مجلة البعث الأسبوعية

لم تخرّج لاعباً واحداً ومدربوها متدربون ومتدربات البيوت والمدارس الرياضية فقدت البوصلة.. لا متابعة ولا برامج رياضية وكل يعمل على هواه!!

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

الحديث يطول عن المدارس الرياضية الخاصة، أو التي تتبناها الأندية بشقيها الصيفي والشتوي؛ ودرجت هذه المدارس قبل ثلاثة عقود في كل بقعة من أنديتنا وملاعبنا ومدننا الرياضية، وبات كل مهتم لديه مدرسة رياضية سواء حققت الشروط أو لم تحققها، وبعضهم رفع السقف إلى أعلى ما يمكن من خلال تسمية مدرسته بالأكاديمية، وللأسف لا يعرفون معنى هذه الكلمة..!

والحديث عن المدارس له شقان: الأول المدارس الخاصة، والثاني المدارس في الأندية.

المدارس الخاصة أخذت مظهراً أكثر من مدارس الأندية من حيث “البريستيج”، وربما الدعاية والإعلان، وهذه المدارس تستأجر قطعة من ملعب في أي مدينة رياضية أو ناد، وتقيم عليها هذه المدرسة مقدمة فوائد قليلة، منها أنها ترعى الصغار في حب كرة القدم أو السلة بعيداً عن اللهو والعبث في الشوارع، وثانيها أنها تشغل بعض المدربين الشبان الذين لا يجدون مكاناً لهم في الأندية، وهي ترفيهية أكثر من كونها رعاية المواهب وتطويرها، والغاية الأساسية لأصحاب هذه المدارس جني الأرباح والحصول على الفوائد المادية، وللأسف لم نسمع أن هذه المدارس خرّجت لاعباً واحداً.

أغلب هذه المدارس يفتقر للشروط الفنية ولآليات العمل الممنهجة، كما أنها غير مرخصة أصلاً؛ ومن يملك ترخيصاً، أو لنقل موافقة فهي شكلية وبطريقة المعارف والأصحاب من خلال عقد استثمار الملعب أو الصالة، أما الموافقة عبر الترخيص فليس لها أي وجود، لأن آليات الترخيص غير واضحة المعالم، والعملية برمتها خارج الاهتمام والرعاية، وهي فوضوية الشكل والمضمون والعنوان.

 

مدارس الأندية

المدارس في الأندية هي صيفية ولا تحتاج إلى أي موافقة، وغايتها ربحية بالدرجة الأولى، وتعتمد ألعاباً رياضية مختلفة، أهمها السباحة وكرة القدم وكرة السلة وبعض ألعاب القوة، إضافة للشطرنج والبلياردو والرسم والكمبيوتر والجمباز والأيروبيك.

واختيار الألعاب يأتي من باب الترغيب، ومن خلال اهتمام الأطفال ورغباتهم، لذلك فإن المنتسب لهذه الألعاب يختار ما يهوى، ولا يختار ما يناسبه، أما الفوائد في مدارس الأندية فعوائدها تعود بالنفع على صناديقها، فضلاً عن أن الكوادر الإدارية والفنية تستفيد مادياً من هذه المدارس من خلال العمل فيها؛ والفوائد على المنتسبين كثيرة، منها الاطلاع الحقيقي على الألعاب، ومنها اكتساب حب الرياضة، ومنها تعلم أصول الأداء الرياضي، والغاية الأهم هي حماية الأطفال من أذى الشوارع واللهو فيها، وتعلم العادات السيئة.

هذه الإيجابيات نجدها في كل المراكز، صغيرها وكبيرها، ونجد من خلال المتابعة المباشرة أنها تلقى اهتماماً بالغاً من المسؤولين عنها، وخصوصاً توفر شروط السلامة والأمان، فلم يحدث أن تعرض أي منتسب للأذى في هذه المدارس في جميع أندية القطر.

لكن الملاحظ أن الفائدة المتوخاة من هذه المدارس على الصعيد الرياضي مفقودة، لأنها بالدرجة الأولى غير منظمة، ولا تعرف الديمومة والاستمرارية، لأنها صيفية فقط، فالمنتسب هذا الصيف – مثلاً – قد لا ينتسب إلى المدرسة ذاتها في الصيف القادم، لكن علينا التأكيد هنا أنه بإمكاننا الوصول إلى مستويات أفضل إن أحسنّا التنظيم، وإن عملنا على اكتشاف المواهب الصغيرة من هذه المدارس. والتنظيم يكون من خلال فتح إضبارة لكل طالب يدون عليها تطوره الرياضي وميوله وإمكانياته، ومدى صلاحيته ليكون لاعباً موهوباً، وبهذه الحالة يمكن تبني المواهب واستقطابها، وفتح مدرسة شتوية ليستمر هؤلاء قبل أن يتم صقلهم وإلحاقهم بفرق النادي. وهذا التقصير سبب اللامبالاة وعدم الاهتمام من إدارات الأندية بهذه المدارس على الشكل الصحيح، والمشكلة الأكبر أنها مهملة لفرق القواعد، فكيف تهتم بالمدارس؟!

وبكل الأحوال علينا أن نتذكر أن البناء السليم للرياضة يأتي أولاً من المدارس الرياضية، فهي القاعدة الأساسية لاكتشاف الموهوبين، ولابد أن نأتي بمثال هنا من مدرسة نادي المحافظة الكروية. وقد أخبرنا مدرب شباب فريق المحافظة، عصام خدام الجامع، الذي يحتل فريقه المركز الثالث في ترتيب فرق الدوري الممتاز لكرة القدم، أن فريقه هو نتاج نادي المحافظة وجميع لاعبيه تخرجوا من المدرسة الكروية وتدرجوا بفرق النادي، وسيكونون عماد كرة النادي في المستقبل القريب، فلا حاجة بعد سنوات قليلة إلى الاحتراف الخارجي ودفع المال الوفير والكثير للاعبين من خارج النادي؛ وهذه التجربة ليست في نادي المحافظة وحده، بل نلمسها في ناديي الجيش والشرطة أيضاً، وإن كانت بشكل أقل.

 

البيوت الرياضية

البيوت الرياضية ظاهرة انتشرت كثيراً في الآونة الأخيرة، وهذه البيوت لم تكن وليدة هذا الزمان، إنما قديمة جداً، وقد تطورت وتنوعت مع الأيام، وما لا شك فيه أن لها الكثير من الفوائد التي يمكن أن يحصل عليها مرتادوها، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً.

ويقتصر عمل هذه البيوت عند السيدات في جوانب الرشاقة والخفة، فأكثرها ليس رياضياً بحتاً، أي لا يعتمد على اختصاص رياضي كالقوة البدنية وبناء الأجسام والكاراتيه والملاكمة، وغير ذلك، لأن اعتمادها الرئيسي على ما يسمى الأيروبيك. وأغلب الشباب يتجهون اليوم إلى صالات القوة البدنية وبناء الأجسام من أجل المظهر العام و”فتل العضلات”، بينما بقية الألعاب روادها قليلون.

حاجة السوق جعلت هذه البيوت كثيرة ومتعددة ومتنوعة، منها ما هو موجود في الأحياء الشعبية، ومنها ما هو في الأحياء الراقية، أو في الأسواق العامة؛ وهذه الحاجة جعلت بعض البيوت يأخذ المنحى التجاري أكثر من كونه رياضياً يعنى بالصحة والرشاقة ويبني الأجسام بشكل صحيح.

وهناك بيوتات رياضية تختص بألعاب القوة كالكاراتيه والملاكمة والمصارعة والكيك بوكسينغ، وتساهم مساهمة فعالة في بناء هذه الرياضات وتطويرها عبر مدربين اختصاصيين يغذون الأندية باللاعبين، ويشركون لاعبيهم في البطولات الرسمية، وذلك في ظل الإهمال الواضح لهذه الألعاب من قبل الأندية. والمعروف أن النادي – وهذه حقيقة – يتعاقد مع مدرب معروف، ومهمة المدرب تأمين اللاعبين وتأمين أماكن التدريب وإشراكهم في البطولات باسم النادي.

وفي إحصائية بسيطة، نجد أن عدد البيوت في دمشق أكثر من 400 بيت، أكثر من نصفها غير مرخص، ويمارس نشاطه بمعرفته الخاصة؛ وفضلاً عن ذلك، لا يوجد إشراف حقيقي على هذه البيوت، ولا يوجد أي ضوابط للعمل، فكل بيت يعمل وفق هواه وتصوره.

 

تراخيص وشروط

تواصلت “البعث الأسبوعية” مع مهند طه، رئيس اللجنة التنفيذية بدمشق – الجهة المعنية بمنح التراخيص – وسألته عن واقع البيوت، ليبين أن الترخيص مشترك بين اللجنة وبين محافظة دمشق، موضحاً أن البيت الرياضي تلزمه شهادة تدريب وعقد إيجار أو ملكية، ومكان مناسب تجاري وليس منزلي، له مدخل مستقل بمساحة معقولة وحمامات ومرافق معينة، والأهم موافقة الجوار.

وأشار طه إلى أن هناك تصنيفين: درجة ممتازة ودرجة أولى، والتصنيف يتبع حالة البيت الرياضي من خلال المواصفات والمساحة، وأن اللجنة التنفيذية تأخذ رسم اشتراك مقداره ثلاثون ألفاً في السنة، وهناك دراسة لرفع هذا الرسم السنوي بالنسبة للأندية غير المرخصة. وأضاف طه أن هذه مهمة محافظة دمشق، وأن اللجنة اقترحت على المحافظة منح هذه البيوت تراخيص مؤقتة حتى تستكمل الشروط الموضوعة، أما بالنسبة للإشراف على هذه البيوت فهناك لجان متابعة تزور هذه البيوت وتطلع على واقعها.

 

مشكلة حقيقية

من خلال الحديث السابق نجد أن البيوت الرياضية تسير كيفما اتفق، دون أي إِشراف أو متابعة أو برنامج رياضي؛ وكل يعمل على هواه، فلا اتحاد الكيك بوكسينغ – مثلاً – يشرف على البيوت التي تمارس هذه اللعبة، ولا اتحاد بناء الأجسام يعرف كم بيت يمارس هذه اللعبة؛ وحتى زيارات لجان المتابعة – إن كان هناك زيارات – فهي زيارات وديّة لا تفتيشية، وفهمكم كفاية..!

في زيارة لأحد البيوت، وصاحبها مدرب دولي معروف، قال: البيوت غير منضبطة وتفتقر لأهم الشروط، وهي وجود شهادة تدريب وممارسة حقيقية للمدرب، مضيفاً أنه – وللأسف – هناك دورات لمدة خمسة أيام تمنح شهادة للمتدربين، وهذه الشهادة تخول صاحبها فتح بيت رياضي، وهنا نسأل: هل هذه الأيام الخمسة تصنع مدرباً؟ وكيف لمدرب عمره عشرون سنة أن يكون قادراً على التدريب بلعبة معقدة تحتاج بناء جسم وتغذية معينة؟ ما قد يشي، بالنتيجة، أننا نضع هذه الرياضة على الطريق الخطأ، وندمر بالوقت ذاته بناء أجسام شبابنا..! خاصة وأن الكثير من البيوت صارت تجارية، وأهدافها ربحية بحتة، وهي بأيد غير أمينة..!

وعن موضوع الأسعار، أوضح المدرب أنه لا يوجد تسعيرة معينة، فكل بيت له تسعيرة، وهي تختلف باختلاف المكان والأجهزة، ولا يوجد أي ضوابط في هذا الشأن، وربما هي اتفاق بين البيت الرياضي والمتدرب حسب خصوصية التمرين وشكله.

أما عن موضوع التغذية، فهناك أمور معروفة ومكملات غذائية آمنة، لكن تحتاج إلى أخصائي، فكل شخص بحاجة إلى وصفة تختلف عن الآخر، وتتناسب مع الجسم والتمرين، وهنا أكبر المشاكل التي تعترض المتدربين، فهناك مدربون ليسوا أهلاً لمثل هذه الوصفات ما يؤدي إلى مضاعفات صحية نحن بغنى عنها.

أما موضوع المنشطات، فكشف أنه لا يوجد أي ضوابط لهذا الأمر، ولا يوجد قانون للحد منه، فالمنشطات تكتشف في البطولات الخارجية التي تعتمد التحليل في بطولاتها؛ وللأسف، ليس لدينا هذه المخابر، ولا نملك أي إجراء حيال المنشطات، فهناك أدوية محظورة وممنوعة، وهي معروفة لدى الجميع، والبعض- للأسف – يستعملها أو يتاجر بها، ولا يمكن كشفها إلا حين الضرر والشكوى.

 

مدربات ومتدربات

على صعيد السيدات، الواقع أكثر غموضاً، وخصوصاً أن اهتمام السيدات يتجه نحو تخفيف الوزن والرشاقة أكثر من رياضة الدفاع عن النفس التي بدأت بالانتشار حالياً، فأكثر المدربات لا يملكن أي شهادة تدريب، وكل ما يملكنه هو عبارة عن تراكم خبرة؛ وحسب معرفتنا بالعديد من البيوت الرياضية الخاصة بالسيدات فقد كانت المدربات عبارة عن متدربات سابقات، تعلمن بعض الحركات وبعض الوصفات الخاصة بالريجيم، وهن يطبقنها على المتدربات دون وجود أي خلفية علمية أو طبية أو غذائية، والشرح هنا يطول لكن كل التفاصيل باتت معروفة وواضحة للجميع.

 

كلمة أخيرة

في الرأي العام، نجد أن وجود البيوت الرياضية أمر واقع، وله ضروراته في ظل عدم اهتمام الأندية، رغم أنه موضوع استثماري مربح؛ ورغم اتجاه بعض الأندية إلى مثل هذه المشاريع إلا أنها قاصرة لعدم وجود آلية عمل جيدة، ولعدم إقبال المدربين نظراً لضعف الرواتب والأجور في الأندية.

أمام هذا الواقع، لا بد من تدخل الجهات الرياضية في عمل البيوت من خلال الإشراف المباشر عليها، ووضع خطط التدريب وأسلوبه، ومتابعة ذلك، ومن أجل مراقبة الأدوية المحظورة والمنشطات.

كل ذلك يصب في المصلحة الرياضية، وفي مصلحة المتدربين أيضاً، فاللجنة التنفيذية – كما فهمنا – يقتصر دورها على الترخيص وقبض الاشتراك السنوي؛ أما بقية الأمور المهمة فهي خارج كل اهتمام، ولا بد من البحث عن الحلول من أجل رفع سوية هذه البيوت، وحماية المتدربين من أي أخطار، وتحقيق الفائدة لهم.