دراساتصحيفة البعث

هولندا.. دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية في سورية

د. معن منيف سليمان

كشفت وسائل إعلام هولندية ملفات تورّط الحكومة الهولندية بدعم التنظيمات الإرهابية في سورية على مدى عدّة سنوات، فيما اعترف رئيس الوزراء الهولندي مارك روته جهارة بتدخله شخصياً لعرقلة تحقيقات لجنة تقصي حقائق حول تقديم حكومته ملايين الدولارات للإرهابيين وتزويدهم بمعدات تكنولوجية خاصة بالاتصالات وبعتاد عسكري ولوجستي ومئات الشاحنات والآليات المختلفة. وتذرّعت الحكومة الهولندية بأسباب تدخلها لعرقلة مسار التحقيقات بأنها ستؤدي إلى فضح معلومات سرية!.

دعمت الحكومة الهولندية ما يسمى فصائل “الجبهة الشامية” بين أيار 2015، ونيسان عام 2018، فقدّمت لهم أكثر من 25 مليون يورو ومواد غذائية وأدوية ومعدّات اتصال وخيام والزي الرسمي للجبهة. وكانت مجموعات من الفصائل الإرهابية المسلّحة العاملة في محافظة حلب أعلنت في عام 2014، عن اتحادها تحت اسم “الجبهة الشامية” التي تضمّ كلاً مما يسمى “الجبهة الإسلامية” (أحرار الشام ولواء التوحيد)، و”جيش المجاهدين” و”تجمع فاستقم كما أمرت” وحركة “نور الدين الزنكي” و”جبهة الأصالة”. وجاء هذا الاتحاد بعد يوم من إعلان الفصائل نفسها تشكيل “غرفة عمليات حلب”.

واستمر دعم الحكومة الهولندية حيث زوّدت في عام 2017 فصائل تلك الجبهة بشاحنات وبزّات عسكرية وتجهيزات أخرى، في الوقت الذي كان فيه الادعاء العام الهولندي في روتردام يحقّق مع إرهابي ينتمي إلى “الجبهة الشامية” المصنّفة في وثائق المحكمة بأنها “حركة سلفية وإرهابية تسعى لإقامة الخلافة”، وأنها “منظمة هدفها إجرامي”. ما يدلّ على أن الحكومة الهولندية كانت تتعامل مع هذه القضية بازدواجية تامّة وفي تماهٍ منها مع النفاق الذي اتبعته الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي عام 2018، قدمت الحكومة الهولندية أيضاً دعماً لأحد فصائل ما يسمى “الجيش الحر” بمعدات قتالية، ما سبب موجة احتجاج من قبل نواب في البرلمان، مطالبين الحكومة بتقديم أجوبة عن هذا الدعم.

وعلى ضوء كل هذه الأحداث والمعطيات قرّرت الحكومة الهولندية إيقاف مساعداتها المالية للفصائل الإرهابية في سورية. لتتلاحق التقارير التي تفند ذلك وتؤكد أن “معتدلي واشنطن” ما هم إلا إرهابيون انضموا لصفوف تنظيمات إرهابية من بينها “القاعدة” و”داعش”.

ونُشرت المعلومات حينها ضمن تحقيق صحيفة “تراو” الهولندية، بعد أيام من إعلان وزير الخارجية الهولندي، ستيف بلوك، أن الحكومة قطعت كل مساعداتها للفصائل الإرهابية في سورية، بالتزامن مع مطالبة سياسيين ومعارضين وآخرين من الحزب الحاكم، الحكومة الهولندية بتقديم إيضاحات، واصفين التحقيق بأنه “يثير الصدمة”.

وتشكلت لجنة التحقيق البرلمانية في هولندا بعدما كشفت وسيلتان إعلاميتان في وثائقي خاص عام 2017، دعم الحكومة الهولندية لنحو 22 مجموعة إرهابية بينها ما يسمى تنظيم “الجبهة الشامية” المصنفة إرهابية من قبل المؤسسات الهولندية.

في حينها لم يتوصل المحققون الهولنديون إلى أية نتيجة بسبب عرقلة رئيس الحكومة لعمل هذه اللجنة وتعمده إخفاء الأسرار التي تثبت تورطه بشكل مباشر مع الإرهابيين وانتهاكه الفاضح للقانون الدولي والهولندي، إذ أن التنظيمات التي يقوم بدعمها مادياً ولوجستياً في سورية مصنّفة تنظيمات إرهابية من قبل النيابة العامة الهولندية نفسها.

كما أن وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك طالب بوقف التحقيقات عادّاً أنها “ستؤدي إلى مشاكل كبيرة من حيث كشف أمور بالغة السرية وإلى إحراج الحلفاء الذين ستطالهم التحقيقات الهولندية بالضرورة”!.

وتأتي هولندا بالمرتبة الثانية أوروبياً بعد بلجيكا مقارنة بعدد السكان التي كان لها النصيب الأكبر من تصدير الإرهابيين حيث قدّر عدد الإرهابيين الذين توجهوا للقتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق، بالمئات. وكانت وزارة العدل الهولندية أعلنت في عام 2015، أن المئات من المواطنين الهولنديين سافروا إلى سورية والعراق بهدف الانضمام إلى تنظيمات إرهابية مشيرة إلى مقتل ثلاثين منهم وأن بعضهم عاد إلى البلاد حيث أشارت تقييمات الوزارة إلى أن هؤلاء الإرهابيين شاركوا في أحداث إرهابية عدّة أبرزها حادث “شارلي ايبدو” في باريس.

وفي شباط عام 2017، أقرت وكالة الاستخبارات الهولندية أنها تتعامل مع عشرات الأطفال الهولنديين الذين سافروا مع أوليائهم أو من دونهم إلى مناطق انتشار تنظيم “داعش” الإرهابي في العراق وسورية وتلقوا تدريبات عسكرية على يد التنظيم المتطرف.

إن جذور مشكلة دعم الإرهاب هي موجودة في سياسات الحكومة الهولندية التي كانت سبباً في انتشار الفكر المتطرف داخل المجتمع الهولندي وخاصة مع وجود شبكات ربط مع التنظيمات الإرهابية داخل المجتمع الهولندي وخارجه. هذا ما أثبتته وسائل إعلام هولندية ومراقبون في تقارير إعلامية عام 2018.

وبناءً على ذلك تعدّ هولندا من أكثر الدول الأوروبية تصديراً للإرهابيين إلى سورية والعراق، كما أن حكومتها تعدّ من أوائل حكومات الدول الغربية دعماً للتنظيمات الإرهابية الذي يأتي في سياق خضوعها للقرار الأمريكي، وبالتالي فإن مساءلة حكومتها أمام محكمة العدل الدولية التي تستضيفها هولندا واجب قانوني وأخلاقي.