ثقافةصحيفة البعث

“غرافيك” معرض استعادي في صالة الشعب

افتُتح في صالة الشعب للفنون الجميلة المعرض الاستعادي لفن الغرافيك للعام 2021، ويضمّ مجموعة من الأعمال المقتناة من قبل وزارة الثقافة لعدد من الحفارين السوريين والمشتغلين في فن الغرافيك. وتقيم مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة هذا المعرض من كل عام بغية منح المشاهدين، وخاصة الشباب وطلبة الفنون، فرصة للاطلاع على أهم المقتنيات المتعلقة بالغرافيك في وزارة الثقافة، ويحتلّ فن الحفر في التشكيل السوري مكانة مرموقة إلى جانب فن التصوير الزيتي والنحت، وقد أُدخل تعليمُ هذا الفن كليةَ الفنون الجميلة بدمشق نهاية الستينيات من القرن الماضي، ومن رواد هذا الاتجاه: الفنان غياث الأخرس، وعلي سليم الخالد، وعبد الكريم فرج.. وغيرهم من الفنانين الأساتذة الذين درسوا في كلية الفنون الجميلة وأسسوا أجيالاً من الحفارين المميزين.

يعتمد فن الحفر على تقنية خاصة تُكتسب بالخبرة والدراية العلمية، فضلاً عن الموهبة الأساس لكل متتبع لهذا المجال من الفن البصري الجماهيري كونه يتضمن النسخ والطباعة، حيث يتمّ تحضير الكليشة الأساسية الحاملة للرسم حسب خامتها، كالحفر على المعدن والخشب واللينيليوم والطباعة الحجرية وتقنية الشاشة الحريرية وأعمال التيبوغراف والأعمال ذات النسخة الواحدة المنفذة على اللوحة مباشرة، وبتقاليد فلسفة الحفر الذي يعتمد على عائلة محدّدة من الألوان ومجموعة الخطوط والتهشيرات الحساسة أو العميقة القوية المؤلفة للشكل. كما يتميّز هذا الفن بالتقشف اللوني، حيث يتمّ الاعتماد على اللونين الأبيض والأسود ومجموع الطيف الرمادي بينهما، ويكتسب هذا التدرّج بالحساسية الشخصية للفنان ومدى حضور التهشير في الكليشة الأم، مستفيداً من إمكانيات الخامة الأساس “حجر، معدن، خشب…”، ومن تأثير المنقاش أو الأحماض على السطح في إنتاج أوسع مدى للحساسيات الفيزيائية، وبعد الانتهاء من عملية التحضير الأساسية للكليشة يقوم الفنان بدلكها بالرول أو المدحلة الكاوتشوكية الحاملة لحبر الطباعة، ومن ثم تكبس على الورق أو الكرتون، وبتقنية ميكانيكية خاصة يتمّ تحميل الحبر للوحة التي سترقم في أسفلها مع ذكر تقنية الطباعة، ومعروف أن النسخ الأولى تحمل القيمة المعنوية والمادية الأكبر من النسخ الأخرى، وبالتالي يتمّ تداول هذه النسخ وفق هذا المعيار والتقليد.

اشتغل أغلب الفنانين بهذه التقنية لأهميتها التعبيرية والجماهيرية ولاحتمالات مواضيعها الغنية، وقد أنتج الفنان العالمي غويا أروع الأعمال التي جسّدت الجوع والحرب في التاريخ الإنساني، كما اشتغل عدد من الفنانين السوريين والعرب في هذا المجال وتميّز منهم: مروان قصاب باشي، مصطفى الحلاج، محمد الوهيبي، علي سليم الخالد، نبيل رزوق، طلال العبدالله، ومن الشباب: إياد نصيرات، علاء شرابي، وإياد الحموي، قيم طلاع، وسلام العمارين.. وغيرهم.

ويأتي هذا المعرض الدوري لفن الحفر للتأكيد على أهمية هذا الفن رغم قلة المشتغلين فيه الآن، وذلك لأسباب عدة تعود إلى تراجع القيمة التسويقية لهذه الأعمال، وتقدّم التقنيات الحديثة وفن الطباعة الرقمية التي اجتاحت عالم التأثير البصري وفن الإعلان، إلا أن القيمة المتحفية العالية وما أُنجز منه خلال التاريخ الإنساني يجعل منه الفن البصري الأول في التاريخ الإنساني، خاصة وأن أول تأثير غرافيكي على الأرض كانت الخطوة الأولى للإنسان عليها وما تركته قدمه العارية من أثر على الرمل، فكل عجلات السيارات الحديثة لن تمحو أثر البدايات على هذا الكوكب، ورغم فظاعة الشيء والاستهلاك يبقى الفن قيمة إنسانية خالدة.

أكسم طلاع