ثقافةصحيفة البعث

مبادئ نقل المصطلح في كتاب “ترجمة المصطلح العلمي”

‎يدعو كتاب “ترجمة المصطلح العلمي.. مبادئ أساسية” للدكتورة لبانة مشوّح، إصدار الهيئة العامة السورية للكتاب، إلى ضرورة مراعاة منهجية محدّدة ومبادئ أساسية في ترجمة ووضع المصطلح العربي العلمي، بالاعتماد على أولويات المجامع العربية، وكذلك أولويات المترجمين في نقل المصطلح الأجنبي إلى اللغة العربية.

‎تبدأ صفحات الكتاب بالحديث عن تدفق كمّ هائل من المصطلحات العلمية من شتى الحقول المعرفية العلمية والفلسفية إلى اللغة العربية، وكلها اقتضتها الحاجة المعرفية ومتطلبات تعريب التعليم التي كان للجامعة السورية فضل إطلاقها منذ مطلع القرن العشرين، ولذلك فإن ترجمة المصطلحات الأجنبية في الحقل العلمي هي مما درج العرب قديماً وحديثاً على اتباعه، ولكن نظراً لتنوع المصادر اللغوية التي تنقل منها العلوم الوافدة ولتعدّد مفاهيم المصطلح النظرية، ولأن الجهود البحثية والترجمية المواكبة والداعمة لعملية النقل، هي جهود مبعثرة يعوزها التنسيق وتشوبها علّة السرعة وتنقصها المنهجية، كان لابد من وضع ضوابط وآليات توخياً للدقة في إيجاد المقابلات الاصطلاحية العربية الأكثر تعبيراً عن المفهوم المراد، مع الحفاظ في آن معاً على جوهر العربية وأوزانها وخصائصها، وبناءً على ذلك أقرّت مجامع اللغة العربية منهجية محدّدة ومبادئ أساسية واجبة المراعاة عند نقل المصطلح الأجنبي إلى اللغة العربية، ورتّبت طرق وضع المقابلات العربية للمصطلحات الأجنبية بحسب الأولوية والأفضلية وفق التسلسل الآتي: إحياء الفصيح، التوليد بالاشتقاق أو المجاز أو النحت، ترجمة المصطلحات بمعانيها، وآخرها التعريب.

وإذا كان هذا بالنسبة لأولويات المجامع العربية، فماذا عن أولويات المترجمين أنفسهم وممارساتهم اليومية؟.

تذكرُ صفحات الكتاب أن مراجعة سريعة للبحوث والمقالات تبيّن لنا أن الأولويات تكاد تكون معكوسة لدى البعض، إما استسهالاً، وإما لضرورة السرعة في إنجاز الترجمة، إذ يبدأ الكتاب بأكثر الطرق شيوعاً وأسرعها في وضع المصطلح العلمي العربي وهي نقل المصطلح الأجنبي بترجمة معانيه، وهو يقتضي الترجمة الدقيقة وتحري اللفظ الأكثر توافقاً مع المعادل التصوري للمصطلح الأصل، والأفضل في هذه الحالة مقابلة كل مصطلح أجنبي بكلمة واحدة ما أمكن إلى ذلك سبيلا، ولكن هذا ليس شرطاً إذ يمكن ترجمته بكلمتين، وينبغي للمترجم أن ينتبه إلى أن هناك مفاهيم عدة يمكن أن يحتملها المصطلح المترجم الواحد فيختار منها ما يناسب السياق، وربما عليه أن يقترح منعاً للبس مقابلات أخرى للتمييز بين المفاهيم المختلفة، ومن الملاحظ أيضاً في النصوص العلمية شيوع مصطلحات اتُبع في وضعها منهج التعريب بتكييف المصطلحات المعربة وتطويعها بما يتوافق والنظامين الصوتي والصرفي للعربية وبعض الأوزان العربية، كما هي الحال في مصطلحات لسانية من نحو السوسيولوجيا والدغماتية والسيميائية. وهنا يُطرح سؤال مشروع عن مدى جواز التمادي في مسألة تعريب المصطلح، فإذا أجزنا بالتطويع الصوتي والصرفي بعضاً من تلك المصطلحات، ما المانع أن نستسهل ونختصر الزمن والجهد ونطلق العنان في نصوصنا العلمية للتعريب، فنعرّب مثلاً (كورونا) ونشتق منها صيغة الفعل (كورن) واسم الفاعل (مكورن) طالما أننا قبلنا أفعالاً أخرى، لذلك إن التمادي في مسألة تعريب المصطلح له مخاطر عدة، ليس أقلها تغريب النص العلمي وإبهامه وإغلاقه على المدارك بجعله حكراً على من يعرف اللغة الأجنبية التي نقل عنها، فضلاً عن إفقار اللغة العربية وإغراقها بألفاظ لا ارتباط لها في ذهن المتلقي بمفاهيم واضحة، الأمر الذي ينأى بالترجمة عن مقصدها الأساسي، لذلك فالأولى في عملية النقل أن يرجع المترجم إلى التراث العلمي العربي فيستنبط منه ما فيه من مفردات يمكن أن تصلح لأن تكون مصطلحات علمية، وهذا ما يُسمّى بمنهج إحياء التراث، كما يمكن للمترجم أن يلجأ إلى منهج آخر في وضع المصطلح وهو التوليد بما فيه من مجاز واشتقاق ونحت، والمولّد من الكلام هو ما استُحدث واكتسب طابع الجدة والابتكار، أما الاشتقاق فهو أحد أكثر الوسائل التي يلجأ إليها في ترجمة مصطلحات تحمل مفاهيم عديدة تنطلق من أصل الكلمة والعنصر الثابت فيها، ومن منهجيات ترجمة المصطلح أيضاً التوليد الدلالي في المجاز وفي ذلك تطوير المعنى اللغوي للفظ ما، أي بتضمينه مفهوماً مجازياً أو مفهوماً علمياً محدّداً وجديداً.

كما تطرق الكتاب إلى أسلوب النحت في وضع المصطلح، ويُعرف بأنه بناء كلمة جديدة من كلمتين أو أكثر، بحيث تكون الكلمتان متباينتين في المعنى والصورة، وتكون الكلمة الجديدة آخذة منهما جميعاً، ويجب اللجوء إليه فقط عند الضرورة القصوى وضمن حدود ضيّقة ووفق معايير معينة، فهو إن كان جائزاً في العربية لكنه غير محبّذ من اللغويين الذين ينصحون بعدم التوسع في استعماله كي لا يؤدي إلى إفقار اللغة وحرمانها من أهم عوامل تنمية مخزونها اللفظي وعصرنته، بما لا يخرج عن ثوابت أنظمتها الصوتية والصرفية ولا يخالف أصولها وضوابطها.

‎باختصار.. يقدّم الكتاب أفكاره بإيجاز وتكثيف وبساطة وسلاسة، وتدور فكرته الأساسية حول أن لترجمة المصطلح مبادئ ومناهج وأصولاً ينبغي للمترجم أن يدركها ويلتزمها، وأن يحاكم في ممارساته الترجمية للأمور، منتقياً ما يصيب به الهدف في نقل المفاهيم العلمية بعيداً عن اللبس والغموض، بما لا يسيء إلى أصول العربية ومقاييسها وجمالها، وبما يرسخ المفاهيم العلمية ويسهم في نشرها، وصولاً إلى بناء مجتمع المعرفة الذي ينتقل بالأمم من الجهل والعجز إلى المعرفة والقدرة.

لوردا فوزي