اقتصادصحيفة البعث

هشاشة الـ”مولات” مقابل قوة الـ”أبقار”..!.

حسن النابلسي

سرعان ما أستذكر – لدى أي حديث عن اعتدال الميزان التجاري – مقولة اقتصادية طالما تمنّيت أن تُعتمد كمنهج عمل في بلدنا مفادها أنه “إن لم تُصنّع فأنت تبيع المواد الخام وبالتالي تبيع جزءاً من استقلالك بشكل أو بآخر”..!.

مقولة أشبه ما تكون بأيقونة تختصر جلسات العصف الذهني في ورشات العمل والمحاضرات في المحافل والمؤتمرات الاقتصادية لصياغة أنجع السبل للنهوض بالاقتصاد الوطني ووضعه على السكة الصحيحة عبر تمكينه من امتلاك أقوى أوراق تعزيز أواصر الثبات ومواجهة الضغوط الدولية، ونستحضر في هذا المقام التجربة الألمانية التي أضحت رقماً صعباً في عالم الصناعة والإنتاج على المستويات كافة، وذلك بعد خروجها مدمّرة من الحرب العالمية الثانية ودخولها في مشكلات اقتصادية من العيار الثقيل، استطاعت بفعل الإنتاج ليس تجاوزها فحسب بل أن تتصدّر اقتصادات العالم.

تحدّثنا مراراً وتكراراً عن أهمية التصنيع والإنتاج – ولا ندعي بالطبع إتياننا بجديد فالقاصي والداني يدرك أهمية هذا الطرح جملة وتفصيلاً – ولكن يؤسفنا ما يعانيه هذا الركن من حالة لامبالاة تنذر بإطاحة ما تبقى منه.. فلا الحكومة سخرته كما تقتضي المرحلة، ولا القطاع الخاص حمله على محمل الجد كخيار للخلاص مما ابتلي به الاقتصاد من آفات ضعضعت أركانه وكادت تجهز على قطاعاته، متخذاً من المشاريع الريعية – من مولات تتربّع المهربات على رفوفها، ومطاعم يتخذها أصحاب الملاءات المالية مكاناً لاستعراض بريستيجهم العالي – خياراً سهلاً لدرّ الأرباح، متجاهلاً بذلك استنزاف هذا النوع من المشاريع للقطع الأجنبي والنيل من القوة الشرائية لليرة..!.

أيُعقل الإصرار على التوجّه نحو إقامة مول ضخم أو مجمع مطاعم – على سبيل المثال – يكلف أحدهما ما قد يعادل تكلفة إنشاء عشرة مشاريع إنتاجية صغيرة على أقل تقدير، يستهدف الأرستقراطيين، في بلد بات اقتصاده أحوج ما يكون إلى تأمين أبسط متطلبات العيش للشريحة الواسعة.. أين التخطيط الإستراتيجي القائم على تحفيز الإنتاج؟ أو ليس مشروع تربية بقرة واحدة، بقيمة ربما لا تتجاوز الـ 5 ملايين ليرة سورية، أجدى من مول لا تقل تكلفته عن 1 مليار ليرة بالحد الأدنى..؟!

أيها السادة أصحاب الشأن من القطاعين العام والخاص.. إن كنتم جادين برفع مؤشرات النمو وتخفيض مستويات البطالة التي تجاوزت الـ30% وفقاً لبعض التقديرات الرسمية، وتحسين سعر الصرف، وغير ذلك من العناوين الرامية إلى تحسين مستوى الدخل والعيش، فما عليكم إلا ترسيخ مفهوم الإنتاج كمنهج اقتصادي له الصدارة لجهة التسهيلات والإعفاءات.. مع الإشارة أخيراً إلى أن السلطة التنفيذية لم تنكفئ عن التواصل مع قطاع الأعمال محاولة إعطاء جرعات من الزخم للبنية الإنتاجية كلها، لكن النتائج لا تزال دون أدنى درجات المستوى المطلوب.. فمن المسؤول إذاً..؟ ملف بحاجة إلى تمحيص..؟.

hasanla@Yahoo.com