجولان المحتل، كانت محور إضاءات نقدية بمشاركة د. عبد الله الشاهر وأحمد هلال وإيمان موصللي بإدارة الأديب أيمن الحسن وتقديم الشاعرة سمر كلاس في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة)، وقد تمحورت الآراء النقدية في المقاربة باستلهام عماد الفياض من سفر نشيد الإنشاد، وتصويره البيئة الجغرافية بمفرداته، وربطه بين الأنثى والوطن والتكرار الإيقاعي بغية التوكيد على الحدث.

الموروث في القصيدة

بدأ د. عبد الله الشاهر من العنوان “على بُعد فراشة”، فالفراشة لا ترتفع كثيراً، وهي في متناول اليد لاتفارق حقولنا، لذلك العنوان كان ملتصقاً بالموضوع، وجاء الغلاف بألوان زاهية للوحة المتموضعة على أرضية قاتمة تتوسطها امرأة عارية، وقد مال رأسها باتجاه دوامة عاصفة واختفت معالم وجهها وامتدت يداها لتكونا جناحي فراشة بتشكيل رائع حقّق الهدف من حيث قدرة الغلاف على شدّ انتباه المتلقي ودفعه للاطلاع على المضمون. أما الشكل فقسّم إلى أربعة عناوين تضم مقطوعات مرقمة بالأرقام، نشيد البداية احتوى على ثماني مقطوعات مبتدئاً بالضمير أنت:

يا أنت يا أنثاي/ ياستَ البنات/ أنت الجميلة والبلاد هي البلاد/ تخضر في كفيك/ تورق الأرض اليباب

ونشيد النهاية الذي ضمّ أيضاً ثماني مقطوعات:

وأورق الصفصاف عند العين/ أورقنا أنا أنت/ أورقنا أخيراً/ والآن قولي كيف أنت الآن؟

المجموعة محكومة بين نشيدين يتخللهما هو وهي يشكّلان بنائية متناغمة توحي بالتنظيم الفكري، ويحمل نشيد البداية حوارية رشيقة، لتكتمل القصة في نشيد النهاية، وتابع الشاهر بأن الشاعر صاغ الفكرة الأساسية من جغرافية الوطن والمحبة وربط بتوصيفات مطابقة للجغرافيا، ففي إحدى مقطوعات “هي”:

يا حبيبي/ أنا الجداول والعطور/ روح السهول تفيض مني ياحبيبي/ أنا البنفسج والزهور/ والعشب

كلها دلالات واضحة استحضرها الشاعر لتدلّ على أن الحب حالة مجتمعية للأنثى والوطن يخاطب فيها إنسانية الإنسان، بلغة ذات جرس إيقاعي، كما استحضر مفردات مستوحاة من البيئة “النعناع– الشومر- التفاح– ومفردات تدل على التجذر بالبيئة تجرجر– يشرّش”، واهتمّ بإدراج أهازيج “هيلا هيلا” وهناك نثرية واضحة في بعض المقطوعات جاءت بروح مباشرة. وأكثر من فعل الأمر “احملني- مددني- اضغط- افركني- مسّد- جذف- اترك” واعتمد على التكرار للتوكيد “أوقفوني، أوقفوني- جردوني من ثيابي جردوني- فعذبوني، عذبوني”، وأقحم الموروث الشعبي ضمن القصيدة:

أشعلن بخوراً كثيفاً/ كي يرد العين/ ويشتّت الحساد عنها/ وطفن سبعاً حولها

الحب والحرب

ورأت الشاعرة إيمان موصللي أن الشاعر عماد الفياض الذي درس اللغة الإنكليزية وأبدع بكتابة الشعر مرّر تجربته الغنية في سواقي الذاكرة من قريته في الجولان المحتل “سكوفيا” الحاضرة دائماً بجمال محياها، عماد المتصوف مع الطبيعة محرابه الشجرة وسجادته الغيوم، فهو بعيد عن السريالية والغموض يتسم بمفردات سلسة وقريبة من المتلقي تدخل القلب كماء رقراق، وقد استلهم مجموعته من تأثره “بسفر نشيد الإنشاد” لكن بأسلوبه الخاص، في هذه المجموعة يقسّم كونَه إلى بداية ونهاية وما بينهما هو وهي آدم وحواء. في نشيد البداية يدعو أنثاه لتبدأ معه الغناء بحوار شعري “يا أنت يا أنت” سجال خاطف للروح:

يا ست البنات/ قومي معي/ كفي بكفك لا فراق/ هيا لنهبطها البلاد/ نهبطها الهوينى/ ننقب عن أمانينا/ وعمّا ضاع منّا

ويجسّد هي على أنها آلهة “عمديني بندى مسامك وامنحيني عطراً..” بسلاسة في المعنى وعمق ومتانة في المبنى، لتصل إلى طرح سؤال لماذا بدأ بـ”هو ولم يبدأ بـ”هي” أهي أنانية شاعر أم هي رسالة مبطنة نجد الإجابة عنها في مقطوعات هي، وتوقفت عند بعض الصور الهادئة والمثيرة معاً:

دعوا الغزالة تتكئ بجوارها/ ودعوا الحمام يظلل الدنيا عليها/ هي نائمة ترتاح من هذا العناء/ ومن الرحيل إلى الرحيل إلى الرحيل

وأوضحت الجرأة المدروسة في المفردات والأسلوب، إذ وصف السيف الدمشقي بالخصوبة والعطاء وهذه صفات عشتار آلهة الخصوبة المرتبطة برمزية إلى حضارتنا إلى سورية مهد الحضارات. وأشارت موصللي إلى الحب في أزمنة الحرب ودعوة إلى السلام ومعاناة الإنسان على مرّ الزمان:

اهرب حبيبي/ وإذا استطعت تسلق الأسوار/ اهدمها بضربة معول/ انفخ عليها فهي وهم من ورق/ الق التراب على نواطير الكروم

توزيع الأصوات أوركسترالياً

واتسمت رؤية الناقد أحمد هلال بالشمولية، فبيّن بأن النص الشعري لعماد الفياض كثيف يبتدئ بنشيد البداية وصولاً إلى نشيد النهاية وما بينهما من أصوات شعرية متلبسة بضمائرها –هو وهي- اتصالاً وانفصالاً وتعضيداً للسياق المحيط باللغة أو الجملة ووحدة السياق، إضافة إلى المكانية والزمانية، وللأصوات دلالة جوهرية تتوزع موسيقياً توزيعاً أوركسترالياً وفق قيمتين هما: دراما الحدث ودراما اللغة، ويحفل النص بالكثير من الاستعارات المولدة للعديد من العلامات اللغوية، وفي سياقاته الجمالية الأكثر ميلاً إلى التناغم والاتساق من الجزء إلى الكل، ويرى هلال أن نص الفياض انبنى على مرجعياته التي تغذت من سفر نشيد الإنشاد ومع ما يتلامح بها من أصوات درويش وسميح القاسم ووالت ويتمان في كتابه أوراق العشب، ثم كتب نصه الصافي القائم على حوارية الأصوات، ويتقاطع هلال مع موصللي بالتقابل الدلالي مع سفر نشيد الإنشاد الذي تضمن: “وتزينت بدم البنفسج والحقول، وتعطرت بندى السهول” ويقول الفياض:

استحلفكن يابنات/ بأسرار الخزامى/ بتفتح الرمان

وتقاطع هلال مع د. الشاهر من حيث التكرار، ويصفه بالتكرار الإيقاعي الذي يعضد العاطفة والاتساق ليؤكد على الحميمية وأفعال المجاورة والالتحام، ليشي بديناميكية النص وفق منطقي التوالد والصيرورة في عالم حكائي واقعي ولا واقعي صادق ومخاتل، ليصطفي مقولاته الأسطورية في جدلية العشق والشعر. ويكتشف هلال شيئاً من السلبية في بعض القفلات المجانية التي تعني حشواً مثل “كل المحبة لك” كما تحدث عن تلوّن فصيح اللغة بالشفاهي كما في:

أصيح بالرعيان في السفح البعيد/ أما شفتم حبيبي؟

ليخلص إلى شعرية الاختلاف القائمة على تخصيب المعنى واستثمار الحكاية، وإلى التناص والتحويل واستثمار الدلالة.

ملده شويكاني