تحقيقاتصحيفة البعث

الذكاء الاصطناعي.. مطلب ملح وضرورة للنهوض بقطاع التعليم

نشاهدُ كل يوم التطورات الهائلة والطفرات العلمية والتكنولوجية التي باتت تأخذ طابعاً مختلفاً عما سبقها في أنها باتت تخترق المجتمعات، فلا يمكن لأي مجتمع أن يعيش مستقلاً عنها وعلى كافة الأصعدة، ومهما انعزلت عن المشروع أو عادته فقوة التحولات تفرض نفسها كحاجات ملحة لكل لحظة من الزمان والمكان، ومن قابل تلك التحولات بالشك أو الرفض، أو على الأقل بعدم الثقة، ستجده غداً في طليعة المرحبين، إذ أصبح الذكاء الاصطناعي يقود كل هذه التحولات.

التدريب ضمن الواقع الافتراضي
الدكتور خالد عقيل، مؤسّس المعهد العالي لبحوث الليزر وتطبيقاته في جامعة دمشق وعميده سابقاً، أوضح أنه يجب على وزارتي التربية والتعليم العالي إذا أرادتا إحداث نقلة نوعية متقدمة في العملية التعليمية اعتماد تقانة الذكاء الاصطناعي، وهي تقانة واقع افتراضي يحاكي القدرات العقلية السليمة المتميزة للإنسان، أدواتها المعلم أو المدرّس أو الأستاذ الجامعي المتدربون على هذه التقانة بالاستعانة بتقانة المعلومات، من خلال بيانات مستخلصة من تجارب عملية لا حصر لها، كأن يشاهد التلميذ في المدرسة بوساطة نظارات العالم الافتراضي في الأبعاد الثلاثة محاكاة لحلّ مسألة في مادة الرياضيات، مثلاً بطرح السؤال عليه على الشكل التالي: هل المسألة صحيحة أم خاطئة؟ وإذا كانت خاطئة أين هو الخطأ؟ وإذا كانت سليمة فأين حلها؟. وخلال هذه العملية يشغل التلميذ دماغه ويتفاعل مع الموضوع حتى النهاية، وبهذه العملية تتعزّز القدرات العقلية والمحاكمة لدى التلميذ، كما يمكن جعل طالب الطب في الجامعة يتفاعل افتراضياً مع تشريح جسم الإنسان أو إجراء عملية معقدة في الأبعاد الثلاثة، وجعل هذا الطالب يتفاعل مع ما يُعرض من خلال أسئلة وأجوبة وحالات ومشكلات قد تواجهه وتقييم طريقة تعامله معها.
وتمنّى عقيل أن تقوم وزارة التعليم العالي بدراسة تحويل منطقة الهمك الجامعية إلى جامعة متعددة التقانات (بوليتكنيك)، تضم كليات هندسة الميكانيك والكهرباء والإلكترون والمعلوماتية، وجعل المعهد العالي لعلوم الليزر معهداً هندسياً مدة الدراسة الجامعية الأولى فيه خمس سنوات، إضافة للدراسات العليا والبحث العلمي، يُدعى المعهد العالي لهندسة الليزر وتطبيقاته، وإنشاء كلية أو معهد عالٍ خاص بتقانة النانو والذكاء الإصطناعي، ومعهد آخر لعلوم الفضاء وتقاناته.
كما طرح عقيل فكرة تحويل أقسام كلية العلوم إلى كليات بعد أن شاهد إيجابيات هذه الفكرة خلال زيارته لروسيا، حيث حضر الدكتوراه في كلية الفيزياء بجامعة موسكو الحكومية والعديد من الجامعات العالمية الأخرى، وأشار عقيل إلى أن بناء دار الفيزياء في جامعة دمشق أنشئ أصلاً ليكون كلية للفيزياء، والأمر نفسه لدار الكيمياء ويوجد بناء خاص بالبيولوجيا، ولابد لنا من اتخاذ كافة الخطوات الجريئة مهما كان الواقع صعباً، فبالنهاية تولد المعجزات من رحم المعاناة.
تنافس شديد
المهندس أحمد السعيد أوضح أننا نعيش حالياً في ما يُسمّى مجتمع الانترنت، أو مجتمع الوسائط المتعددة الجديدة، أو المجتمع المعولم والمجتمع الرقمي الذي تقوده تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقد حقّقت بعض البلدان النامية تقدماً في التنمية الاقتصادية، وتحسين الوضع الصحي، والقضاء على الفقر وزيادة التعليم وتطوير الإنتاجية الزراعية ومحو الأمية، وتحسين وضع المياه والري، وبتنا نشاهد دولاً عربية تنافس غيرها في اعتلاء قمة هذا المجتمع، حيث حلّت الإمارات على سبيل المثال في المرتبة الأولى عربياً و16 عالمياً من خلال امتلاكها رؤية وطنية للذكاء الاصطناعي وإطاراً تشريعياً لاستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتوافر المهارات في استخدام التكنولوجيا ونمو قطاع التكنولوجيا وتطور الاتصالات.
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي يوفر فرصاً للتعليم والتعلّم الذاتي والتدريب، من خلال منصات متخصّصة مجانية أو حتى منخفضة التكلفة وموفرة للوقت، بل وأثبتت كل التميز في ظل جائحة كورونا، والقدرة الفائقة على الأداء المعرفي للوظائف التي يقوم بها الإنسان، بما في ذلك التعلّم والتفكر والتحدث وحلّ المشكلات، وممارسة بعض السلوك البشري ومعالجة كمّ كبير من المعلومات، كما أصبح هذا الذكاء جزءاً مهماً من الصناعات المبتكرة مثل المركبات ذاتية التحكم، والخدمات الإلكترونية، والاستشارات الحقوقية ومعالجة البيانات الكبيرة، والهندسة الوراثية، والكشف عن الاحتيال، والتشخيص الطبي، وحقّق هذا الذكاء الاستخدام الأمثل للخوارزميات التي تشابه العقل البشري، حيث تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي المبنية على الفرضيات والمفاهيم بمعالجة مليارات البيانات التراكمية، والسماح للمستخدمين بالوصول إلى استنتاجات أكثر استنارة ودقة، والمساهمة في إيجاد طرق يتمّ بها معالجة الأزمات والمواقف الحرجة، مثل البحث والإنقاذ في الكوارث الطبيعية، واستخدام الروبوتات كخط دفاع أمامي ضد المخاطر التي قد تهدّد الكيان البشري، وقد تحدث الكثير من العباقرة والكتّاب عن مستقبل هذه الظاهرة بإسهاب، وخاصة في التعليم ومنهم نيل مؤلف كتاب “قيامة الذكاء الصناعي في التعليم، هل يجب أن تحل الروبوتات محل المعلمين؟” الذي ركز على أن المجال التعليمي ذا السياقات الاجتماعية والأجنحة السياسية أصبح الآن في تنافس شديد مع هذه التكنولوجيا والروبوتات.

بشار محي الدين المحمد