مجلة البعث الأسبوعية

“أرسم حلمي” في حملتها التطوعية الرابعة!! فنانون يلوّنون حلم الطفولة ورسائل للمارة عبر لوحات جدارية و”حيطان بتحكي”

“البعث الأسبوعية” ــ لينا أحمد نبيعة

برهافة حسهم وموهبتهم الفريدة، يلتقطون تفاصيل الجمال بسرعة البرق، ويحسون بها، يعكسون ما بأرواحهم وقلوبهم من جمال؛ بعملهم الإبداعي يحاربون القبح والتشوه بشتى الألوان، سلاحهم الفردي ريشة مبللة بالأمل والحياة، يعزفون بها لحن الحب المسكون بتفاصيل الجمال؛ حيطانهم تحكي لنا وللأجيال القادمة قصصاً محبوكة بإتقان تخبئ لنا “خبريات” عما قيل ولم يقل.

 

حق الطفل في رؤية الجمال

جمعية “أرسم حلمي” الفنية، المتمثلة بفريقها المبدع: التشكيلية هيام سلمان، النحات ماهر علاء الدين، مونيتورة علاء الدين، غيداء، لين، سيدرا، ومجموعة من الطالبات اليافعات في الجمعية، كان لنا شرف الحديث معهم لتنعرف أكثر على حملتهم الإنسانية “حيطان بتحكي رقم 4”. والبداية كانت مع الفنانة التشكيلية هيام سلمان:

هذه الحملة هي امتداد لحملة “حيطانا بتحكي” 1 و2 و3، وجاءت تلبية لاحتياج ملح لمسناه عند تواصلنا مع أهالي الأطفال في روضة الشهيد سمير قاسم، في بسنادا، وهي روضة مجاورة لمقر جمعية “أرسم حلمي” الفنية. كان الأهالي يتذمرون من واقع الروضة السيئ وباحتها الخالية من أية مؤثرات بصرية جذابة للأطفال؛ وبالتعاون بين “أرسم حلمي” وجمعية “بسنادا الخيرية” وأفراد من المجتمع المحلي، تم شراء الألوان والمعدات اللازمة لتأهيل باحة الروضة وجدرانها الداخلية والخارجية، وقام فريق “أرسم حلمي” التطوعي، المكون من مجموعة من الصبايا الفنانات، بإنجاز العمل تحت شعار “عملي غالي الثمن لكني لا أتقاضى عليه أجراً..”.

وأضافت سلمان: الحملة حققت أهدافاً متنوعة، كان من أهمها تكاتف الجهود المجتمعية لتحقيق خدمة يستفيد منها أطفال الروضة، وبث الفرح والبهجة في نفوسهم، وهذا ما رأيناه خلال تنفيذ الجداريات التي حملت مواضيع تعليمية، للحروف والأرقام وإشارات الجمع والطرح والقسمة، بالإضافة إلى مشاهد من البيئة المحلية الساحلية لمدينة اللاذقية الجميلة “بحر وأسماك، أشجار وورود، بيوت، دجاجات.. إلخ”؛

كما كان للحب مساحة رسمنا فيها البالونات الملونة والقلوب المتدلية وقوس قزح وفراشات زاهية الألوان وبعض الشخصيات الكرتونية التي تشد انتباه الأطفال، وأعتقد أننا في هذه الحملة انتصرنا لحق الأطفال في مشاهدة الجمال، وتحقيق أحلامهم الملونة كلما مروا أمام الجداريات في روضتهم آملين لقلوبهم كل الفرح.

وتابعت الفنانة هيام: لطالما كان فن الجداريات من أقدم أنواع الفنون التي عرفها الإنسان عبر الزمن، والتي بدأت بالرسم على جدران الكهوف لتعبر عن تفريغ مشاعر إنسان الكهوف من خوف ورهبة أو قوة ما.. إلخ، وكانت منذ ذلك الحين شكلاً من أشكال الإبداع الذي أخذ يتطور يوماً بعد يوم وظل يكرس حالة توثيقية مهمة في تاريخ الشعوب. وعملنا بالحملة يندرج في هذا الإطار الثقافي والاجتماعي، ولا نعتبر أننا نقوم بهذا الفن كنوع من التفريغ الذاتي الذي يقوم به فنان الغرافيتي في “الغرب”، حيث لا تمثل الجدارية سوى تصورات الفنانين الخاصة جداً دون الاكتراث لرأي العامة.

 

الحملة مجانية بالكامل

وتابعت: حملاتنا تأتي بعد دراسة لحاجة مجتمعية، وننظر للرسم على الجدران على أنه مسؤولية على عاتقنا، لا نهدف منه إلى تحقيق أية شهرة أو أي أجر، وتمويل مواده من أفراد ومؤسسات البيئة المحلية، وهذا بحد ذاته دليل على اهتمام أفراد المجتمع المحلي بهذا النوع من الفنون، وإدراكهم لمدى تأثيره الإيجابي على الناس، كما أن دلالاته تمتد لتعبر عن ثقة المجتمع المحلي بالجمعية وفريقها التطوعي، ولا أخفيك سراً إن قلت أننا دائماً ما نتلقى طلبات للقيام بحملات كهذه، ولكن ما يعيق القيام بها أحياناً هو تأمين المواد التي أصبحت غالية الثمن جداً وسط الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد حالياً، لكننا دائما نتحمس للفكرة طالما الجدران التي يطلب منا الرسم عليها تستوفي الشروط الخاصة بالحملة، ليتكلم الجدار من خلال اللوحة بلغة الجمال التي نريد لها ان تصل للجميع دون استثناء.

 

أكثر من رسالة

الرسم على الجدران أو ما يعرف بـ “الغرافيتي” يحمل رسائل متعددة معظمها يتعلق بقضايا اجتماعية أو ثقافية أو سياسية، بالإضافة إلى رسائله الفنية الجمالية وأحيانا التزيينية، ويعتمد غالباً على شخص أو مجموعة أشخاص يحبون الرسم ويتقنونه، يرسلون من خلاله رسائل للمارة عبر لوحاتهم الجدارية، فنرى الناس تقف لتراقب الفنانين خلال العمل، وبعضهم يدلو بدلوه ويعطي رأيه بما أنجز وما يجب أن ينجز، وبعضهم الآخر يتلقى الحالة كما هي، بصمت أحياناً، وبإعجاب أحيانا أخرى!! وفي هذه الحالات من التواصل بين الفنانين والجمهور العادي في حضرة اللوحة، أهم ما قد ينجز في هذا النوع من الفنون، على ما أعتقد. وفي بعض الأحيان، تكون الجدران بالنسبة للفنانين، وخاصة الشباب منهم، بديلاً للوحة الفنية القماشية يرسلون من خلالها رسائلهم التي لا يستطيعون نقلها عبر القنوات المعتادة، فتأتي رسوماتهم أو كتاباتهم الجدارية بمثابة رسائل مجتمعية تعبر عن مكنوناتهم.

في حملة “حيطانا بتحكي” التي أقامتها جمعية “أرسم حلمي” الفنية وفريقها التطوعي، أردنا أن نقول أننا كسوريين، وبعد حرب طويلة دمرت وشوهت الأماكن والنفوس، نحتاج إلى رؤية الجمال حولنا، في الأماكن العامة الخدمية، كالمستوصف ومشفى الأطفال والروضة، وفي طريقهم إلى منازلهم كالأدراج والجداريات، وانعكاسات كل ذلك عليهم كجمهور – كباراً وصغاراً – بالإضافة لما للحملة من جانب مهم يتعلق بالمتطوعين فيها الذين يقدمون جهدهم ووقتهم في خدمة مجتمعهم دون أن ينتظروا أي أجر، كذلك العلاقة الاجتماعية التي تربطهم خلال العمل الجماعي الذي يعزز مفهوم أن الفن يجمع ويوحد ويرمم الأماكن والنفوس على حد سواء.

 

فن خاص

وتابعت هيام: أعتقد أن هذا الفن يحتاج إلى فنانين لديهم الخبرة اللازمة والقدرة على دراسة متأنية للأماكن المستهدفة، واختيار لوحات تتناسب مع هذه الأماكن، بالإضافة إلى فريق العمل الذي يستطيع أن يصل بالجداريات إلى مستويات عالية، فالشوارع والحارات المهملة الباردة بحاجة إلى ريشة فنان لتتحول إلى أماكن أفضل للعيش، ويتم بالتالي تسليط الضوء عليها، كما حدث خلال حملة “حيطانا بتحكي 3″، على أدراج وجداريات بسنادا، حيث تم تسليط الضوء على هذا الحي الجميل، من خلال الأدراج المميزة والجداريات التي زينتها لوحات لفنانين عالميين مثل فان كوخ وغوستاف كليمنت وكاندنسكي وبيكاسو ودالي.

 

ما يحرك الألوان هو قلبي

خلال الرسم على الجدران، لا شك أننا نكون قد أعددنا أفكارنا ولوحاتنا بما يتناسب مع المكان الذي اخترناه، فلكل جدار قصته الخاصة وحكايته المميزة، لكننا بحملة “حيطانا بتحكي” لا نتصرف كما يفعل فنان الغرافيتي الذي يعمل على الجدران وكأنها مساحته الخاصة، كما لو كان في مرسمه، دون الاكتراث لرأي العامة.. نحن نهتم لرأي الجمهور ورضاه، ولا نريد أبداً أن تكون هناك فجوة بين ما نرسمه وبين الناس، لذلك نحن نحاول أن نختار أماكن تحتاج إلى تلك الحملات، وننفذها بناءً على طلب من المسؤولين عن تلك الأماكن، وندرس معهم المزاج العام والأشخاص الذين سيتأثرون بها، ونخطط لكل خطوة نقوم بها، ليكون كلامنا على تلك الجدران صدىً للمزاج العام، فما يحرك الألوان هو قلوبنا ومحبة الآخر..

 

“الغرافيتي” بين مؤيد ومعارض

في كل مكان في العالم تم فيه الرسم على الجدران، انقسم الناس ما بين مؤيد ومعارض، وغالباً كانت الاعتراضات على حالات معينة تم فيها التعدي على أماكن عامة أو خاصة، وحملت رسائلها ما هو بعيد عن مزاج ساكنيها، ولم تقترب لتلمس شيئاً لديهم؛ وفي حالات أخرى كانت اللوحات سيئةً حين تم إشراك عدد كبير من الفنانين بالرسم دون أن يكون لديهم الخبرة ولا المهارة اللازمة للعمل على الجدران، فتحولت الجداريات إلى تشويه بصري رفضه الناس، وهذا حقهم!! إضافة إلى حالات تم فيها المساس بالأماكن التاريخية والأثرية التي يجب ألا تمس لأنها تحمل قيمتها الغنية والثرية بذاتها، وأي عبث فيها هو عبث بالتاريخ والتراث الإنساني.

 

إعطاء الجدران جرعة من الحياة

النحات ماهر علاء الدين يحدثنا عن الحملة قائلاً: منذ خمسين سنة كانت هذه الروضة مدرستي الابتدائية، وهي عبارة عن بناء قديم لم تطرأ عليه أي تحسينات حتى الآن.. في هذه الحملة، حاولنا مع فريق الجمعية التطوعي أن نغيّر في شكل هذه الجدران، بإعطائها جرعة من الحياة، لأننا نحب الحياة.. كان دوري هو الإشراف العام ومزج الألوان بدرجاتها المختلفة وتقديم الدعم والتوجيهات لبعض المشاركات اللواتي كانت هذه تجربتهن الأولى بالمشاركة بالحملة، بالإضافة إلى أنني كنت على تماس مباشر مع آراء الناس المختلفة حول الحملة بشكل عام وحول اللوحات التي يتم إنجازها بشكل خاص، وقد لفتني أن جميع الآراء كانت إيجابية وداعمة ومشجعة ومباركة لهذا العمل لما له من آثار إيجابية في تجميل المكان بالإضافة إلى تأثيراته المباشرة على أطفال الروضة بشكل خاص.

 

التطوع ثقافة وحب

لين حسون مشرفة الأنشطة الفنية بالجمعية ومشاركة بالحملة تقول: شعور جميل جداً عندما نتقاسم اللحظات الحلوة والعمل مع أشخاص مريحين ولطيفين ومحبين للحياة، وأنا، من وجهة نظري، وجدت أن الانسجام كان عالياً جداً بين عناصر الفريق، والحملة جعلتنا نقترب أكثر من بعضنا البعض، وبرأيي مفهوم التطوع هو إعطاء الآخر من دون مقابل.

سيدرة غالية من الفريق المتطوع تحدثت: عمري 16 سنة، أحب الرسم وأرسم منذ صغري، وقد فزت بعدة جوائز، وحملة “حيطانا بتحكي 4” كانت أول حملة أتطوع فيها، وأول بداية لي بالرسم على الجدران.. أنا جداً سعيدة بهذه المشاركة.

حنان جاموس، متطوعة بالحملة من بدايتها ومشاركة فيها الآن، تقول: كانت الحملة رائعة، والفريق روح ويد واحدة، جمعنا العمل والحب.

 

التطوع قنديل أمان وتجديد للروح

جلنار شحود متطوعة لأول مرة قالت: العمل التطوعي جميل جداً لأنه عمل تشاركي، ولأننا حققنا هذه النقطة بتشاركنا وتعاوننا مع بعضنا، وتمتعنا بروح الالتزام والمرح والحب في العمل، واستطعنا إنجاز العديد من اللوحات التي وضعنا فيها كل جهدنا وعطائنا وحبنا، فالعطاء بدون مقابل منحنا الكثير من الأشياء الثمينة المعنوية.

رزان صبوح، متطوعة لأول مرة، قالت: لا أستطيع أن أصف شعوري تجاه مشاركتي هذه.. كنا كلنا يداً واحدة وقلباً واحداً، حاولنا أن نقدم أفضل ما عندنا.

غيداء دعبول، مشرفة الرسم في الجمعية، قالت: كل ما يهم بالنسبة لنا أن نكون أشخاصاً مؤثرين وقادرين على مد جسور ثقة بيننا وبين الأهالي من خلال تلك الحملات لنرفع مستوى الوعي بالعمل الطوعي، وقد لاقت حملة” حيطانا بتحكي 4″ استحساناً من أهالي بسنادا ما زادنا فرحاً وسعادة، أما عن إحساسي بالعمل الجماعي فهو مزيج من السعادة والفخر لرؤية أقراني من الشباب والشابات في يومنا هذا ما زالوا يملكون الأمل لتغيير واقع بات كئيباً وتعيساً.